بعد أكثر من شهرين على وضع شكاية حول تفويت عقارات مملوكة للدولة وللأوقاف لفائدة خواص، لأهداف ظاهرها تشجيع الاستثمار، وباطنها المضاربة وتحقيق منافع مالية شخصية، تجري الفرقة الجهوية للشرطة القضائية بمراكش، ابتداءً من أمس الأربعاء، بحثا قضائيا تمهيديا في شأن شكاية تقدمت بها الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان، بتاريخ 19 فبراير المنصرم، أمام الوكيل العام، طالبت فيها بالتحقيق في ظروف وملابسات تفويت عقارات عامة لفائدة منتخبين ومقاولين ولاعبين دوليين سابقين بأثمان زهيدة، خلال الفترة الممتدة ما بين 2016 و2018، وهي العقارات التي كان بعضها مبرمجا أن تقام عليها مرافق عمومية في إطار المشروع الملكي "مراكش الحاضرة المتجددة"، قبل أن يتم تفويتها لخواص، تقول الشكاية إن البعض منهم قاموا ببيعها بأسعار مرتفعة، بمجرد أن استفادوا منها في إطار لجنة الاستثمارات، التي ترأسها الوالي السابق للجهة المعفى من مهامه، عبد الفتاح البجيوي. البحث التمهيدي استهلته، صباح أمس، الضابطة القضائية، المستقلة عن ولاية الأمن بالجهة والتابعة للفرقة الوطنية للشرطة القضائية، بالاستماع إلى رئيس الجمعية، عبد الإله طاطوش، وهو البحث الذي من المقرر أن يتناول موضوع اقتناء بلدية مراكش لثلاث بقع أرضية تابعة لإدارة الأملاك المخزنية بمنطقة "العزوزية"، من أجل تشييد محطة طرقية على الأولى، ومحطتين لسيارات الأجرة بالثانية، وتوسيع سوق بلدي بالبقعة الثالثة، إذ تم الشروع في بناء المحطة الطرقية، قبل أن تتوقف مسطرة اقتناء البقعتين الثانية والثالثة، في عهد المجلس الحالي، وتدخل على الخط شركتان خاصتان اقتنتا البقعتين اللتين تحولتا، حاليا، إلى ورشين لإقامة فندق ومحطة للوقود. عقار آخر مساحته لا تقل عن هكتار من المنتظر أن يتناوله التحقيق، إذ سبق لمصالح وزارة التربية الوطنية بمراكش أن شرعت في اتخاذ الإجراءات المتعلقة باقتناء بقعة أرضية، ذات الصك العقاري رقم 15145/م، تقع بحي "الدوار الجديد" بمقاطعة "سيدي يوسف بنعلي"، من أجل تشييد مؤسسة تعليمية، قبل أن يتم تفويت جزء من هذه البقعة لشركة خاصة، في ملكية رئيس المقاطعة نفسها، المنتمي للتجمع الوطني للأحرار، من أجل إقامة محطة للوقود ومطعم، فيما استفاد لاعب دولي سابق من جزئها الثاني لإقامة ملاعب قرب ومدرسة خاصة لكرة القدم. البحث من المتوقع أن يشمل، أيضا، عقارا مملوكا للدولة بحي "تاركَة" بمقاطعة "المنارة" (الرسم العقاري 5938/م)، تم تفويته لفائدة مستشار برلماني سابق وعضو حالي بالمجلس الجماعي عن "الأحرار"، بثمن زهيد لم يتعد 620 درهما للمتر المربع الواحد، من أجل إحداث تجزئة سكنية راقية بيعت بقعها بسعر وصل إلى مليون سنتيم للمتر المربع، وهو المشروع الذي تمت المصادقة عليه من طرف لجنة الاستثناءات، لتعمد إدارة الأملاك المخزنية، بعد ذلك، إلى طرد مجموعة من العائلات التي كانت تستغل هذا العقار وتؤدي واجبات الكراء، دون مراعاة لأوضاعهم الاجتماعية، وللحقوق القانونية التي اكتسبوها بفعل طول مدة الكراء، بل إن بعض المكترين تم الزج بهم في السجن، على خلفية إدانتهم بتهم تتعلق ب"عرقلة تنفيذ حكم قضائي". التفويت لم يقتصر على البقع الأرضية العمومية، بل شمل حتى المآثر التاريخية، فمن المقرر أن يتناول التحقيق موضوع الرياض التاريخي المعروف ب"دار زنيبر" بمقاطعة مراكشالمدينة، الذي كان مقرّرا تأهيله وإصلاحه، في إطار مشروع "الحاضرة المتجددة"، من أجل تحويله لفضاء لاحتضان أنشطة ثقافية وفنية، قبل أن يفوّت لشركة خاصة من أجل إقامة مطعم. ومن المنتظر أن يثير المحققون مع المشتكي موضوع عقار تابع للأوقاف يقع خلف المحطة الطرقية بباب دكالة، يسمى "جنان الشيخ العباسي"، والذي سبق لمالكه أن أوقفه لفائدة مكفوفي المدينة، قبل أن يتم تفويت جزء منه لفائدة شركة "ماراباك" الخاصة، من أجل إقامة مطاعم، علما بأن المجلس الجماعي السابق سبق له أن صادق على مقرّر بتحويل جزء من العقار إلى منتزه لفائدة ساكنة المدينة العتيقة. التفويتات المثيرة للجدل تجاوزت حدود المدينة، فبجماعة "أغواطيم"، بإقليم الحوز، تم تفويت عقار مملوك للدولة لفائدة الشركة نفسها التي استفادت من إحدى البقعتين بمنطقة "العزوزية"، والتي تقول الجمعية إن وراءها منتخب "وازن" بمجلس مراكش، ينتمي لحزب العدالة والتنمية، كما استفادت شركة خاصة من بقعة أرضية بمدينة آيت أورير، مساحتها 3 هكتارات، حولتها إلى تجزئة سكنية، رغم أنها ملك خاص للدولة وموضوعة رهن إشارة المركز الجهوي للاستثمار الفلاحي، لإقامة مشروع لتربية الماعز، وجزء آخر منها لإحداث تجزئة سكنية لجمعية الأعمال الاجتماعية لموظفي الفلاحة وجمعية الأعمال الاجتماعية لموظفي بلدية آيت أورير، وجزء ثالث لتشييد مركز للوقاية المدنية. وبالمدينة نفسها، استفادت شركة خاصة أخرى من حوالي 8 هكتارات، حولتها إلى تجزئة سكنية، رغم أن البقعة تقع في منطقة مصنفة في تصميم التهيئة على أنها "منطقة خضراء". 6 ////////////////////////////////