عبد السلام دخان يعود إدغار آلان بو ليثير جدلا حول أعماله الأدبية، خاصة منها «الغراب» و»القط الأسود» و»سقوط بيت آشر»، ليس في بلتيمور، حيث وُجِد ميتا شريدا مثل أي غريب وإنما وسط المشهد الهوليودي من خلال الفيلم الذي أخرجه جيمس ماكتيغ، صاحب فيلم «V for Vendetta»، فضلا على عمله كمساعد مخرج في عدد من أفلام الخيال العلمي، ومنها الفيلم ذائع الصيت «ماتريكس»، الذي أخرجه، سنة 1999، الأخوان أندي واكووسكي ولاري واكووسكي. ويحاول الفيلم، الذي يحمل عنوان أحد أعمال إدغار آلان بو (-1809 1849) «الغراب»، أن يعكس المظاهر الجمالية التي ميزت كتابات إدغار آلان بو (الموت، الرعب، الخوف، القسوة، الألم، الظلمة، الألغاز، الترقب، الإدمان).. ارتباطا بمسار حياته القاسي وإدمانه المفرط القمار واحتساء الخمر والمعاناة مع المرض.. متنقلا بين أماكن متعددة، مثل فرجينيا وفيلادلفيا، وبين وظائف متعددة (الجندية، الصحافة).. والغريب أن اكتشاف شعرية إدغار آلان بو لم يكن في موطن ولادته في بوسطن (الولاياتالمتحدةالأمريكية)، بل في عاصمة الأنوار، على يد كل من بودلير ومالارميي، نظرا إلى طابع كتاباته المغاير للمألوف والمثير للانتباه، سواء على مستوى الدلالة الخصبة، أو على مستوى استثماره النثر في تصوير مظاهر الاضطراب والشعور بالخوف والقلق والتحول. وقد وصفه دوستوفسكي ب«كاشف الزيف ونازع الأقنعة».. وتُشكّل قصيدة الغراب، ذات السياقات المتعددة موضوعاتيا وفنيا، خاصة ما ارتبط منها بحالة العزلة واليأس بعد وفاة فاتنته ليونور، ملمحا مخوصا في رمزية هذه القصيدة والأبعاد الفانتاستيكية المرتبطة بزيارة الغراب لإغار ألان بو والحوار القاسي والجميل الذي دار بينهما. لكن الشريط السينمائي، الذي يحمل عنوان هذه القصيدة، مركب من مجموعة من أعمال هذا الأديب الاستثنائي في تاريخ الأدب الأمريكي. ويؤدي الممثل جون كوساك دور إدغار آلان بو، الباحث عن القاتل. غير أن هذا العمل السينمائي الذي يحمل عنوان أجمل قصائد إدغار آلان بو، المهووس بهرش أنفه، وهو ما يفسر وضع بو القطن وزجاجة كولونيا على مكتبه ليوقف نزيف أنفه كلما أكثر في هرشه.. وإذا كان بو قد اشتهر برواياته الشيقة، الممزوجة بحوادث القتل،فان فيلم «The Raven»، الذي يصور جوانب مختلفة من حياة إغار ألان بو الغامضة في تفاصيل حياته وفي النهاية المأساوية التي جعلته يغادر الحياة عن سن لا يتجاوز أربعين سنة، شريدا في شوارع مدينة بلتيمور، يتميز بطابع تشويقي على مستوى السرد الفيلمي وما يتخلله من خلخلة مقصودة على مستوى الإدارك البصري لصور تهيمن عليها الألوان الداكنة والقاتمة، مثل عوالم بو المظلمة. وتتسم عوالم جيمس ماكتيغ بالقسوة والتوتر المستمر، خاصة في لحظات يصبح فيها المُشاهد مرتبطا وجدانيا بمصير حبية بو وبمصير القاتل الشرس. وتوحي مشاهد الفيلم بالواقعية، وهي سمة تميز الروايات البوليسية، غير أنها تتسم بخيال سينمائي خصب ساهم الميكساج الدقيق في تنوع دلالاته وفتح أفق انتظار المُشاهد على المحتمَل والممكن، ارتبطا بالصورة السينمائية التي تبدو مباشرة وبعيدة عن الصنعة المفرطة، كما هو الحال في فيلم «المنشار، الذي أخرجه كيفين غروبرت. ويشارك الممثلَ والكاتب جون كوساك، الحاصل على نجمة تحمل اسمه في ما يسمى «ممشى المشاهير في هوليوود» في فيلم «الغرب»، الممثلة أليس إيف البريطانية ذات الأصول الإيرلندية. وإذا كان استحضار أجواء القرن التاسع عشر يطرح جملة من الصعوبات على مستوى التصوير، فإن المخرج جيمس ماكتيغ وجد خلاصه في شوارع وأحياء بودابيست. وتدور أحداث الفيلم حول جرائم بشعة تحدث في بالتيمور، منها قتل أم وابنتها، تماما كما صورها الكاتب إدغار ألان بو في قصصه، فيتحول إلى مدان يحاول إثبات براءته، غير أن الكاتب يقرر اختطاف حبيبة بو.. ويتسم هذا الفيلم الذي يتأطر في سياق أفلام الرعب البوليسية، بقوته التشويقية على نحو ما نجد في مغامارات «شرلوك هولمز» وأفلام ألفريد هتشكوك وفريتز لانغ، وآخرها فيلم «جزيرة شاتر»ن لمارتن سكورسيزي.