أن لا تسعك نفسك ولا يسعك جسدك. أن تفكر يوما في أن تقضي بقية حياتك خارجك، خارج حدود لا تذكرها إلا بطاقة تعريف عليها صورة تشغلك دائما حقيقة الشبه بينها وبينك. أنت تريد بصدق أن تعرف تاريخ آخر مرة فرحت فيها، تريد أن تستعيد بيتك الذي لم يعد ينبض وأسرتك التي لم تعد سوى أسماء. تود لو تستعيد لون علمك ونغمة وطنك، أن تتذكر نكهة وجودية، مذاقا روحيا تستشعرهما وأنت تُوَاجَهُ بكونك من المغرب. أنا من المغرب؟ من يذكر هذه الجملة؟ من يذكرها بقلبه قبل أن تكبر على لسانه؟ من يحسها وهي تشب في كيانه كله لتجعل روحه تستعيد الروح، وجسده يمشي على أرض يسميها وطنا؟ الثقافة التي علمتنا أنه ليكون لك ضوء لابد أن تحترق، ليكون لك أرض لابد أن تصير لها ترابا، لتكون لابد أن تموت، ليكون لك وجود لابد أن يكون لك ثمن، ثقافة، فعلت فعلها في الروح والكيان والجسد، ثقافة، جعلت الطريق إلى الوطن حكاية فلسفية جميلة، تشبه كل أبنية اليوتوبيا، تلك التي جعلت الإنسان مجرد تصور يعذب به جسد تورط في الوعي. الدستور يقول لك فكرته عن مغربيتك وعن الطريقة التي بها تكون مغربيا، الدستور لم يكن يوما كتابا لكسل التدبر ولا مساحة لتثاؤب الإدراك، لم يكتب الدستور لرياضة الاجترار ولا سُطر ليكون مقويا لجماع السياسة. الدستور معناه أن تسعك نفسك، ويسعك جسدك لتستعيد وطنك ويستعيدك وطنك. الدستور أن تقيم كاملا فيك بدل أن يكون بعضك لاجئا وبعضك يتيما وبقيتك شتات. الدستور هو كتاب لا ترى فيه الفصول، بل تدرك فيه الوحدة لا يلمس فيه التجزيء، بل يدرك الاتصال، الدستور بنية، جسد، وقصيدة. سيرة الوطن هي سيرة الدستور. النسيان، التباطؤ، أرشفة الدستور، أمراض هوية وأمراض وجود، في غفلة الدستور عن جسده تكبر الجريمة ويعرش العبث. الدستور استحقاق، باب الحقيقة وعنوان الهوية. الإنتظارية التي تسم علاقتنا بجوهر الدستور، هذا الفعل الكريه المتمثل في إبقاء بنوده معلقة في الهواء كل ذلك يُعجل بتعفن كل فكرتنا عن الحياة الكريمة التي يشكل الدستور رحمها الذكي. دستور يقدم ديموقراطية يستحق بها المغاربة وطنهم حتى لا نسقط في ديموقراطية عبر عنها نيتشه بقوله: «ديموقراطية لا يميزها عن الأشكال القديمة للحكومة إلا الجياد الجديدة التي تجرها: الطرق هي طرق الماضي نفسها، والعجلات هي العجلات القديمة نفسها». الحجر الصحي على وباء الاستبداد يبدأ من تحصين الدستور، وجعله يمشي على الأرض واثق الخطوة يمشي ملكا. هذا شعب ضاع في المسافة بين الشجرة وثمرتها وآن له أن يصنع قدره ويعرف طريقه. الخروج من الأوهام يقتضي أن تتعرى كل سلطة من وهم قداستها فلكل سلطة حظها من الطين. اسألوا أغوستو بينوشيه الذي كان يصارع الغازات سبعة عشر عاما، اسألوا هتلر الذي كان تململه الذي يقلق مجالسيه تململا تمليه الغازات المزدحمة في بطنه وتأتيكم المؤرخة الأمريكية دبرا هايدن بالخبر اليقين. هل تعرفون ما معنى أن يقتل أشخاص لأن الغازات ضغطت في وقت غير ملائم؟ هل تعرفون ما معنى أن يضرب الزعيم بيده على الطاولة منهيا اجتماعا لأن إسهالا عارما يأمره بالانسحاب؟ أن تسعك نفسك يعني أن يسع الوطن الوطن، آن للمغاربة أن يولدوا، فالمغاربة يعرفون حياة واحدة، حياة تشبه إلى حد كبير صحن مرق لا تشوب صفاءه قطعة لحم، ذلك المرق النقي من كل ذنوب الترف، الطاهر كحياتهم التي لا تعكرها سعادة. [email protected]