استعرض مركز "ستراتفور" الأمريكي للدراسات الاستراتيجية، والأمنية، في تقرير له، “طموحات” المغرب إلى امتلاك نفوذ عالمي، عبر الاستثمارات الضخمة للشركات، والمؤسسات المالية في إفريقيا، في السنوات الماضية، لكنه نبه إلى وجود عدد من المعيقات أمام هذا الطموح، وبينها المستوى العالي من المخاطر في هذه الاستثمارات، وكذا ضرورة معالجة البطالة المستشرية داخل المجتمع المغربي، لاسيما فئة الشباب، لضمان الاستقرار الداخلي للبلد. وقال التقرير، الذي نشر، أول أمس الجمعة، إن تمدد البنوك المغربية في إفريقيا سيضمن للشركات المغربية الاستثمار، والاندماج بشكل أفضل في القارة، ويمكنها بالتالي من النجاح في هذه السوق المربحة. وأوضح التقرير ذاته أن التكامل الاقتصادي المغربي مع باقي الدول الإفريقية – بما في ذلك سعيه إلى إنجاز اتفاقية للتجارة الحرة- سيمكن أيضا من جذب الشركات الأجنبية لزيادة الاستثمارات إلى المغرب. أموال تتحرك جنوبا وشرقا التقرير قال إن المغرب، الذي حافظ على استقراره خلال الاضطرابات، التي شهدتها المنطقة العربية، استفاد من تراجع هيمنة البنوك الأوربية في إفريقيا، باسطا أذرعه المالية في القارة لتعزيز الأرباح، وزيادة نفوذه على الصعيد الدولي، لكنه يشير في الوقت نفسه إلى أن المغرب لايزال بحاجة إلى معالجة مشاكل داخلية، إذا أراد تحقيق هذه الأهداف. كما رصد التقرير توسع وجود البنوك المغربية في إفريقيا بتأسيس فروع لها، أو شراء حصص في بنوك قائمة في أكثر من 20 دولة في غرب القارة، ثم وصولها إلى دول الشرق كرواندا، وكينيا، وكذا اقتحام السوق الإثيوبية، أحد أكثر الاقتصادات ممانعة. وبالموازاة مع انتشار البنوك في القارة، يرصد التقرير تعميق وجود شركات مغربية أخرى في جميع أنحاء إفريقيا، مشيرا إلى ارتفاع عدد زبائن “اتصالات المغرب” إلى 60 مليون مستخدم، ينتشرون في نصف الدول الواقعة وسط، وغرب إفريقيا. وأشار التقرير ذاته إلى أن المغرب وقع، أخيرا، على اتفاق مد أنابيب الغاز مع دول نيجيريا، وكذا الاستثمارات الضخمة، التي يجريها المكتب الشريف للفوسفاط، الذي دخل في شراكة مع إثيوبيا لبناء أكبر مصنع للأسمدة في القارة بتكلفة إجمالية، تصل إلى 3.6 مليار دولار، فيما سيسمح اتفاق السلام الجديد بين إثيبوبيا، وإيرتيريا باستعمال الواجهة البحرية لهذه الأخيرة في تصدير الإنتاج. المغرب ثالث أكبر المستثمرين في إفريقيا 2016 دوافع التوجه الجديد وعن أسباب التوجه نحو إفريقيا أبرز التقرير أن الاقتصاد المغربي نجا من أزمة الركود الاقتصادي العالمي، لكن صادراته تأثرت سلبا بتباطؤ النمو في منطقة الأورو، خلال السنوات الماضية، ما دفعه إلى صياغة سياسة مالية من أجل تنويع دخله، بالتركيز على دول إفريقيا جنوب الصحراء، التي تقدم فرصة مثالية بسبب قربها الجغرافي، وتوسع السوق الاستهلاكية فيها. وأضاف التقرير أن المغرب يحاول استثمار موقعه الجغرافي لجعل البلاد حلقة وصل بين أوربا وإفريقيا، مشيرا إلى التسهيلات، التي أجراها لفائدة شركات صناعة السيارات الأوربية، التي “تتلهف” إلى منفذ جديد إلى الأسواق الإفريقية، وذلك بالاستفادة من تكامل الاقتصاد المغربي مع جيرانه. تنازلات وتحولات لتعزيز النفوذ أشار التقرير إلى أن التكامل الاقتصادي بين المغرب، وباقي الدول الإفريقية يتطلب تقديم بعض التنازلات، فعلى الرغم من المواقف الإفريقية من قضية الصحراء المغربية، فإن الرباط تقوم بتحولات استراتيجية لتأمين مصالحها الجيوسياسية، أملا في نفوذ اقتصادي في القارة، بالإضافة إلى سعي المغرب الحثيث للحصول على عضوية المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا.
مخاطر مرتفعة جاء في التقرير أن مخاطر كبيرة تواجه استثمارات البنوك المغربية في إفريقيا، التي كانت السبب في هروب الاستثمارات الأوربية، خصوصا أن بلدان القارة تعتمد بشكل كبير على صادراتها من السلع. كما نبه المصدر نفسه إلى تحذيرات مؤسسة فيتش الدولية للتصنيف الائتمانى، عبر تقريرها لسنة 2017، الذي أكد على أن ضعف أصول البنوك المغربية يجعلها عرضة، بشكل خاص، للتقلبات الاقتصادية في القارة الإفريقية، محذرا من أن أي ركود مستقبلي في المنطقة سيعرض المؤسسات المالية المغربية لخسائر كبيرة. استثمارات لا تفيد في امتصاص بطالة الشباب حسب ما أشار إليه التقرير، فإن من العوامل الأخرى، التي تقف أمام طموح المغرب بالحصول على نفوذ دولي، معدل البطالة المتدهور في البلاد، لاسيما بالنسبة إلى الشباب، الذين تبلغ نسبة البطالة بينهم 27 في المائة، أي ثلاثة أضعاف المعدل الوطني. وتابع التقرير أن توسع الاستثمارات في قطاع البنوك، والاتصالات خارج الحدود، لن يجلب أي منافع مباشرة للشباب المغربي، الذي يسعى إلى الحصول على مناصب شغل، مبرزا أن حالة الاستياء بين العاطلين منه قد أججت الاحتجاجات، التي عرفتها المملكة، أخيرا. وزاد المصدر نفسه أن الرباط إذا لم تتمكن من التخفيف من الاحتقان الاجتماعي، فإنها قد تضطر إلى وضع أهداف التوسع القاري جانبا لمعالجة عدم الاستقرار الداخلي.