على إثر النقاش القانوني الذي انتشر بصفحات موقع التواصل الإجتماعي فايسبوك حول قرار صادر عن إحدى الهيئات القضائية بالمحكمة الابتدائية بتطوان، و الذي قضى بعدم إلزامية تنصيب محام في القضايا التي تخضع للمسطرة الكتابية، وهو القرار الذي خلق حالة من الدهشة و الاستغراب لدى عدد من رجال القانون خاصة منهم المحامون بهيئة تطوان وبباقي الهيئات الاخرى، و اعتبارا لخطورة المبدأ الذي أقره هذا القرار و الذي بدون شك يعد سابقة فريدة من نوعها في تفسير قواعد قانون المسطرة المدنية و القانون المنظم لمهنة المحاماة ، و مساهمة منا في هذا النقاش القانوني ، سنحاول تحليل مضامين هذا القرار و مناقشة النصوص القانونية المؤطرة للموضوع، ثم الإنتهاء بإبداء وجهة نظرنا فيما إذا كان القرار صائبا أم خاطئا. وقائع القرار موضوع التعليق : يتعلق الأمر بقرار صادر بتاريخ 20 ابريل 2016 عن هيئة جماعية في قضية مدنية ، حيث حضر المدعى عليه شخصيا أمام هيئة المحكمة و أدلى بمذكرة جوابية مرفقة بوثائق سلمت نسخة منها لنائب المدعي ، الذي إلتمس من رئيس الجلسة رد المذكرة لصاحبها على اعتبار أن المسطرة كتابية و ان الجواب يتعين ان يكون بواسطة محام ، و بعد المداولة على المقعد في الطلب العارض ، قررت المحكمة باسم جلالة الملك و طبقا للقانون ما يلي » بناء على المادة 32 من القانون المنظم لمهنة المحاماة و قواعد المسطرة الكتابية المنظمة بمقتضى المسطرة المدنية لاسيما الفصل 134 وما يليه، وبالنظر إلى استقراء المادة و الفصول أعلاه يمكن ان يستفاد منها أن نيابة المحامي في الدعاوى المدنية إنما هي مقتصرة وتنحصر على المحامين المقيدين بجداول الدول الأجنبية المرتبطة مع المغرب بإتفاقية في هذا الشأن، و أن المقتضيات أعلاه لا تفيد قطعا إلزامية نيابة المحامي، وأنه للخصم أن يدافع عن نفسه ولا موجب لإلزامه بالاستعانة بغيره والحال أنه يرتئي بنفسه القدرة على ذلك، لهذه الأسباب تقرر المحكمة رد الدفع المثار. « إن تحليل مضامين هذا القرار يقتضي أولا التمييز بين المسطرة الكتابية و المسطرة الشفوية، وخصوصية كل واحدة منهما ونطاقهما القانوني والنصوص المؤطرة لهما وبيان ما إذا كانت المسطرتين المذكورتين هما العنصر المحدد لإلزامية تنصيب المحامي . الفرق بين المسطرة الكتابية و المسطرة الشفوية و نطاق كل واحدة منهما: لم يعط المشرع تعريفا محددا للمسطرتين الكتابية و الشفوية ، و قد تولى هذه المهمة الفقه و معه القضاء ، فالمسطرة الشفوية يكون فيها الدفاع عن الحق عن طريق المرافعة و مناقشة الوقائع بشكل شفوي و علني و مسموع ، و يكتفى فيها بحضور المتقاضي امام القضاء شخصيا أو بوكيل ، عكس المسطرة الكتابية التي لا يعتد فيها بحضور المتقاضي شخصيا أو بوكيل بل يعتد فيها بتقديمه لمذكرات أو مستنتجات خطية و مكتوبة بواسطة محام، مع استثناء حالتين هما حصول المتقاضي على إذن بالترافع أو إذا كان الأمر يتعلق بالدولة أو الإدارة العمومية . وبموجب التعديل الذي طال قانون المسطرة المدنية بمقتضى ظهير10 شتنبر 1993 و 17 غشت 2011 أصبح الأصل في المسطرة أمام المحاكم الابتدائية انها كتابية مع استثناء مجموعة من القضايا التي تم الإبقاء فيها على المسطرة الشفوية، حيث نص الفصل 45 على ما يلي : تطبق أمام المحاكم الابتدائية وغرف الاستينافات بها قواعد المسطرة الكتابية المطبقة أمام محاكم الاستيناف وفقا لأحكام الفصول 329 و331 و332 و334 و335 و336 و342 و344 الآتية بعده. تمارس المحكمة الابتدائية ورئيسها أو القاضي المقرر، كل فيما يخصه، الاختصاصات المخولة حسب الفصول المذكورة لمحكمة الاستئناف ولرئيسها الأول أو للمستشار المقرر. غير أن المسطرة تكون شفوية في القضايا التالية: 1 – القضايا التي تختص المحاكم الابتدائية بالنظر فيها ابتدائيا وانتهائيا . 