المملكة تترافع بفعالية من أجل ذكاء اصطناعي أخلاقي يحترم حقوق الإنسان ويخدم الصالح العام (أخنوش)    مديرية الضرائب تُحدث خدمة الإيداع الإلكتروني لطلبات الإبراء لفائدة المنخرطين    أسعار الذهب تتراجع    تصنيف كرة المضرب.. ألكاراس يخطف الوصافة وتسيتسيباس خارج العشرة الاوائل    توقيف ثلاثة أشخاص متورطين في سرقة محل للمجوهرات بطنجة    "تم بتر إحدى رجليه"..رشيد الوالي يكشف عن الوضع الحرج للفنان محسن جمال    محاميد الغزلان.. إسدال الستار على الدورة ال 20 لمهرجان الرحل    توتر جديد بين باريس والجزائر.. طرد 12 موظفا فرنسيا وتهديد بالرد    طلبة مكناس يستنكرون غلق الكليات منعا لنشاط تضامني مع فلسطين ويتشبثون بتنظيمه بعد "العطلة القسرية"    الفارس عبد السلام بناني يفوز بالجائزة الكبرى في مباراة القفز على الحواجز بتطوان    في ظرف ثلاثة أيام.. حقينة سدود كير-زيز-غريس تنتعش    مراكش: السغروشني تلتقي بحاملي المشاريع المنتقاة في إطار مبادرة "موروكو 200"    رسوم ترمب الجمركية تُفاقم الضغط على عملات الأسواق الناشئة    الأدب العالمي في حداد .. ماريو فارجاس يوسا يرحل عن 89 عامًا    وفاة الكاتب البيروفي ماريو فارغاس يوسا عن عمر 89 عامًا    لطيفة رأفت تطمئن جمهورها بعد أزمة صحية    الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان تطالب بالتحقيق في تصريحات يوتوبر تهدد الأمن العام    بين الآلام والآمال .. برشلونة يستعد لمعركة الإياب ضد دورتموند    هذا موعد كلاسيكو الليغا بين البارصا والريال    نجل أنشيلوتي يكشف سبب تصرف مبابي ويستنكر ما حدث مع أسينسيو    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    جريمة قتل بشعة تهز حي امغوغة الصغيرة بطنجة    بورصة الدار البيضاء تبدأ الأسبوع بمكاسب    وفاة أستاذة أرفود.. بووانو يستنكر الاعتداء على نساء ورجال التعليم    جبهة دعم فلسطين تواصل الاحتجاج ضد التطبيع وتدعو لمسيرتين شعبيتين ضد رسو "سفن الإبادة" بالمغرب    حينما خان المدرج الطائرة .. قصة الهبوط الذي انتهى عند سياج مطار فا    أخنوش: المغرب يترافع من أجل ذكاء اصطناعي يحترم حقوق الإنسان ويخدم الصالح العام    إنذار صحي جديد في مليلية بعد تسجيل ثاني حالة لداء السعار لدى الكلاب    36 قتيلا في قصف أمريكي على صنعاء    محاولة اختطاف معارض جزائري على الأراضي الفرنسية.. الجزائر تتورط في إرهاب دولة    طقس الإثنين.. أمطار ورياح قوية بعدد من المناطق المغربية    كيوسك الإثنين | الصين تعزز استثماراتها بالمغرب عبر مصنع ل "الكابلات" الفولاذية    الشركة توضح تفاصيل حادث طائرة فاس    من الغُرنوق إلى النسر الذهبي.. طيور مهددة بالانقراض تعود إلى موائلها بالمغرب    الجامعة الوطنية للتكوين المهني تدعو لوقفات احتجاجية رفضا لتصاعد العنف ضد الأساتذة    أين يقف المغرب في خريطة الجرائم المالية العابرة للحدود؟    ردا على اعتقال موظف قنصلي.. الجزائر تطرد 12 دبلوماسيا فرنسيا    إحداث مراكز الدراسات في العلوم التمريضية وتقنيات الصحة بسلك الدكتوراه    لي تشانغلين، سفير الصين في المغرب: لنكافح الترويع الاقتصادي، وندافع معًا عن النظام الاقتصادي العالمي    بسبب فقدانه للمصداقية.. جيش الاحتلال الصهيوني يتعرض لأزمة تجنيد غير مسبوقة    المنتخب المغربي يفوز بالدوري الدولي للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم    جايسون إف. إسحاقسون: إدارة ترامب حريصة على حسم ملف الصحراء لصالح المغرب تخليدًا لعلاقات تاريخية متجذرة    بالصور.. مؤسسة جورج أكاديمي بسيدي بوزيد تنظم سباقا على الطريق بمشاركة التلاميذ والآباء والأمهات والأساتذة..    