إلى أي حد تكون ظاهريات الوعي الشقي سلبية في المجال السياسي؟ أو كيف يمكن لها أن تحوي أفكارا زائفة؟ بل وكيف يمكن للعامة أن يسيروا الحكماء ولماذا إن الروح المغترب عن ذاته هو الذي يدبر المغرب سياسيا، وعلميا، وتربويا؟ وما الذي يجعل السلطة تهمش الوعي الذاتي المتيقن من ذاته، وتبعده عن التدبير؟ وما أهمية هذا الاحتفال الجنائزي الشكسبيري الذي فرضته السلطة علينا أثناء تنصيب حكومة عرائس المسرح، التي تتحرك كالكراكيز؟ لابد من الاعتراف أن شراسة هذه الأسئلة انبثقت من الوضع السياسي الراهن في المغرب الذي حكم على نفسه بالموت في قلوب الأبرياء، الذين يتفرجون على النهب العنيف لثروات بلادهم من قبل أبناء الأعيان الذين ينتظرون الاستوزار في مقاولاتهم السياسية حيث أنهم أصبحوا يشترون بذلة عصرية وتقليدية ويقومون بنسخ نهج لسيرهم المضحك والممتلئ بالأكاذيب، وينتظرون الهاتف من أجل تعيينهم، فهناك من أضحى ثابتا في منصبه وهناك من يتغيب سنة أو سنتين ثم يعود على الرغم من الفشل المطلق الذي رافقه أثناء توزيره، لأنه ينتقل من وزارة إلى وزارة، أو من ولاية إلى وزارة والعكس أيضا، فلم نعد نعرف حكومة ديمقراطية منبثقة عن صناديق الاقتراع، ولذلك فإن المفسدين للانتخابات هم الذين يتولون المناصب. هكذا تسعى السلطة الآن إلى بناء المغرب على الأنقاض، عشق الأنقاض، باعتبارها مرضا وراثيا، ولكنها تنسى أنها تعجل بالانهيار، ذلك أن الهدم والتهديم والتصفية يتم عبر وضع السياسة في هوة الخطر، لأنها حياة الدولة، فبموتها تنهار الدولة. والشاهد على ذلك أن العيش من خلال السياسة وتحصيل الثروات الخيالية وإفساد الانتخابات، وتهزيل المؤسسات يقود حتما إلى بناء ثقافة اليأس والحقد، ثم الانتفاضات الشعبية، فلا أحد يتردد الآن في المجتمع المدني في القول إن سياسة الأعيان، أو عجلة الاحتياط اغتالت براءة السياسة، وعجلت بظهور قطيعة بين المواطن الحقيقي والمجتمع السياسي. فثمة رهان على طبقة جديدة تبعدنا عن هذه الطبقة ذات الصدأ المزعج للرؤية، هذه الطبقة ينبغي أن تعيش من أجل السياسة، إذ أنها لا تنظر إليها كمقاولة للاغتناء، بل كفضاء للعيش معا، للسعادة، لاقتسام خيرات البلاد مع الأبرياء للعدالة الاجتماعية، للتدبير الحكيم، بيد أن هذا الأمل قد مات وتحول إلى جثة يتم تأجيل دفنها، وإلا كيف يمكن تفسير حكومة غير دستورية تتكون من التكنوقراط، والأعيان وفقهاء الظلام؟، ما الفائدة من هذه الحكومة التي ولدت ميتة، ولا أمل يعلق عليها؟، وما الذي دفع السلطة إلى تمرير مبدأ الهيمنة انطلاقا من قداسة السيادة؟ ولماذا تم تقسيم الوزارات إلى كتائب للانتحار تتزود بالمال العام وأين هو دستور الروح؟. في أي أفق ينبغي قراءة أزمة التدبير السياسي، من خلال التهافت على المناصب الوزارية من قبل هذه الأرواح الميكانيكية؟، وما الذي يريده هذا الرئيس الكاريزماتي من المغاربة، القهر والمقاصة؟. نحن أمام أناس قاموا بتشييئنا وخداعنا لسنوات بعد أن نهبوا واقترضوا الأموال من البنوك الدولية فقد حان الوقت للرمي بهم في هوة الضياع، لأن التاريخ يسعى إلى التفتيت التدريجي للحقيقة المزيفة من اجل حقيقة الحقائق، وهؤلاء الخفافيش يخافون من النور المبهر للحقيقة لأنه بظهورها يموتون ويولد المغرب الجديد مغرب الحرية والكرامة، والديمقراطية، وحكومة الشعب يريد، الشعب الشغوف بالأمل. لا نريد أن نمرر خطابا تيئيسيا، أو إرهابيا، بل إن ما نسعى إليه هو التفكيك والنقد للنفايات السياسة التي نبتت على هوامش مجاري الصرف الصحي، فأي حكومة هذه التي تفتقد للعمق السياسي والنزعة الإنسانية؟، أي حكومة هذه التي تستهزئ وتحتقر المواطن الذي يملك وعيه الذاتي؟. وداعا أيها الأمل، لم يعد هناك مكانا لاستضافتك.. أو الحلم الناعم بعذوبتك التي تشبه براءة الأطفال في نعمة الزمان المدمر الأعظم لأحلامهم، ولا تنالهم سوى الإقامة في حظوة الوجود، الذي سيخلصهم من الطغاة. وبعبارة أكثر عمقا حذار أن نضع عربة الحكومة أمام حصانها، أي الشعب المتعطش لحكومة حقيقية، وسياسة تنويرية تؤمن بالدولة المدنية، وليست سياسة السوقة التي تقوم على النهب واغتيال الآمال، وبدون هذا الحصان يستحيل أن نستجر العربة من أعماق الوحل الذي تتخبط فيه.