في العام الماضي خلق مشروع مرسوم تقدمت به وزارة الداخلية أزمة بين مكونات الأغلبية الحكومية، وحول اجتماعات مجلس الحكومة إلى حلبة للصراع. المرسوم، الذي أحدث كل تلك الضجة يتعلق بتغيير وتتميم المرسوم الصادر تطبيقا لمقتضيات الظهير الشريف رقم 1.08.67 بالزيادة الجديدة في أجور العمال والباشاوات والقياد بتعويضات عن السكن تتراوح بين 6760 درهما للقياد، و30 ألفا للعمال الممتازين. بعد انشار هذه الفضيحة عبر مختلف وسائل الاعلام لم يعد المرسوم في حد ذاته هو ما يجذب الرأي العام، بل تعداه إلى طرح السؤال حول صلاحيات رئيس الحكومة و مدى قدرته على ضبط و لجم نزوات مرؤسيه،قبل أن يحسم بنكيران النزال في النهاية لصالحه و يقرر تحت ضغط الرأي العام تجميد هذا المرسوم الفضيحة.الذي جلعنا اليوم نتذكر هذه الحكاية هو فضيحة تجهيز فيلا عامل إقليمسيدي إفني ب 360 مليون سنتيم.هذا الرقم الفلكي لتجهيز بيت مسؤول من حجم عامل يدعونا إلى التساؤل عن المبالغ التي تصرف لتجيهز منازل المسؤولين الكبار. طبعا، لسنا ضد توفير شروط الراحة الضرورية لهؤلاء، لكننا بطبيعة الحال ضد هذا البدخ. فلا يعقل أن يصرف مسؤول في بلد يفترض أن "يدخر كل فلس أبيض ليوم أسود" 360 مليون سنتيم من أموالنا على أثاث منزله.فهذا البدخ يعطي الانطباع على أن هناك من لم يفهم الدرس بعد و يصر على استفزاز مشاعر المغاربة كلما اتيحت له الفرصة.و لابأس مادام الأمر يتعلق بمدينة سيدي افني أن نذكر من يملكون ذاكرة قصيرة أن هذه الرقعة الجغرافية من المغرب، و التي مازالت كما هي منذ أن غادرها المستعمر الاسباني سنة 1969، عرفت شرارة "الربيع العربي" منذ بداية ال 2000، وكاد الأمر أن يتطور في أكثر من مرة إلى ما لا يحمد عقباه. كانت أول انتفاضة لساكنة عاصمة أيت بعمران سنة 2005 عندما نظم أزيد من 7000 مواطن و مواطنة اضرابا عاما للمطالبة برفع التهميش والعزلة عن مدينتهم، تلتها انتفاضة أخرى بعد حوالي ثلاثة أشهر،عرفت تدخلا أمنيا عنيفا ومتابعة واسعة من طرف وسائل الاعلام المحلية والدولية. هذا التدخل الذي و إن تمكن من إعادة السيطرة على الشارع فقد أساء إلى صورة المغرب داخليا و خارجيا و زرع في نفوس كثيرين من "الافناويين" بذرة الانفصال، التي لا يمكن لمثل فضيحة "الأثاث" هذه إلا أن تغذيها و توفر لها شروط النمو الضروي لكي تتكاثر. الفر والكر بين "الافناويين" و السلطة ظل مستمرا الى سنة 2008، حيث عرفت المدينة أحداثا عنيفة لازالت الساكنة هناك تتذكرها بأحداث "السبت الأسود".وطبعا "المعركة" لازالت مستمرة إلى يومنا هذا. ما يحز في النفس أن من بين المطالب الشعبية التي كانت السكرتارية المحلية تستميت في الدفاع عنها هي إحداث عمالة بالاقليم. و بطبيعة الحال لم يفعلوا ذلك لكي يأتي مسوؤل في النهاية و يصرف 360 مليون سنتيم من أموال دافعي الضرائب على أثاث منزله، في الوقت الذي تعاني فيه المدينة من الهشاشة و الحكرة و التهميش الممنهج.هاته المدينة،التي صرفت فيها وزارة الداخلية، كمن لا يخشى الفقر، على أثاث منزل عامل صاحب الجلالة عزلت تماما عن المغرب إبان فيضانات الجنوب سنة 2014، حيث اضطرت الدولة إلى توصيل المساعدات للسكان المنكوبين هناك عن طريق البحر و ليس البر. أعطى بنكيران انبطاعا جيدا منذ تنصيبه عندما زهد في إقامة رئيس الحكومة بالمشور واستمر في العيش في فيلا زوجته بحي اللميون، و سار عدد من الوزراء و المسؤولين على دربه عندما زهدوا هم أيضا في تعويضاتهم ، لكن مثل هذه الفضائح تهدم لامحالة ما يبنيه العقلاء في بلادنا. P.S : سيعاتبنا من يقرؤون العناويين فقط على الكيل بمكيالين بخصوص فضيحة "الأثاث" و فضيحة "الكات-الكات". و لأنه لا مجال هنا للرد على هؤلاء أقول بأن مصير شوباني في النهاية بين يدي من صوتوا له، لكن من سيحاسب المسؤولين عن تبذير 360 مليون سنتيم في أثاث منزلي؟