2 – قضايا النفقة والطلاق والتطليق. 3 – القضايا الاجتماعية. 4 – قضايا استيفاء ومراجعة وجيبة الكراء. 5 – قضايا الحالة المدنية. هل إلزامية تنصيب المحامي مرتبطة بطبيعة المسطرة ، كتابية كانت ام شفوية أم أن هناك محددا آخر غير المسطرتين المذكورتين ؟ يعتقد البعض أن إلزامية تنصيب المحامي في القضايا المدنية تنحصر فقط على القضايا التي نص المشرع على ان المسطرة تكون فيها كتابية ، أما حينما يتعلق الامر بالإستثناءات الخمسة المنصوص عليها في الفصل 45 من ق م م المشار غليها أعلاه ، فإنه بإمكان الشخص ان يترافع عن نفسه دون حاجة لإلزامه بتنصيب محام ، و هو قول لا أساس له من القانون ، لأن الإطار القانوني المحدد لإلزمية تنصيب المحامي أمام القضاء ليس هو الفصل 45 من ق م م ، و ليس هو طبيعة المسطرة المتبعة في القضية ، بل المحدد هو المادة 32 من القانون المنظم لمهنة المحاماة كما تم تعديله سنة 2008 و التي تنص على ما يلي: » المحامون المسجلون بجداول هيئات المحامين بالمملكة، هم وحدهم المؤهلون، في نطاق تمثيل الأطراف، ومؤازرتهم، لتقديم المقالات والمستنتجات والمذكرات الدفاعية في جميع القضايا باستثناء قضايا التصريحات المتعلقة بالحالة المدنية، وقضايا النفقة أمام المحكمة الابتدائية والاستئنافية، والقضايا التي تختص المحاكم الابتدائية بالنظر فيها ابتدائيا وانتهائيا وكذا المؤازرة في قضايا الجنح والمخالفات. غير أنه يمكن للمحامين الذين يمارسون المهنة في بلد أجنبي، يرتبط مع المغرب باتفاقية تسمح لمواطني كل من الدولتين المتعاقدتين بممارسة المهنة في الدولة الأخرى، أن يؤازروا الأطراف، أو يمثلوهم، أمام المحاكم المغربية، بشرط أن يعينوا محل المخابرة معهم بمكتب محام مسجل بجدول إحدى هيئات المحامين بالمملكة بعد الإذن لهم بصفة خاصة، في كل قضية على حدة، من طرف وزير العدل ما لم تنص الاتفاقية على خلاف ذلك. » وبمفهوم هذه المادة فإن الإعفاء من إلزامية تنصيب المحامي مقتصر فقط على القضايا التالية : قضايا التصريحات المتعلقة بالحالة المدنية، وقضايا النفقة أمام المحكمة الابتدائية والاستئنافية، والقضايا التي تختص المحاكم الابتدائية بالنظر فيها ابتدائيا وانتهائيا وكذا المؤازرة في قضايا الجنح والمخالفات، و هو ما يعني أن باقي القضايا يتعين لزوما أن يتم تنصيب المحامي فيها للترافع نيابة عن المدعي او المدعى عليه ، بما فيها بعض القضايا التي نص الفصل 45 من ق م م على ان المسطرة فيها شفوية ، و نقصد بذلك القضايا الإجتماعية و قضايا الطلاق و التطليق و قضايا استيفاء و مراجعة وجيبة الكراء ، فهذه القضايا رغم أن المسطرة فيها شفوية فإنها غير مستثناة من إلزامية تنصيب المحامي حسب المادة 32 من قانون المحاماة ، و بالتالي فإن عدم احترام شكلية تنصيب المحامي في هذا النوع من القضايا يستتبع إما التصريح بعدم قبول الدعوى إذا كان المخل بالشكلية هو المدعي أو صرف النظر عن جواب المدعى