تعرفون قصة القط الأسود؟ كتب إدغار ألان بو قصة قصيرة بلغت شهرة عظيمة، لقط ذي لون أسود، تلخص الطريقة التي ينكشف بها الأشخاص الذين يرتكبون أعمالا قذرة. الشعور بالذنب، كما تلمح القصة إلى ذلك، يقود عادة مقترفي هذه الأعمال إلى التصرف بطريقة تجعل من السهل التعرف عليهم. وفي هذه القصة بالضبط، يكون القط الأسود، الذي أريد التخلص منه، قبل أن تؤدي سلسلة من الأفعال المتتالية إلى وقوع مرتكب «الجريمة» في قبضة الشرطة، هو العنصر الذي تجري شيطنته في محاولة لإخفاء الشياطين الحقيقيين. بشكل مبسط، وسنستحضر هنا قصة حزب العدالة والتنمية، فإننا يمكن أن نفهم بواسطة الآليات النفسية، كيف يمكن أن يغطي الانحراف على الحب، كما يمكننا أن نستوعب، بواسطة بعض التخييل، كيف نستطيع أن نكتشف الفاعلين، سواء الأصليين أو المشاركين، في عملية التمويه الجارية وهم يحاولون إقناعنا بأن كل شيء طبيعي تماما. في قصتنا غير المتخيلة، عكس بو، فإن بنكيران «قط أسود» في بيت حزب العدالة والتنمية. وفي الواقع، فإن هذا الحزب ليس أكثر من مأوى قطط وديعة، ومواء بنكيران لا يختلف كثيرا عن مواء باقي القطط. لكن، كما نعرف، فإن صاحب البيت، وقد تغير مزاجه منذ سنتين، أصبحت طباعه أميل إلى الاستياء من القط الأسود. وكما حدث في قصة بو، فإنه يسعى إلى التخلص منه. التلميحات الصادرة عن بنكيران حول الطريقة التي يسعى بها أصحاب البيت الحاليون إلى التخلص منه -عبر محو أي ملمح لميراثه، كما أي تأثير في المستقبل- تعزز الاعتقاد بأن الرجل يتعرض لمكيدة من بيته الداخلي. العثماني في هذه الحكاية ليس سوى قط أسود آخر بصدر ذي فرو أبيض. قط آخر بديل عن القط الذي تجري الآن محاولة كتم أنفاسه الأخيرة، مثلما حدث في حكاية بو. الجماعة الحاكمة في بيت البيجيدي لم تتغير منذ 2012، ولو حق أن يدان أحد ويعلق على المشانق التي تنصب في الوقت الحالي، بكل شعبوية، فليس بنكيران وحده؛ كل الجماعة يجب أن تدفع الثمن. لبنكيران فضل كبير على كل هؤلاء الذين وجدوا أنفسهم مدبرين رئيسيين في الحزب كما الدولة. فهو المصد الأمامي للكيانات التي عملت لعقود دون أن تنجح في الفوز بمكان. كان البيجيدي يسعى دوما إلى أن يحكم دون أن تهمه الشكليات. فهو ليس كالعدل والإحسان، على كل حال، وليست لديه شروط مسبقة. لم يكن البيجيدي سوى حزب وديع تغذي الأسطورة نظافة أيدي أعضائه، ولا يطلب، في المقابل، غير نظافة يدي الدولة. من الضروري أن يطرح السؤال حول ما إن كان البيجيدي سيحظى بموطئ قدم دون بنكيران. بالطريقة التي رأيناها جميعا، فإن بنكيران هو الآلة الكاسحة التي حملت آمال الناس وأودعتها صناديق الاقتراع مرتين متتاليتين. سيصعب علي تصديق أن العثماني بمقدوره أن يفعل ذلك. لقد واكبت حملتين انتخابيتين له، وبشكل تقريبي، لم يفعل أي شيء، وأكثر الناس لا يعرفونه. هذه حقيقة. لكن زخم البيجيدي منذ 2008، لم يترك لصور التعريف أي مكان في التمييز الانتخابي. في تلك السنوات، كان بنكيران قطا أسود مطلوبا، يربت على فروه قادة البيجيدي دون كلل. لكن، وقد تغيرت الأمزجة، كان من الضروري أن يتعرض للخنق. لقد اقتلعوا عينه يوم قبلوا بالتخلي عنه، وهم يملكون ما يكفيهم من السلطة لإقناع الآخرين بأن ما يفعلونه على قدر بالغ من الصواب السياسي. يخيل إلي أن مؤسسات هذا الحزب تحولت إلى صناديق لتسجيل مواقف الجماعة الحاكمة في البيجيدي، رغم المحاولات التي تكاد تقنعنا بأن الهياكل مازالت رائحتها الديمقراطية على أفضل حال. لكن، ليس ذلك كافيا، فمثل قط بو، يجب الإجهاز عليه. القط الأسود عادة ينبغي أن يموت. لقد أصبح بنكيران، الذي يدور مفقأ العين، موضع حذر من أولئك الذين كانوا قريبين منه. وهل هناك أفضل للشنق من استخدام أنشوطة المعاش الاستثنائي. الريع الذي كان يلهث بنكيران لمحاربته، ها هو الآن غير قادر على ممانعة الحصول عليه. وبغض النظر عن كم الكذب، والإحراج المؤسساتي بسبب تلك الوثائق المسربة، فإن بنكيران تعرض لعملية متعمدة للحرق. إننا نتساءل: كيف تتسرب مراسلات على قدر كبير من الحساسية؟ لا يمكن أن يكون ذلك مجرد مصادفة. مازلت مقتنعا بأن «جهة حزبية/حكومية» تتملكها هذه الرغبة في الإجهاز على شخص، حتى وإن كانت الكلفة سمعة بلد بكامله. أصحاب البيت الذين يعارضون «زعيمهم»، يمكنهم فعل أي شيء. لست بصدد توجيه صك اتهام، لكن من الضروري أن نراقب سلوك هؤلاء بارتياب. المراسلات الموجودة في تطبيق مجموعات خاصة بهم على «واتساب» تكاد تنبه إلى وجود طعنة غادرة. سيكون مذهلا مراقبة النهاية التي يصنعها هؤلاء لأنفسهم، ولبيتهم؛ يشبه ذلك منزل صاحب القط الأسود وقد أُحرق كاملا، وبقيت صورة القط المخنوق بشكل غامض، أو ساخر على نحو شيطاني، محفورة على جدار أبيض لم ينهر. إن هذا بالتحديد ما سيحدث لبيت البيجيدي حين يصبح خرابا. لن يتذكر أحد أي شيء آخر، فالعثماني ليس زعيما، وليس في خصائصه الشخصية ما يسمح له بأن يكون كذلك. سيكون العثماني، في نهاية المطاف، ذلك القط الأسود ذا الصدر الأبيض، الذي لم ينجح في ملء فراغ القط الأسود الأصلي. سيكون فقط دليلا أخيرا على الجريمة التي وقعت، وستكون صرخته الأخيرة طنينا للأذن لأولئك الذين خنقوا بنكيران، وسوف يسعون، لا محالة، في سياق تلك المشاعر المختلطة بين الشعور بالذنب والوعي المنحرف، إلى الإجهاز على العثماني أيضا. من المناسب هنا أن أقول إن إدغار ألن بو قد كتب قصته في ذلك الزمن الغابر عام 1843، وكانت محض عمل خيال مرعب، لكن ليس بيده أن يفرض علينا أن ننبه إلى أن أي تطابق مستقبلي بين روايته وبين واقع محدد محض مصادفة.