في الثاني عشر من شهر ماي 2015 صدر بلاغ من الديوان الملكي، يوافق الملك بموجبه على طلب الإعفاء الذي تقدم به كل من الوزير عبد العظيم الكروج، والحبيب شوباني، والوزيرة وسمية بنخلدون، الأول بسبب فضيحة "الشوكولاتة" التي لا تبلغ قيمتها 20 مليون سنتيم، والوزيرين بسبب عزمهما الزواج في إطار "التعدد". في ظاهر البلاغ يتعلق الأمر بالموافقة على طلب الاعفاء، وفي حقيقته إقالة من المسؤولية، الإقالة التي تحاول الدولة تجنبها ما أمكن، والإبقاء على عرف "العفو" سيرا على تقاليد عتيقة، لكن من ينظر إلى القيمة التي تتضمنها فضيحة "الشكولاتة"، يتساءل حقيقة هل تسقط الفضيحة الكبرى لما بات يعرف بقضية تأمينات "ساهام" أو صفقة المرحلة، التي استعمل فيها النفوذ والعلاقات وخفايا أخرى، (هل تسقط) وزيرين من العيار الثقيل وتخرجهما من الحكومة؟ ما كان أحد يتقبل الترويج لفكرة تخلي الوزيرين، أخنوش والعلمي، عن أجرهما، بالطريقة التي تقوم الجرائد المقربة للرجلين بترويجه، وما كان للوزارة أن تمر مرور الكرام على رجال أعمال يعرفون دواليب المعلومة ويتقنون استعمالها. فالفضيحة ليست سوى شجرة تخفي خلفها مجموعة من الخدمات التي يسديها كل طرف للآخر، يقدم بموجبها أخنوش صفقتين لزميله العلمي، الأولى تتعلق بفرض التأمين الصحي التكميلي على موظفي "القرض الفلاحي" لمصلحة شركة "ساهام" لصاحبها حفيظ العلمي، بعدها بأيام قليلة، سينجلي الغبار عن صفقة تمت خارج المساطر القانونية، وتتعلق بالتأمين على المحصول الفلاحي، ويتم تمريره لنفس الشركة وهو ما سيؤدي إلى أرباح لا تقل عن 2 مليار درهم. وتأتي الصفقة "الفضيحة" بعد تأجيل وزير الفلاحة والصيد البحري، عزيز أخنوش، تقديم مقترحه بإعلان السنة الفلاحية 2016 سنة جفاف، والذي سيكلف الدولة ملياري درهم، وهو الإعلان الذي كان في أجندة الحكومة في منتصف يناير الجاري. من يعرف عزيز أخنوش، وزير الفلاحة والصيد البحري، وصاحب مجموعة "أكوا" الإستثمارية، يعرف جيدا أنه لا يقدم شيئا بدون مقابل، وأن ما يمنحه لزميله حفيظ العلمي له ثمن، والثمن الذي لا يعرفه كثيرون هو أن حفيظ العلمي يرأس لجنة تقوم بتقديم المشاريع الاستثمارية في لجنة حكومية، وهي اللجنة التي توصلت من عزيز أخنوش بمشروع يتعلق بإعادة هيكلية وتهيئة محطات "إفريقيا"، أعاد أخنوش صياغته، وضَمنه أرقام "العائد" من التوظيف والخدمات، غير أنه لم يحظى بموافقة رئيس الحكومة. أما المقابل الثاني فيتمثل في مساعدة العلمي لأخنوش في "صفقة القرن"، في سياق تناسب كل الظروف المواتية بدخوله على الخط في قضية "لاسامير"، ويكون المشهد قد اكتمل بعد تراجع "الخليجيين" عن وضع الاعتمادات الموعودة، ورفض الدولة ضخ أموال جديدة في مالية الشركة، ووجود تلاعبات وتبذير من قبل المسيرين، يبدو أن الجو صار ملائما لدخول أخنوش على الخط، وتهيئة الظروف لولوجه شركة "لاسامير" من باب أزمتها. لم يطح كشف "لعبة عطيني نعطيك" أو "تبادل العلاوات" المشهورة بين كل من صلاح الدين مزوار حين كان وزيرا للمالية ونور الدين بنسودة الخازن العام للمملكة، بأي منهما، بقي بنسودة ولم يحاسب مزوار بالرغم من ضخامة الفضيحة، والسر في ذلك أن تمة من لعب دورا كبيرا في إعادة توجيهها إعلاميا، وتغيير مسارها لتتم محاسبة الكاشفين.. بنفس الطريقة يسعى حفيظ العلمي وعزيز أخنوش إلى تغيير وجهة الفضيحة، فيصبح السؤال هو من له المصلحة في إثارتها؟ عوض السؤال عن الفضيحة في حد ذاتها؟ ولكون الرجلين يملكان إعلاما قويا، بدأت الافتتاحيات تحاول إيجاد مشجب ما، لإخراج الموضوع من دائرة الفضيحة، وإدخالها دائرة الصراع السياسي، بالرغم من أن من كشف الملف هو البرلماني عن حزب الاتحاد الاشتراكي المهدي المزواري، وعضده البرلماني عن حزب الاصالة والمعاصرة عبد اللطيف وهبي، وقام حزب الاتحاد الاشتراكي بإخراج بلاغ في الموضوع. ومن يطالع افتتاحية جريدة "الأحداث المغربية" ليومي السبت والأحد سيفهم الوجهة التي يريد الوزيرين جعلها مشجبا، للخروج من الأزمة، فالافتتاحية تتحدث عن كون إثارة الموضوع يأتي في سياق إثارة أحداث أخرى ل"النيل" من أخنوش، وتشير إلى المادة 30 من قانون المالية التي أثارت نقاشا حول طريقة تحويل التوقيعات رئيس الحكومة إلى وزير الفلاحة في صندوق يشمل 54 مليار سنتيم. لو تمت الصفقة في احترام تام للمساطر القانونية لما قام أخنوش بتوزيع بلاغ يدعو فيه بقية الشركات للإنضمام واقتسام الصفقة، لكن وبما أنها استغلال للنفوذ وفضيحة من العيار الثقيل، يحاول أخنوش ربحها على مستوى الدولة والإعلام، إعلاميا بكبح الغضب العارم على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي والشارع، وحفظ مكانته على مستوى الدولة بالبحث عن مشجب يعلق عليه "إثارة" الموضوع.