لعل الرمز، الذي بات يليق بحزب "الحمامة الزرقاء" أن يحمله في المرحلة التي أوكلت إدارته إلى وزير الفلاحة والصيد البحري، هو حزب "الحوت الأزرق"، نظرا إلى تشابه أهداف اللعبة الروسية ونظيرتها المغربية، حيث إن اللعبة التي وضعها فيليب بوديكين تسعى، في النهاية، إلى دفع ممارسيها إلى الانتحار، فيما تروم لعبة عزيز أخنوش، في جوهرها إلى قتل السياسية ومسخ (métamorphoser) السياسيين إلى تقنوقراط، بعد النجاح الباهر الذي حققته عمليات تحويل التقنوقراط إلى سياسيين، سرعان ما أورقوا وازدهروا داخل الأحزاب. عزيز أخنوش وفيليب بوديكين ينطلقان، أيضا، من قناعة أن اللاعبين السياسين ولاعبي "الحوت الأزرق" هم أشخاص بلداء وقليلو الخبرة، لذلك يجب قتلهم رمزيا بالنسبة إلى الأول، وماديا بالنسبة إلى الثاني، ل"تنظيف المجتمع منهم"، هكذا صرح بوديكين بعد اعتقاله والتحقيق معه، وكذلك يصرح العديد من التقنوقراط المصبوغين بألوان الأحزاب بقولهم إن وزراء البيجيدي والحركة والتقدم والاشتراكية ضعيفو الأداء، وإن حزب الأحرار هو الأقدر على إمساك وزارات التعليم والصحة والشغل.. وهو قول شبيه بما كان أندري أزولاي قد قاله، قبل حوالي عشر سنوات، عن وزراء حكومة عبدالرحمان اليوسفي حين وصفهم بالفاشلين اقتصاديا. للإنصاف وتجنبا للتعميم، فقد كان حزب التجمع الوطني للأحرار على عهد مؤسسه أحمد عصمان وخلفه مصطفى المنصوري، حريصا على أخذ بعض المسافة من الإدارة، أو بتعبير مجازي أدق، لم يكن يستجيب بسرعة لضغط حامل "الريموت كونترول". فقد حكى لي عصمان، في حوار أجريته معه قبل خمس سنوات، قائلا: " بعد إصدار قيادة الاتحاد الاشتراكي بلاغا رفضتْ فيه قبول المغرب تنظيم استفتاء لتقرير المصير بالصحراء عملا بقرار قمة منظمة الوحدة الإفريقية بنيروبي، تم استدعائي إلى الديوان الملكي (…) أطلعَنا الوزيرُ الأول، المعطي بوعبيد، بشكل مختصر على الموضوع، والذي كان هو حلّ حزب الاتحاد الاشتراكي. وأذكر أن الدليمي كان قد التحق بنا وجلس في صف خاص بالضباط، أما إدريس السلاوي فعندما سئل عن رأيه في الموضوع قال إنه لا يفقه في السياسة، ثم انزوى في ركن من أركان القاعة. بعدها قمتُ بمرافعة قلبت بها كل ما كان يرتب له، حيث قلت: "أنا خجول لوجودي في هذا المكان، لأنه لا أحد يملك الحق، لا سياسيا ولا قانونيا ولا دستوريا، في إقصاء حزب من الخريطة السياسية للمغرب"، ثم أضفت محتجا: "حتى وإن كان هذا الحزب مخطئا، فإن هناك طرقا قانونية لمحاسبته. وبعد خطابي تم رفع الجلسة. وعندما كنا نهم بمغادرة القاعة وجدنا الحسن الثاني في انتظارنا، وعلّق بالفرنسية قائلا: Osman a raison". ما قيل عن عصمان، الذي أدى ضريبة حفاظه على المسافة الضرورية بشق حزبه في 1981، ثم خلق الاتحاد الدستوري كبديل عنه في 1983، يُقال عن خلفه المنصوري الذي رفض تحويل الحمامة إلى "طائر بقر" يتبع جرّار "البام"، وهو يحرث أراضي الغير دون حسيب أو رقيب، لذلك تمت معاقبته بالطريقة المعروفة، وجيء بعون التنفيذ "المفعفع". كما يُسجل لعصمان والمنصوري أنهما أبقيا حزبهما بعيدا عن تحالف الأحزاب الإدارية المسمى "الوفاق الوطني". بعد سنة من استقدام صلاح الدين مزوار لرئاسة التجمع الوطني للأحرار، حرق الحزب آخر مسافة كانت بينه وبين الإدارة، وأدخِل في لعبة قتل السياسة؛ حيث تزعم خلطة "G8" التي ضمت كشكولا من أحزاب ليبرالية ويسارية وإسلامية، بغرض محاصرة العدالة والتنمية، الذي تعامل أمينه العام بدهاء كبير، حين وقف ضد حركة 20 فبراير، وبالمقابل اختار شعارها لخوض الانتخابات التشريعية. وقد تسبب فشل "G8" في قتل عدد من الأحزاب التي راهنت على دخوله للاستقواء، وإضعاف أخرى مثل الحركة الشعبية التي اعترف أمينها العام وإن متأخرا بخطأ انضمامه إلى "خالوطة" مزوار. لعبة قتل السياسة التي كُلف بها مزوار سعت، أيضا، إلى اختراق حركة 20 فبراير، وإغراء اثنين من "نجوم الهوندا" بالترشح على رأس لائحة شباب الحمامة في تشريعيات 2011، ليس لأن شباب 20 فبراير عباقرة في السياسة، بل لأن مزوار أراد أن يقتل أمل المغاربة في الحركة التي رفعت -حينئذ- شعار إسقاط الحكومة وحل البرلمان، بدفع شبابها إلى الانتحار أخلاقيا وسياسيا تحت قبة نفس البرلمان. أما استقدام أخنوش لرئاسة الحزب، فكان الغرض منه هو جعل أغلب الأحزاب تحرق المسافة الضرورية بينها وبين الإدارة. وإذا كان حزبا العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية مازالا يقاومان الانصهار، فإن أخنوش يتوفر على عناصر داخلهما من شأنها أن تلعب دور "le facilitateur". والحالة هاته، ألسنا أمام حوت أزرق سياسي؟