لم يكن من باب المبالغة ولا الإثارة اختيارنا تقديم خبر اعتماد التوقيت الصيفي طيلة السنة في عددنا السابق، بقرار «تعذيب» المغاربة. بل إن كل ما تلى صدور هذا القرار المغصوب، من محاولات المسؤولين الحكوميين الخروج للتواصل حول موضوع هم أنفسهم لم يكن لهم يد في اختياره ولا علم مسبق به، زاد الانطباع العام بكونهم لا يقولون الحقيقة رسوخا. نعم، مع الاعتذار الشديد إلى أشخاص هؤلاء الوزراء، لأننا نتحدث هنا عن مسؤولين عموميين ولا نطعن في الأشخاص، لكن كل ما أقدمتم على قوله بعد اجتماع الغفلة الذي عقدتموه يوم الجمعة الماضي، يقول إنكم تداهنون وتبررون ما لا قبل لكم بتبريره. وإلا ما معنى تغيير التوقيت الرسمي للدولة مع تعديل مواقيت العمل والدراسة لتناسب التوقيت السابق؟ قولوا لنا بالله عليكم من هذه القوة المرعبة التي داهمتكم على حين غرة، وألزمتكم بفرض التوقيت، الذي يناسب مجتمع وصحة وحياة الفرنسيين، على المغاربة؟ دعونا من الاستنتاجات والقراءات والتأويلات، وتعالوا معي لنستمع إلى ما قاله النائب البرلماني، حسن عديلي، عن فريق العدالة والتنمية. هذا الرجل، الذي يحمل صفة ممثل للأمة، حكى، ويمكن العودة إلى صفحته الفيسبوكية، كيف أنه التقى الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالوظيفة العمومية، محمد بنعبد القادر، على هامش جلسة الأسئلة الشفوية ليوم الاثنين الماضي، «بادرته بالتحية ثم سألته: هل من جديد بخصوص مشكل الساعة الإضافية؟ فرد الوزير: نعم.. نحن قريبون من اتخاذ قرار بتوحيد التوقيت بشكل نهائي. المغاربة لا يناسبهم التوقيت الصيفي، غالبا سنعود إلى الساعة العادية طيلة السنة». النائب البرلماني علّق بالقول إنه لم يكن يتوقع أن هذا الكلام، الصادر عن مسؤول حكومي، ستنتهي صلاحيته خلال أربعة أيام. والأدهى من ذلك أن الوزير بنعبد القادر سارع، في يوم الثلاثاء الموالي، إلى إصدار بلاغ رسمي لوزارته، يخبر فيه الرأي العام بالاستعداد لتأخير الساعة بستين دقيقة صباح يوم الأحد 28 أكتوبر. وتفرّجنا جميعا كالبلهاء مساء ذلك اليوم على النشرات الإخبارية للقنوات العمومية وهي تعلن هذا الخبر. أكثر من ذلك، حدّدت الأمانة العامة للحكومة جدول أعمال المجلس الحكومي الأسبوعي، ولم يكن بوارد على الحكومة أن تفتح هذا الملف، والتقى وزراؤها يوم الخميس، وناقشوا المشاريع المدرجة في جدول أعمالهم، وانتشروا في الأرض على أمل اللقاء من جديد في الخميس المقبل في ظل توقيت غرينتش، ليفاجئهم ليلة الخميس إلى الجمعة استدعاء طارئ من الأمانة العامة للحكومة، للاجتماع صباح الجمعة والمصادقة على مرسوم يجعل «صيفنا شتوى». لا داعي هنا إلى أي مواربة أو اجترار للكلمات، هناك جملة تواصلية واضحة المعنى جرى نسجها خلال الساعات التي انتهت بالمصادقة على حين غرة على هذا المرسوم. فبين اجتماع مجلس الحكومة ليوم الخميس، ولقاء الجمعة الطارئ، أخذ وزير الصناعة والتجارة، الملياردير مولاي حفيظ العلمي، الرئيس المدير العام لمجموعة رونو الفرنسية، كارلوس غصن، من يده، ودخل به القصر الملكي بمدينة مراكش، حيث حظي باستقبال غير معهود، قيل بعده في الإعلام الرسمي إن كارلوس غصن أطلع الملك على مشروع توسيع الشركة المغربية لصناعة السيارات (صوماكا) من خلال مضاعفة قدرتها الإنتاجية بهدف بلوغ 160 ألف سيارة سنويا في أفق 2022. هكذا أراد الواقفون خلف صياغة هذه الجملة التواصلية، أن يفهموا المغاربة أن قرار تحويل الساعة، التي تنغص حياتهم بضعة أشهر في السنة، إلى كابوس دائم، أملته مصلحة عليا وضعت بين يدي الملك شخصيا. وهؤلاء الذين اعتقدوا أنهم بصياغة هذه الجملة التواصلية يوفرون الغطاء اللازم لتمرير القرار، باتوا اليوم مطالبين بالخروج لتكذيبها، لأن المغاربة الذين خرجوا للتضحية بدمائهم يوم دخل الفرنسيون قصر محمد الخامس لنفيه والمسّ بسلطاته الشرعية، لن يهضموا بهذه السهولة هذه الرسالة التي يراد لهم ابتلاعها. إن إكراه المغاربة على العيش ضد إيقاع الطبيعة والبيولوجيا لا يمكنه إلا أن يحيي الشعور باستمرار، بل توسّع، القبضة الاستعمارية غير المباشرة لفرنسا على المغرب، خاصة في لحظة يستعد فيها الرئيس الفرنسي لزيارة المملكة وتدشين قطاره فائق السرعة، الذي أنجز لترضية سلفه ساركوزي بعد اختيار المغرب شراء مقاتلات إف16 الأمريكية بدلا من «رافال» الفرنسية، مقابل ملايير الدراهم التي سيدفع المغاربة ديونها على مدى عقود. مبررات الاقتصاد والبورصات التي يدفع بها البعض لن تسعفهم في الجواب عن أسئلة من قبيل: لماذا لم نغيّر توقيتنا للاقتراب من السوق البريطانية أو الكندية أو الأمريكية؟ ومن هذا الذي يملي على المغاربة قدرا محتوما يجعلهم يفصلون حياتهم بالشكل الذي يبقيهم رهينة لدى المستعمر الفرنسي السابق؟ متى جرى هذا النقاش الوطني الذي أفضى بالمغاربة إلى اختيار البقاء تحت السيطرة الفرنسية؟ وأي مصداقية سنكسبها أمام الشركاء الأمريكيين والكنديين ونحن نبتعد عنهم بساعة إضافية، نزيدها على القرن الذي يسبقوننا به حضاريا؟ وأي رسالة نبعثها إلى دول المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا، صيدياو، الذين طلبنا الانضمام إليهم، وهم الذين يكاد يوحدهم توقيت غرينتش؟ إننا باختيار التضحية بمجتمع بأكمله إرضاء لكارلوس غصن ومواطنيه، بعد سنتين من الأحلام الإفريقية وترويج فكرة استعادة انتمائنا القاري المفقود وتنويع شركائنا الدوليين، مع ما يعنيه ذلك من استثماره اقتصاديا وتنمويا، نبعث رسالة واحدة في نهاية الأمر، وهي أن عقاربنا عادت لتضبط على ساعة الاستعمار. أما الوجوه السياسية «القاصحة»، التي خرجت للدفاع عن القرار كما لو كان لها نصيب في اتخاذه، فاللسان الجماعي الشعبي أوجز لهم الجواب هذه الأيام، حين قال: «راك غادي فالخسران آ حمادي».