ألقت دعوة الملك محمد السادس للجزائر – بفتح قناة سياسية لحل المشاكل العالقة بين البلدين – حجرا في بركة المياه الآسنة في دول المغرب الكبير. رغم أنه من المبكر التنبؤ بالرد الجزائري، ولكن الدعوة في حد ذاتها تفتح باب الأمل نحو المستقبل. في الحقيقة، تمثل المنطقة المغاربية إحدى المناطق الأقل اندماجا على المستوى الاقتصادي والسياسي. فالتبادلات التجارية بين دول الاتحاد المغاربي لا تتجاوز 3 في المائة، في حين أن تبادلات المغرب مع دول الاتحاد الأوروبي تفوق 60 في المائة. وهذا يرجع، أساسا، إلى الحدود المغلقة بين المغرب والجزائر منذ أكثر من عقدين من الزمن، والتي تمثل آخر الحدود المغلقة على الصعيد العالمي. وهي وضعية تسير ضد توجه عالمي نحو حل مشكلة الحدود في السنوات الأخيرة. فقد دخلت الكوريتان في مسار انفتاح سياسي، كما أن إثيوبيا وإريتريا دخلتا في مسار سلام بعد عقدين من الحرب. في الوقت الذي تسير فيه هذه الدول نحو حل مشكل الحدود والانفتاح، بقي المغرب الكبير استثناء من هذا النمط. تعثر الاتحاد المغاربي مرتبط في عمقه بالتنافس السياسي، وأساسا، بالتنافس المغربي الجزائري على عدة مستويات، لا سيما ملف الصحراء. ومن هنا، فمن شأن تقدم المفاوضات – التي ترعاها الأممالمتحدة بين المغرب والبوليزاريو وتشارك فيها الجزائر – خلال الأشهر المقبلة، أن يكون له آثار إيجابية على العلاقة بين الدولتين، باعتبارهما الطرفين الأساسين في المنطقة المغاربية. ومن هنا، فالدفع بعربة الاتحاد المغاربي لا تتم إلا من خلال مسار سياسي، أي عبر تحقيق تقارب مغربي- جزائري، وتمثل الدعوة الملكية إلى الجزائر فرصة للدفع بهذا التقارب. بالمقابل من المسار السياسي، هناك ثلاثة محاور لم يتم تجريبهما بشكل كاف، ولكنهما لا يقلان أهمية، أي الاندماج الاقتصادي والتعاون على صعيد المجتمعات وتعزيز التعاون العلمي والتكنولوجي. وفي هذا السياق، يمكن للنخب الاقتصادية وناشطي المجتمع المدني والجامعات لعب دور ريادي. يمكن البدء بثلاثة أنشطة بسيطة. الأول يهم رجال الأعمال المغاربيين، والثاني يهم ناشطي المجتمع المدني، والثالث في مجال تعزيز العلاقات الأكاديمية. هذه المجالات بعيدة عن السياسة “الصلبة”، ويمكن أن تشكل مدخلا مفيدا يكون فيه الجميع في وضعية “رابح-رابح”. فلغة المصالح الاقتصادية تبقى في كل الأحوال اللغة الأكثر قوة وجاذبية. وهنا، يمكن لاتحاد مقاولات المغرب زيارة نظراءهم الجزائريين والتنسيق مع باقي جمعيات رجال الأعمال في الدول المغاربية لتنظيم المنتدى الاقتصادي المغاربي. هذا المنتدى سيكون من شأنه تشجيع الاستثمار بين هذه الدول وتبادل التجارب وأفضل الممارسات. المحور الثاني، هو تعزيز العلاقة بين مكونات المجتمعات المغاربية. فمن شأن بناء شبكة مغاربية لناشطي المجتمع المدني أن يشجع التقارب بين الشعبين المغربي والجزائري في وقت فرقت بينهما السياسة. هناك فرصة تلوح في الأفق، وهي أن الجيل الجديد من الشباب في دول المغارب يتطلع أكثر فأكثر نحو الانفتاح والمستقبل، وهذا يتبدى كلما التقيت بأصدقاء وزملاء من الدول المغاربية. المحور الثالث يرتبط بشق التبادل العلمي والثقافي، لا سيما بين المثقفين ومراكز البحث والجامعات. هناك برامج تعاون مثل برنامج ابن خلدون وغيره، كما أن الجامعات تستضيف باحثين من مختلف هذه الدول، ولكن تحتاج هذه المبادرات إلى التكثيف على مستوى الكم والكيف، وإلى التسويق الإعلامي. في كل الأحوال، تبقى الإرادة السياسية هي العامل الحاسم في إنجاح مشروع الاتحاد المغاربي. وما لم يقتنع صناع القرار في الرباطوالجزائر ليس فقط، بأهمية الاندماج ولكن استعجاليته، فسيتم هدر حقوق الأجيال الحالية والمستقبلية.