انضم المغرب مؤخرا إلى «مبادرة الشراكة من أجل حكومة منفتحة»، بعدما استكمل شروط الانضمام.. في هذا الحوار يتحدث محمد بنعبدالقادر، الوزير المنتدب المكلف بإصلاح الإدارة والوظيفة العمومية، عن التزامات المغرب في مجال الشفافية ومحاربة الفساد التي التزم بها في إطار هذه المبادرة الدولية. أصبح المغرب عضوا في مبادرة الحكومة المنفتحة(OGP)، ما قيمة هذه العضوية؟ لا بد من التذكير في البداية أن هذه الشراكة هي مبادرة دولية تم إطلاقها بنيويورك، خلال انعقاد الدورة ال66 للجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 2011، وتضم 76 دولة بما فيها المغرب، وهي تهدف إلى تعزيز الديمقراطية التشاركية، وتحسين جودة الخدمات العمومية. وقد انخرط المغرب في عملية الانضمام إلى هذه الشراكة، اقتناعا منه بأهمية هذه المبادرة كمشروع هيكلي يروم توطيد المكتسبات الوطنية في مجالات الشفافية والمناصفة، والنزاهة والديمقراطية التشاركية. أما القيمة التي يكتسيها هذا الانضمام، فهي قيمة مزدوجة تتمثل أولا، في تعزيز مكانة بلادنا في منظومة التعاون الدولي، وخاصة التعاون متعدد الأطراف، الذي جعل منه المجتمع الدولي رافعة أساسية لمواجهة التحديات العالمية، وبالأخص تلك المرتبطة بتجويد الحكامة العمومية ومواجهة التقلبات المناخية وضمان الأمن الغذائي ومحاربة الجريمة والإرهاب، وتفعيل مسارات التنمية المستدامة، سواء داخل منظومة الأممالمتحدة، أو في نطاق المنظمات الدولية والإقليمية. وزارة إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية عملت على تعبئة مختلف شركائها في إطار تعاون شمال- جنوب أو جنوب-جنوب من أجل إنجاز مشاريع ملموسة تتوخى الانفتاح على أفضل التجارب الدولية في مجال تجويد الخدمة الإدارية وتدبير الموارد البشرية، وكذلك تملك المعايير الدولية ذات الصلة. وتتمثل قيمة هذا الانضمام ثانيا، في تمكين بلادنا من الالتحاق بنادي الدول التي تجعل الانفتاح والشفافية وتقديم الحساب والمشاركة المواطنة في صلب برامجها الوطنية للإصلاح، بالإضافة إلى تحسين مكانة المغرب في الدراسات المقارنة الدولية وجذب الاستثمار الأجنبي، وتعزيز المجهود الوطني لإرساء دعائم إدارة منفتحة على محيطها ومرتفقيها، وتحترم مبادئ الشفافية والمسؤولية والتشاور، وترسخ ثقة المواطن في المؤسسات العمومية، بما يساهم في تطوير الديمقراطية التشاركية على الصعيد المحلي والوطني. لماذا تأخر هذا الانضمام؟ المملكة المغربية انضمت رسميا إلى مبادرة الشراكة من أجل الحكومة المنفتحة (OGP)، يوم الثلاثاء 24 أبريل 2018، على إثر استيفائها لشروط الانضمام للمبادرة والمتجلية في شفافية الميزانية، وسهولة الحصول على المعلومات، والتصريح بممتلكات كبار الموظفين والمنتخبين، وإشراك المواطنين في بلورة السياسات العمومية. كما أن التهييئ للانضمام إلى هذه المبادرة، تم بمنهجية تشاركية عبر إحداث لجنة وطنية للحكومة المنفتحة تتكون من ممثلي القطاعات الوزارية ومؤسسات الحكامة والمجتمع المدني والقطاع الخاص، وأسندت الوزارة إلى هذه اللجنة مهمة الإشراف على تتبع الانضمام إلى هذه المبادرة، وكذا إعداد برنامج عمل وطني يضم الالتزامات التي تعتزم بلادنا تنفيذها في هذا الإطار. ما هي أبرز توجهات خطة الحكومة في إطار مبادرة الحكومة المفتوحة؟ في إطار تفعيل شروط الانضمام، هناك بالإضافة إلى اللجنة الوطنية للحكومة المنفتحة، كتابة دائمة لدى وزارة إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية، عهدنا إليها بتنسيق وتتبع أنشطة هذه اللجنة واتخاذ التدابير اللازمة لمواكبة عملية الانضمام إلى المبادرة. وعقدت اللجنة عدة اجتماعات أسفرت عن إعداد مشروع مخطط العمل المعني بالحكومة المنفتحة لسنتين ابتداء من غشت 2018 إلى غاية سنة 2020، يتكون من 18 التزاما حكوميا، ويهم كل القطاعات الوزارية، تشرفت بتقديمه أمام المجلس الحكومي المنعقد يوم 13 نونبر 2017. وتهم هذه الالتزامات المجالات التالية: الولوج إلى المعلومة، النزاهة ومكافحة الفساد، شفافية الميزانية، مشاركة المواطنين في تدبير الشأن العام، بالإضافة إلى الالتزام المتعلق بالتواصل والتحسيس. هل يستفيد أعضاء المبادرة من تمويلات لمشاريع الحكومة المفتوحة؟ يمكن للمغرب، على غرار باقي الدول الأعضاء في مبادرة الشراكة من أجل الحكومة المنفتحة، الاستفادة من تمويلات للمشاريع المدرجة ضمن خطة عمله، وذلك بعد تقديم الطلب والموافقة عليه من قبل لجنة الإشراف لمبادرة الشراكة من أجل الحكومة المنفتحة، مع العلم أنه يمكن، كذلك، الاستفادة من التجارب الناجحة بالدول الأعضاء، وكذا من الدعم التقني من طرف خبراء بالدول الأعضاء. هل سيخضع المغرب لعمليات تقييم دولي في مجال الشفافية؟ لقد أصبح المغرب عضوا كامل العضوية إلى جانب 75 بلدا في مبادرة الحكومة المنفتحة، وفي هذا الصدد، سوف أقود وفدا مغربيا من فعاليات حكومية وإعلامية ومدنية للمشاركة في القمة العالمية المقبلة لمبادرة الشراكة من أجل الحكومة المنفتحة، التي ستعقد ب"تبليسي" بجورجيا، من 17 إلى 19 يوليوز المقبل، والتي سيتم خلالها تقديم مخطط عمل المملكة المغربية، في أفق المصادقة عليه من طرف لجنة إشراف مبادرة الشراكة من أجل الحكومة المنفتحة، خلال شهر غشت المقبل الذي سيعتبر تاريخ الانطلاق الفعلي لتفعيل المخطط الوطني للحكومة المنفتحة، وهو المخطط الذي سيخضع للتقييم مرتين من طرف خبراء مبادرة الشراكة من أجل الحكومة المنفتحة: تقييم مرحلي، وتقييم عند نهاية تنفيذ المخطط بكامله، بما فيه الشق المتعلق بالشفافية. وللتذكير، فعلى غرار مخططات الدول الأعضاء المنخرطة بمبادرة الشراكة من أجل الحكومة المنفتحة، سينشر مخطط العمل الوطني لزوما بالبوابة الرسمية لمبادرة الشراكة من أجل الحكومة المنفتحة، حتى يتمكن كل الأعضاء بما في ذلك الخبراء والمجتمع المدني من تتبع مراحل تنفيذ هذا المخطط. أين وصل تنفيذ استراتيجية محاربة الفساد؟ شرعت العديد من القطاعات في تنفيذ المشاريع المنضوية في إطار الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، كما شرع منسقو برامج الاستراتيجية الوطنية في عقد الاجتماعات التنسيقية تحت إشراف الوزراء المعنيين. وكما تعلمون، فقد بادرت الحكومة إلى إصدار المرسوم المتعلق بإحداث اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد، والتي عقدت بتاريخ 4 أبريل المنصرم اجتماعها الأول، حيث تم عرض التقرير المرحلي الذي تضمن مستوى تنفيذ المشاريع المدرجة في إطار المرحلة الأولى من الاستراتيجية الوطنية، كما تمت المصادقة على مجموعة من التوصيات همّت تحيين مشاريع الاستراتيجية، وكذا تخصيص الموارد اللازمة لها والدعوة إلى عقد اجتماع استثنائي للجنة الوطنية لمكافحة الفساد، وذلك في غضون شهر يوليوز المقبل من أجل تحيين مضامين الاستراتيجية. تجدر الإشارة، أيضا، إلى أن وزارة إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية أطلقت برنامجا متعدد السنوات لدعم مكافحة الفساد، بتعاون مع برنامج الأممالمتحدة الإنمائي، والذي ساهم في إنجاز مجموعة من المشاريع بشراكة مع بعض القطاعات، نذكر منها إعداد دليل عملي يضم جردا شاملا لمختلف النصوص القانونية والتنظيمية المرتبطة بمكافحة الفساد، والتي تشكل مرجعا يمكن استغلاله من طرف مختلف الفاعلين. أين وصل تطبيق قانون الحصول على المعلومة؟ سيدخل قانون الحق في الحصول على المعلومات حيز التطبيق سنة ابتداء من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية، أي شهر مارس 2019، ويشكل هذا الأجل ضمانة أساسية لإعطاء الهيآت والمؤسسات المعنية الوقت الكافي من أجل اتخاذ التدابير الكفيلة بتأهيل كفاءاتها في تدبير المعلومات التي في حوزتها وحفظها بشكل يسهل عملية الحصول عليها، وكذا العمل على تحيين مواقعها الإلكترونية لضمان الحصول على معلومات محينة. وتعمل الوزارة حاليا على إعداد برنامج عمل لأجرأة مقتضيات قانون الحق في الحصول على المعلومات، نتوخى من خلاله القيام بحملات تحسيسية لتشجيع وسائل الإعلام على إنجاز برامج تواصلية حول أهمية تمكين المواطنات والمواطنين من الحق في الوصول إلى المعلومات. كما سنعمل من خلال هذا البرنامج على تفعيل عدة إجراءات تخص تعيين وتكوين الموظفين المكلفين بتلقي طلبات الحصول على المعلومات والرد عليها. ولضمان التنزيل السليم لهذا القانون سيتم، قريبا، تعيين أعضاء لجنة الحق في الحصول على المعلومات، طبقا لمقتضيات هذا القانون، والتي أنيطت بها عدة مهام من بينها السهر على حسن ممارسة الحق في الحصول على المعلومات، وتقديم الاستشارة والخبرة للمؤسسات أو الهيآت المعنية حول آليات تطبيق أحكام هذا القانون. تقرير سنوي حول الشكايات ما هي الالتزامات التي سيكون على المغرب تنفيذها في مجال الشفافية ومحاربة الفساد؟ سبقت الإشارة إلى أن مخطط العمل الوطني المعني بالحكومة المنفتحة يتضمن خمسة التزامات في مجال النزاهة ومكافحة الفساد، ولا بأس أن أذكِّر بها وهي: إحداث بوابة خاصة بالنزاهة، تتيح الولوج إلى المعلومات ذات صلة بالنزاهة، ومكافحة الفساد، وتدبير الشكايات المرتبطة به على نحو أمثل. وإرساء قاعدة قانونية لنشر الخدمات الإدارية: عبر تحسين شفافية الخدمات المقدمة من طرف الإدارات العمومية، واعتماد مبدأ الالزامية (opposabilité) بالنسبة إلى الخدمات المنشورة في البوابة الوطنية للخدمات العمومية. كما تم الالتزام بتعميم منظومة الاستقبال على مستوى المواقع التجريبية، مثل تجريب منظومة الاستقبال على مستوى مواقع ذات مهام مختلفة، من بينها الملحقات الإدارية، والمصالح القنصلية، والمؤسسات السجنية والاستشفائية، ومراكز تسجيل السيارات. كما نلتزم بتعميم البوابة الوطنية لتدبير الشكايات (chikaya.ma) وتعميم البوابة على المؤسسات العمومية، وتوفير التكوين والدعم التقني في هذا المجال. وهناك التزام، أيضا، بإعداد تقرير سنوي حول الشكايات وملاحظات ومقترحات المواطنين لضمان التزام الإدارات بمعالجة شكايات المواطنين، وتسجيل ملاحظاتهم ومقترحاتهم، وإعداد تقرير وطني حول تتبع ومعالجة هذه الشكايات، مما سيمكن الإدارات من تحسين جودة الخدمات اعتمادا على مؤشرات خصصت لهذا الغرض. من أجل الحكومة المنفتحة هل سيكون على المغرب استكمال الترسانة القانونية بنصوص أخرى استجابة للحكومة لالتزامات الحكومة المفتوحة؟ طبعا، فنحن في إطار تنزيل المخطط الوطني لمبادرة الشراكة من أجل الحكومة المنفتحة، سنسهر على مراجعة وتحيين بعض النصوص التنظيمية لملاءمتها مع التزامات المغرب الدولية، بهدف ترسيخ مبادئ الحكامة في تدبير المعلومات الواردة في بوابة البيانات العمومية "data.gov.ma"، وإرساء قاعدة قانونية لنشر الخدمات الإدارية. إننا عندما ننخرط في التزامات دولية، فليس من أجل "البريستيج" السياسي، وإنما لأننا نعتبر بلادنا شريكا دوليا موثوقا ومنفتحا، يفي بالتزاماته ويتقاسم خبرته مع غيره، ساعيا باستمرار إلى تجويد خياراته الاستراتيجية في مجالات الحكامة والتنمية والديمقراطية.