أربعون ناشرا ينتمون إلى الجمعية البيضاوية للكتبيين (الناشرين) شاركوا في فعاليات المعرض الوطني للكتاب المستعمل بدورته السابعة الذي تنظمها جمعيتهم في فضاء الحديقة "بساحة السراغنة"، أحد الأحياء الأكثر كثافة وشعبية وهامشية في مدينة الدارالبيضاء المغربية. ويقام المعرض بالشراكة مع وزارة الثقافة، وبالتنسيق مع مختبر السرديات ونادي القلم المغربي وجمعية الأعمال الاجتماعية والثقافية والرياضية لدرب السلطان تحت شعار "أصوات من الصحراء"، حيث يمتد من 10 أبريل الحالي وحتى ال30 منه. ويفسح المعرض المجال للكتب والمجلات والمطبوعات النادرة التي لم تعد متوافرة في الأسواق بما فيها كتب التراث والتاريخ، كما أنه يعطي إمكانيات استثنائية للحصول على الكتب الجديدة بأسعار رمزية. ويزخر المعرض بكتب باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية في شتى مجالات الأدب وقضايا المعرفة والفلسفة والإسلاميات والطبخ والرياضة، تستهدف جميع الشرائح المهتمة بالقراءة خصوصا الأطفال والشباب، حيث شهد إقبالا كبيرا. وسلطت الدورة الحالية للمعرض الضوء على ثقافة الصحراء انطلاقا من شعار "أصوات من الصحراء". التراث الشعري والترحال رئيس تحرير مجلة "ثقافة الصحراء" الباحث إبراهيم الحَيْسن يقول إن هناك علاقة وطيدة بين التراث الشعري والترحال، حيث إن البدو أدركوا قيمة الترحال واعتبروه قوة ذاتية تحميهم من الخضوع والخنوع، فهم كلما ترحَّلوا حملوا معهم ثقافتهم الشفهية في ذاكرتهم وصدورهم. الحَيْسن -الذي وقّع كتابين في هذا المعرض عن الشعر الحساني، والزواج التقليدي عند البيضان- يقول عن ثقافة الصحراء إن "الحسَّانية هي اللهجة الرسمية التي يتحدث بها بنو حسّان الذين يرتفع نسبهم إلى جعفر بن أبي طالب، وتعتبر الحسّانية -المتداولة في منطقة الساقية الحمراء ووادي الذهب وموريتانيا- أقرب لهجات المغرب العربي إلى الفصحى". ويضيف أن هذه اللهجة تعرف ب"كلام البيضان"، وتضم كما كبيرا من الأمثال والحكم التي تتميز بارتباطها بالإنسان والأرض، حيث تستطيع تلمس نمط العيش والرؤى والتأملات. وعن حضور الشعر الحساني المرتبط بالموسيقى والغناء، إذ يعتبر الشاعر "مغنيا" ازدهر الخطاب الشعري ومأثورات القول الحسَّاني عموما، وتحدث الشعراء والأدباء عن مشاهداتهم ووصفوا الفضاءات والأمكنة التي مكثوا بها أو مروا بها، كما أسهموا بذلك في نقل العديد من الصور الجميلة والمعلومات المفيدة التي أمست تمثل اليوم مضامين ثقافية تتناقلها وتتوارثها الأجيال. شعر التبراع الشاعرة عزيزة يحضية التي قاربت موضوع "شعر التبراع"، وهو في جوهره شعر غزل ونسيب، ويشكل خصوصية صحراوية ومكونا من المكونات اللغوية الفنية لسكان المنطقة، قالت إن شعر التبراع -الذي يعتمد الشطر الواحد على مستوى البناء المعماري للقصيدة- هو خاصية نسائية في مجتمع "البيضان" والذي يمتد إلى حدود السنغال، والجنوب الجزائري ومناطق أخرى وصولا إلى جزر الكنارياس (الجزر الخالدة). وتضيف يحضية أن لغتهم عربية فصيحة وذات حمولات ثقافية كونية وإنسانية، مشيرة إلى أن شعر التبراع مستلهم من البيئة الصحراوية، ويعالج قضايا وأغراضا محدودة، أهمها الغزل الذي تتداوله القوافل ساعة ترحالها في الآفاق والجيوب الصحراوية، وهو وليد اللحظة وتعبير عن حالة الفيض والهيام بالحبيب الذي تعبر عنه المرأة الصحراوية ساعة يعتريها هذا الإحساس، بحيث تعتبره وسيلة إعلامية للإفصاح عما يخالجها من حب وولع اتجاه محبوبها من جهة ، ولتسترعي اهتمامه الكامل بها من جهة أخرى. وتخلص الشاعرة عزيزة يحضية في إطار التحولات التي عرفها شعر "التبراع"، خصوصا في العقد الأخير إلى أن موضوع هذا الفن بدأ يحاكيه الشعراء الرجال مع تعديل في شكل الشطر الواحد إلى ثلاثية تخص شكل سنام الإبل، أو رباعي يتخذ له شكل أوتاد الخيمة، ودائما في سياق وأفق بلورة جمال اللغة وعمق الخطاب. في موازاة ذلك، تستمر فعاليات المعرض الوطني للكتاب المستعمل، وتتضمن توقيعات لإصدارات جديدة في الشعر الفصيح والزجل والقصة القصيرة والرواية والنقد، فضلا عن أمسيات شعرية وقراءات قصصية، ولقاءات مفتوحة لبعض الكتاب، وندوات تخص السرد والسينما وقضايا ثقافية متعددة. ويبقى الحلم الذي يراود يوسف بورة رئيس جمعية الكتبيين (الناشرين) في الدارالبيضاء، وصاحب فكرة هذا المعرض أن تتحول هذه التظاهرة السوسيو-ثقافية إلى منتزه دائم في إطار قرية نموذجية تكون مزارا للناس والمثقفين والكتاب، وذلك على مدار العام، وليس في موسم محدد فقط "ليحيا الكتاب وتحيا القراءة". * المصدر: الجزيرة