عليه إذا كان هذا الأخير هو من أخل بها . وانسجاما مع هذا التوجه فقد أصدرت محكمة النقض قرارا نقضت بموجبه قرارا استئنافيا اعتبرت فيه محكمة الاستئناف أن تصحيح المستأنف للمسطرة خلال المرحلة الإستئنافية و ذلك بتنصيب محام يجعل دعواه مقبولة رغم عدم قيامه بذلك خلال المرحلة الابتدائية ، و مما جاء في حيثيات هذا القرار المهم » حقا حيث صح ما عابته الوسيلة على القرار ، ذلك انه بمقتضى المادة 31 من الظهير رقم 162-93 ( المادة 32 حاليا بعد تعديل 2008 ) المنظم لمهنة المحاماة ، فإن المحامين المعتمدين بجدول هيئات المحامين بالمملكة هم وحدهم المؤهلون في نطاق تمثيل الأطراف و مؤازرتهم لتقديم المقالات و المستنتجات و المذكرات الدفاعية في جميع القضايا باستثناء القضايا الجنائية و قضايا النفقة أمام المحاكم الابتدائية و الاستئنافية و القضايا التي تختص المحاكم الابتدائية بالنظر فيها ابتدائيا و انتهائيا ، و استنادا إلى ذلك فإن تصحيح الدعوى بتقديمها و توقيعها من طرف المحامي يجب أن يتم في ذات مرحلة التقاضي التي استلزم القانون تقديم و توقيع المحامي على صحيفتها ، و محكمة الاستئناف حين ردت دفع الطاعنة بعدم قبول دعوى المطلوب لتقديمها من غير محام ، بكون هذا الإجراء الذي لم يتدارك ابتدائيا لا تأثير له على الحكم المستأنف خاصة و أن الاستئناف ينشر الدعوى من جديد، و قد أجريت المسطرة في هذه المرحلة ، تكون قد خرقت المقتضيات الواردة أعلاه و عللت قرارها تعليلا فاسدا، فعرضته بالتالي للنقض والإبطال » القرار عدد 1319 بتاريخ 15 أبريل 2009 في الملف عدد 1901/1/5/2007، منشور بنشرة قرارات المجلس الأعلى المتخصصة، الغرفة المدنية، العدد 03. و في نفس الإطار وانسجاما مع هذا التوجه، وبغية تحقيق الملائمة مع قانون المحاماة، فقد نص مشروع قانون المسطرة المدنية المزمع عرضه قريبا على أنظار البرلمان في المادة 31 منه على ما يلي: » ترفع الدعوى إلى محاكم اول درجة ، ما لم يوجد نص خاص بخلاف ذلك ، بمقال مكتوب يوقعه محام مسجل في جدول هيئة من هيئات المحامين بالمغرب و يحمل رقمه الوطني مع مراعاة الاتفاقيات الدولية والمقتضيات الخاصة بقضاء القرب الواردة بعده. غير أنه يجوز للمدعي و المدعى عليه الترافع شخصيا دون مساعدة محام في الحالات الآتية: – قضايا الزواج و النفقة و الطلاق الاتفاقي وأجرة الحضانة. – القضايا التي تختص المحاكم الابتدائية بالنظر فيها ابتدائيا وانتهائيا طبق المادتين 19 و 19-1 أعلاه – قضايا التصريحات المتعلقة بالحالة المدنية. – إذا كان أحد طرفي الدعوى قاضيا أو محاميا أمكن لمن يخاصمهما الترافع شخصيا. – القضايا التي ينص عليها القانون. « هذا مع العلم أن المادة 45 من المشروع نصت على أن مسطرة المناقشة الشفوية تطبق في القضايا التالية: 1 – القضايا التي تختص المحاكم الابتدائية بالنظر فيها فيها ابتدائيا وانتهائيا. 2 – قضايا الزواج والنفقة والطلاق والتطليق و الحضانة. 3 – القضايا الاجتماعية. 4 – قضايا استيفاء ومراجعة وجيبة الكراء. 