أمن طنجة يوقف شخصًا اعتدى على متشرد.. والمواطنون يطالبون بعدم الإفراج عنه رغم شهادة اضطراب عقلي    طنجة تستعد ل"كان 2025″.. انطلاق أشغال توسعة الطرق المؤدية إلى الملعب الكبير    اللجنة المشتركة المغربية العمانية: شراكة متجددة تعكس عمق العلاقات الثنائية    في قبضة القصيدة الأولى: ذاكرة النص الأول بعيون متجددة    طبيب: السل يقتل 9 أشخاص يوميا بالمغرب والحسيمة من المناطق الأكثر تضررا    محاميد الغزلان ترقص على إيقاعات الصحراء في اليوم الثالث من مهرجان الرحل    من خيوط الذاكرة إلى دفاتر اليونسكو .. القفطان المغربي يعيد نسج هويته العالمية    دراسة: الجينات تلعب دورا مهما في استمتاع الإنسان بالموسيقى    التكنولوجيا تفيد في تجنب اختبار الأدوية على الحيوانات    غموض يكتنف انتشار شائعات حول مرض السل بسبب الحليب غير المبستر    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    









حفيدة صديقي
نشر في اليوم 24 يوم 26 - 12 - 2017

يقترب صديقي من نهاية عقده السادس، تسربت إلى جسده علل شتى، من دون أن تخونه روح الشباب، أو تفقد ذاكرته طراوتها.
فتح عينيه على أحلام الاستقلال الوطني وحماسة بناء الدولة، وطبعت وعيه السياسي بشكل حاد نكسة 1967. شارك، في نهاية الستينيات، في أشغال مؤتمر اتحاد الطلبة الذي انعقد تحت شعار: "فلسطين قضية وطنية"، والذي سيصبح جزءا من البلاغة السياسية السائدة لدى العائلة التقدمية في المغرب.
عندما تحمّل مسؤولية إقليمية داخل الحزب، في مدينة وسط البلاد، اعتاد خلال سنوات على تنظيم أسبوع فلسطين وإحياء ذكرى يوم الأرض. وعلى الرغم من بعد مدينته عن الرباط والدار البيضاء، كان بيته محجا مألوفا لأصدقائه في الجمعية المغربية للتضامن مع الشعب الفلسطيني، ولممثلي فلسطين، وخصوصا للراحل واصف منصور، الذي ظلت تربطه معه علاقة صداقة عائلية.
فترة طويلة، ظل يشعر أن فلسطين قضيته الشخصية، يتلقف أخبارها في صفحة فلسطين في صحيفة الحزب، يتابع منعرجاتها وتفاصيلها بشغف كثير، ينخرط بقوة في حملات الدعم والتضامن، يعرف أسماء القادة وحكاياتهم من مختلف الفصائل والتيارات، مثلما يحفظ كثيرا من شعر محمود درويش، الذي لم يحصل أن قرأ شعرا في المغرب، من دون أن يكون صديقي حاضرا ضمن الجمهور، في قاعات الرباط وفاس ومراكش. ويذكر كيف كان في فترة شبابه فتحاوي الهوى، وكيف كان طلبة اليسار الجديد يستعيرون مقولات نشرة "الحرية" المنتقدة لحركة فتح، لاستعمالها ضد أحزاب الحركة الوطنية المغربية.
أعادت الانتفاضة الأولى الوهج لمسارات الدعم والتعبئة، فأشرف صاحبنا في مدينته على تنسيقية محلية للتضامن الفلسطيني، نظمت فعاليات عديدة، وقدمت كثيرا من أشكال المساندة، توجت بالمساهمة الوازنة في مسيرة حاشدة غير مسبوقة في الرباط صيف 1990. شهورا بعد ذلك، سيجد نفسه مشاركا في مسيرة أضخم، لم تعهدها شوارع المملكة من قبل، تضامنا هذه المرة مع الشعب العراقي، ومنخرطا سياسيا ووجدانيا في الانتصار للقيادة العراقية، دفاعا عن المشروع العربي والتقدمي.
