لا ننسى أن الحلم الأبيض للاتحاد الأوربي بالأمس القريب، خصوصا بعد ما عاشه من جراء وقع الأزمة الأوكرانية و وقعها على مشروع أوربا الموحدة، و بعدها بقليل، ما حدث في اليونان و لأول مرة في تاريخ تجربة الاتحاد الأوربي، دولة عضوة يفوز فيها حزب يساري راديكالي في الانتخابات العامة و يتبوأ السلطة، بعد اختبار المواجهة اليونانية و الصمود بسلاح الاستفتاء الشعبي، حيث صوت اليونانيون آنذاك ب" لا" عبر استفتاء شعبي و بنسبة 61.31% ضد إجراءات التقشف التي كان يطالب بتنفيذها المقرضون الدوليون مقابل إبرام اتفاق بشأن ديون اليونان. و منذ ذلك الحين و الاتحاد الأوربي يضع يده على قلبه خشية انتقال عدوى نجاح سيريزا اليوناني إلى بقية الدول الأوربية، خصوصا و أنه كان يعلم و ينتظر القادم من جراء ما ستسفر عليه نتائج الاستفتاء البريطاني حول استمرار بريطانيا في الاتحاد الأوربي أو الانسحاب منه. و كان الموعد، يوم 23 حزيران/يونيو، حيث كان البريطانيون مدعوون لتحديد مصير بلادهم في الاتحاد الأوروبي (بعد انضمامها إليه عام 1973) عبر استفتاء تاريخي بطله رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الذي وفى بوعده الذي ألقاه في خطاب 23 يناير/كانون الثاني 2013 بتنظيم استفتاء إن أعيد انتخابه لرئاسة الوزراء مرة أخرى في الانتخابات التشريعية التي شهدتها بريطانيا في 2015. إن أول ما يمكن الانتباه إليه هو الدرس الديمقراطي الذي قدمه ديفيد كاميرون في كيفية الاحترام و الوفاء بالوعود الانتخابية و عدم التملص و الدوران حولها. فما عليه الآن إلا الاحتكام إلى المادة 50 من معاهدة لشبونة، و هو ما يفتح الباب أمام إجراء مفاوضات حول الانفصال لعامين على الأقل لما تتسم به هذه العملية القانونية السياسية من تعقيد هائل. و يستتبع أن المتابع و المتأمل فيما حدث و يحدث اليوم، يتابع تاريخا جديدا لأوروبا يُكتب اليوم بِمداد الشعوب. إن ما حدث يمثل أكبر انتكاسة في عشر سنوات يشهدها الاتحاد الأوروبي لأنصار فكرة الوحدة الأوروبية. إن ما واجهه الاتحاد الأوروبي من أزمات عدة في الفترة الأخيرة، أتت الضربة قاصمة للغاية هذه المرة، مما يجعل دول الاتحاد عاجزة عن تحمل الصدمة الكبرى. بيد أن تطبيقات الديمقراطية خصوصا المباشرة منها، لم تعد متيسرة من الناحية العلمية في بعض الأحيان، حيث أثارت في كثير من التجارب دائما إشكاليات متراكمة. يجب الإقرار، اليوم، أن المسالة ليست بالسهلة أمام المملكة البريطانية، خصوصا و أنها لم تقدم إلى حد الآن خطة و برنامج واضح و متكامل لتجاوز مخلفات الخروج و الانسحاب من " الحلم الأبيض "، فتداعيات هذا المصير بدأت تلوح في الأفق. أولها الآثار الاقتصادية بعد هذا الاستفتاء، ثانيها، حوالي ثلاثة ملايين موقع على عرائض تطالب بإعادة الاستفتاء، ثالثها، إشكالية الصادرات البريطانية و التي كان أهمها يوجه جله إلى أوربا، رابعا، التهديدات الداخلية للمملكة و المتمثلة، على سبيل المثال، في بداية الحكومة الاسكتلندية المشاورات لإجراء استفتاء آخر للخروج من المملكة البريطانية و غيرها من التبعات، مما جعل أكثر المحللين السياسيين و الخبراء الاقتصاديين يعتبرون هذا الأمر بمثابة " طلاق رجعي "…… فلننتظر و نتابع.