5 – قضايا الحالة المدنية. و من هنا يتبين انه لا تلازم بين المسطرتين الكتابية و الشفوية و إلزامية تنصيب محام من عدمه، وان المشروع إذ جعل الأصل هو المسطرة الكتابية طبقا للفقرة الأولى من المادة 31 ، فإنه في الفقرة الثانية حدد الحالات التي يسمح فيها للمدعي او المدعى عليه الترافع شخصيا دون حاجة للإستعانة بمحام ، و من بين هذه الحالات ، القضايا التي ينص عليها القانون، و في ذلك إشارة إلى القضايا الواردة في المادة 32 من قانون المحاماة والتي لم تشملها المادة 31 من مشروع قانون المسطرة المدنية، ونعني بذلك قضايا الجنح والمخالفات . وجهة نظرنا بخصوص القرار موضوع التعليق : من خلال استقراء الحيثيات التي اعتمدها القرار موضوع التعليق ، يتضح انه اعتمد على تبريرين إثنين، أولهما أن نيابة المحامي في الدعاوى المدنية تنحصر على المحامين المقيدين بجداول الدول الأجنبية المرتبطة بالمغرب باتفاقية بهذا الشأن، وثانيهما أن مقتضيات المادة 32 من قانون المحاماة و فصول قانون المسطرة المدنية لا تفيد قطعا إلزامية نيابة المحامي، وأنه بإمكان الخصم أن يدافع عن نفسه ولا موجب لإلزامه بالإستعانة بغيره و الحال انه يرتئي بنفسه القدرة على ذلك. فبخصوص التبرير الأول، نعتقد أن إقحام المحكمة لحالة المحامين المقيدين بجداول الدول الأجنبية المرتبطة بالمغرب باتفاقية تسمح لمواطني كل من الدولتين المتعاقدتين بممارسة المهنة في الدولة الاخرى، في حيثية القرار الذي أصدرته هو أمر غير مفهوم، و بعيد كل البعد عن جوهر الإشكال المطروح، ذلك ان المشرع حينما تحدث في المادة 32 من قانون مهنة المحاماة عن حالة المحامين الأجانب اللذين ترتبط دولهم باتفاقيات مع المغرب تسمح لمواطني كل من الدولتين بممارسة المهنة في الدولة الأخرى، فقد كان الغرض من ذلك هو معالجة وضعية خاصة ووضع ضوابط لممارسة الحق الذي تكفله الاتفاقية الثنائية، تفاديا لأي إشكال قد يثار، خصوصا على مستوى تبليغ الإستدعاءات والأحكام حيث ألزم المشرع هؤلاء المحامين بضرورة تعيين محل للمخابرة معهم بمكتب محام مسجل بجدول إحدى هيآت المحامين بالمغرب بعد الإذن لهم بصفة خاصة في كل قضية على حدة من طرف وزير العدل ما لم تنص الاتفاقية على خلاف ذلك، وبالتالي فالتبرير المعتمد من طرف المحكمة في هذا الشق لا علاقة له بالإشكال المطروح ولا ينطبق عليه بتاتا، أما بخصوص التبرير الثاني، فإنه لما كانت القضية المعروضة على أنظار المحكمة قضية مدنية ترمي إلى الحكم بفسخ عقد تخضع لقواعد المسطرة الكتابية ولا تدخل ضمن الإستثناءات المنصوص عليها في المادة 32 من قانون مهنة المحاماة، فإن اعتبار المحكمة بأن مقتضيات هذه المادة و فصول قانون المسطرة المدنية لا تفيد قطعا إلزامية نيابة المحامي، هو قول في نظرنا مجانب للصواب، ذلك أن الصيغة التي وردت بها المادة 32 من قانون مهنة المحاماة و كما أشرنا إلى ذلك أعلاه هي واضحة تماما بخصوص إلزامية تنصيب المحامي في كل القضايا باستثناء القضايا الزجرية و قضايا التصريحات المتعلقة بالحالة المدنية و قضايا النفقة و قضايا الجنح و المخالفات و القضايا التي تبت فيها المحكمة الابتدائية ابتدائيا وانتهائيا، وهذا هو التفسير الذي تبنته محكمة النقض من خلال القرار الذي أوردناه أعلاه وعدد آخر من القرارات، وتبناه أيضا مشروع قانون المسطرة المدنية في المادة 31 منه، وبالتالي فإننا نرى أن قرار المحكمة موضوع التعليق قد جانب الصواب فيما ذهب إليه وأساء تفسير مقتضيات المادة 32 من قانون مهنة المحاماة ومس بحق الاحتكار الذي منحه المشرع للمحامين بخصوص تمثيل الأطراف أمام القضاء، وخالف فلسفة المشرع بهذا الخصوص، بل وخالف توجه كل محاكم المملكة . * باحث في الشؤون القانونية