هكذا سيعمل في إطار التنسيقية المحلية التي أصبحت تحمل اسم لجنة التضامن مع الشعبين، العراقي والفلسطيني، على دعوة المفكر الراحل، محمد عابد الجابري، إلى تأطير ندوة جماهيرية في المركز الثقافي للمدينة عن مستقبل النظام العربي، على ضوء أزمة الخليج. يحتفظ صاحبنا من ذلك اللقاء بصورة تذكارية مع الجابري على هامش اللقاء، وبذكرى تخصّ القناعة الراسخة التي حدثهم بها صاحب "نقد العقل العربي"، على طاولة العشاء، عن حتمية الانتصار المنتظر للشعب العراقي في حربه ضد قوات التحالف.
في سنة 1993، سيتابع صديقي بغير قليل من الدهشة صور المصافحة "السينمائية" بين ياسر عرفات وإسحاق رابين، تحت النظرة المنتصرة لبيل كلينتون، في حديقة البيت الأبيض. حينها سيدرك أن العالم الذي تعود عليه منذ ثورة 1968 وسبعينيات الأحلام، في طريقه نحو الأفول. مع ذلك، لم تختف فلسطين من اهتماماته وانشغالاته، على الرغم من أن حماسة الالتزام نضبت قليلا تبعا لتغير ملامح القضية، وخصوصا لحالة الاحتراب الذي أصبحت عليه العلاقة بين تنظيماتها الكبرى.
ظل صديقي، طوال التسعينيات، منخرطا في الحياة السياسية الوطنية في المغرب، عبر بوابتي الحزب والنقابة. في بعض لحظات الصفاء الذهني، كان يفكر في أن "غزة وأريحا أولا"، ليس مجرد عنوان إعلامي لاتفاقية سلام مجحف، بل هي، في فلسطين أو في المغرب أو في غيرهما، ثقافة حياة بديلة وطريقة جديدة لممارسة سياسية بلا أوهام، ولا وعود كبيرة.
بعد سنوات على ذلك، سيظل صديقي شاهدا على تحولات السياسة الوطنية، مع حكومة عبدالرحمان اليوسفي، والاندحار الدراماتيكي للحزب، والعهد الجديد، والإنصاف والمصالحة، والخروج عن المنهجية الديمقراطية، والعودة إلى حزب الدولة .
عندما لبّى نداء شباب "20 فبراير" إلى التظاهر، كان يفكّر في أن الكهرباء التي تسري في شبيبة الربيع العربي، في مصر وتونس وليبيا وسوريا واليمن، تخترق الحدود، وتمنح للفكرة العروبية والتقدّمية التي طالما اعتبرها قد صارت جزءا من الماضي، شحنة أمل قوية. لكن ما وقع بعد ذلك جعله، لأول مرة في حياته، يشعر بحالة من اللايقين الشديد تجاه ما يقع في الشرق العربي.
كثيرا ما كان يقول لي إنه، طوال نحو خمسة عقود، كان قادرا بكل وعي ومسؤولية على التماهي مع من يعتبرهم امتدادا لفكرته عن التحرّر والانتصار لمشروع النهضة والتقدّم والتحديث. لكنه فجأة فقد هذه القدرة، وأصبح يشعر بغربة قاسية وسط مشهد عربي مليء بالطائفية والتمذهب والانقسامية. بات يعتقد أنه لا يعثر داخل الفوضى التي تعم ما تبقى من نظام إقليمي على المضمون التقدمي والإنساني الذي حملته فكرة العروبة، كما آمن بها جيله.
لصديقي ثلاثة أبناء: جمال، المهدي وياسر، ليس في الأمر أي سرّ ولا حكاية خاصة، ذلك أن ميلاد الأول تزامن مع وفاة الزعيم جمال عبدالناصر، وولده الثاني في الذكرى العاشرة لاختطاف الشهيد المهدي بن بركة، فيما تصادف مجيء الثالث مع الأخبار الحزينة القادمة من بيروت لحظة مغادرة لبنان بعد معركة صمود أسطوري للقائد أبو عمار ورفاقه.
قبل يومين، هاتفت صديقي للاطمئنان على نتيجة تحاليله الطبية، فأخبرني بسعادة أنه أصبح جدًّا، مازحته قائلا إنها عموما ليست المرة الأولى، غير أنه بسرعة أجابني: لكنها هذه المرة "قدس". أردت أن أسأله ما إذا كانت فلسطين قد تصلح بوصلة جديدة للمعنى داخل هذا الخراب العربي، لكني فضلت ألا أفسد عليه فرحته الجميلة بحفيدة، اختار لها اسم زهرة المدائن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.