في خضمِّ تنامي خطاب الكراهية والتنافر واتساع رقعته، خاصّة مع وسائل الاتصال الحديثة، من المستحب التمسك بقيم «التّمغربيت»، والتوحّد تحت لواء الهوية المواطنة، من أجل التصدّي لخطاب الكراهية الذي بات تناميه يثيرالقلق، بتحوّله من العنف اللفظي إلى العنف المادّي. فاعتماد قيم المواطنة المغربية في علاقتها بالتنوع الثقافي والتعدد اللغوي بديلا لخطاب الكراهية والاختزال والتراتُبية، يُعتبر مدخلا أساسيا لمواجهة «مقولات الصفاء اللغوي والثقافي والاجتماعي والقبلي والترابي…». كما أن من عواقب إعادة مقولات الماضي؛ من قبيل «دولة الخلافة»، و»تامزعا» و»الأمة»… ظهور سلوكات عنيفة مادّية ورمزية، باعثة على خطاب الكراهية وثقافة «الإكسنوفوبيا» (Xenophobia)، وكراهية الآخر والخوف منه. في هذا السياق، يبدو أن الطريقة المُثلى لتقويض خطاب الكراهية، هي تبني خطاب المُصالحة المجتمعية عبر الحوار والارتهان بالزمن الدستوري بإعمال مقتضيات دستور 2011 وإنشاء مؤسسة مستقلة حاضنة، هدفها خلق تراكم يساعد على تبنّي خطة وطنية للتصدي لخطاب الكراهية. في المقابل، لا يمكن تناول خطاب الكراهية إلا بربطه بمدى تملُّك الفاعلين لأسس مقولات الهوية المواطَنة والتنوع والتمازج والرابط الاجتماعيمن خلال اعتماد مقولة التنوع المتكامل. فبرصد تسطيحي لأنواع خطاب الكراهية في حقل التنوع والتعدد بالمغرب يبدو أنّ هذا الخطاب مُؤسَّس على شعور بالمظلومية وعنف رمزي، يتغذّى على خلق بؤرِ تشنّج هوياتي، عمادُها انتهاج مواقفَ متضاربة وإقصائية، من قبيل «الإكسنوفوبيا» التي يوصف بها الأمازيغ والفاشية التي تُلصق بالإسلاميين والعنصرية، والتي يُنعت بها القوميون العرب… كما أنَّ التحول الحاصل في التمثلات الثقافية والاجتماعية تجاه الهوية المواطنة يُستحسن ربْطه بالملامح السوسيو ديموغرافية والثقافية والنفسية والسياسية، في علاقتها بالوضع السوسيو اقتصادي، وقيَم التعبير عن الذات ومشاعر الحرمان النسبي في أوساط الشباب. لذا، فأهمية هذا التحول تكمن في فحوى طبيعة السلوك الهوياتي الذي انتقل في الحالة المغربية من سلوك «سلمي» وحضاري إلى سلوك «حَربي» وعدائي يتحدى السلطة، من خلال إبداع أشكال احتجاجية ترافعية في فضاءات عمومية ورياضية يخطط لها ويتم تحضيرها وتشاركها وإعلانها من خلال بوابة الافتراضي. وتباعا، يقابل عودة مختلف الهويات (الثقافية واللغوية والجنسية والدينية والإيديولوجية والرياضية والترابية والقبلية…) تراجع الهوية المواطنة في المغرب. ومن تجليات هذا التراجع، انعدام السلوك الحضاري في التفاعلات وحضور فلسفة الكراهية وغياب معايير التداول حول مسألة التنوع والتعدد، وحَجْب خطاب المصالحة، ووُجود وسائل اتصال محتضِنة لخطاب اللاتسامح، إضافة إلى الأوضاع السياسية والاجتماعية الباعثة على ثقافة العنف والتنافي والإقصاء. ثمّة إذن، حاجة إلى «التفاوض» والتداول المجتمعي لأنّ إشكالات التعدد والتنوع تُحيل أساسا على قبول الآخر وقبول «طقوسه الاجتماعية»، وتُلغي مواقف التهميش وعدم الاعتراف والتراتبية، وهي محكومة بالقيم المشتركة ودورها في إشاعة ثقافة التنوع وخطاب التسامح والعيش المشترك. في هذا الصدد، أضحتْ لفظة «الحُݣْرة» في ظلّ «الانتقال»، الذي عرفه الحقل الهوياتي في المغرب المرتبط بالحقوق الرمزية (اللغوية والثقافية والدينية والجنسية…) الكلمة الموحِّدة «leitmotiv» لجميع الأطياف المجتمعية الممثلة للتنوع والتعدد. من هذا المنطلق يستلزم بناء الهوية المواطنة إيلاء الأهمية لإشكالات الترابط الاجتماعي والعيش المشترك، وذلك من أجل تطوير مجتمع منسجم ومسؤول ومتضامن يعمل على ترسيخ مبادئ ومرتكزات سياسية هوياتية، هدفها التصدي للإحباط الهوياتي وإرساء مبادئ حقوق الإنسان والطمأنينة والسلم والعدالة الهوياتية والمشاركة في إنتاج وتفعيل صيرورة المأسسة والدسترة، لا سيما في ما يخص الجانب اللغوي والثقافي على ضوء ما جاء به دستور 2011.