لماذا ننتظر من شخصيات صُنعت في بيئة غير بيئتنا أن تعزف على الأوتار التي توافقنا وتمتح من معين ما نمتح منه، وتحترم ما يستفزنا، وتسوق عنا الصورة التي ترضينا والحال أن هاته الشخصيات لن يكون ولاؤها إلا للأيادي التي صنعتها، وللبيئة التي صُنعت فيها، أما هنا، فمجرد سوق للبيع والشراء وتضارب الأرقام والمؤشرات التي تحققها معاملات السنة؟ وإن كانت كثيرة تلك الأشياء التي تؤكدها "بالونة" نبيل عيوش بعد فيلمه الجديد، إلا أن تمة شيء يراد له أن يظل خفيا ومتواريا، حتى يبقى المغرب كنقطة سوداء في عالم "يستنشق الحرية" صباح مساء، أما المعطيات فتثبت هوس البعض بالنفاق، والمثال حين تريد فرنسا أو بعضا من دُورِ العرض فيها أن تلقن المغرب درسا في الحرية، متناسية ذيلها الطويل. إنهم يريدون إخفاء ما قامت به فرنسا في يناير من السنة الجارية (2015) تجاه فيلم L'Apôtre، والذي منع بطلب من المديرية العامة للأمن الداخلي ، وذهب المخرج إلى جريدة le figaro، ليشرح دواعي فيلمه وإلى منابر اعلامية أخرى دون جدوى، وتفهم الجميع أن في السماح بعرض الفيلم تهديد لأمن المجتمع، بعد الرعب الذي خلفته أحداث تشارلي إيبدو. ثم منعت بريطانيا فيلما آخر في مارس من هذه السنة، ويتعلق الأمر بفيلم Crime Hate بسبب ما تضمنه من عنف جنسي. كما كانت بريطانيا التي تلقب بالعظمى قد منعت فيلم The Human Centipede II Full Sequence، وجاء رفض المجلس البريطاني لتصنيف الأفلام بمبرر الخطر الذي يشكله الفيلم على المتفرجين، وأعلن المجلس حظر خروجه على جميع الوسائط. وفي سنة 2013 منعت نيوزيلاندا فيلم Maniac كما منعت توزيعه على الأقراص المدمجة، واعتبرت لجنة التصنيف في نيوزيلاندا أن الفيلم يضر بالصالح العام، كما منعت أستراليا الفيلم الأمريكي Ken Park من العرض، ومنعت كل من إيطاليا وألمانيا الفيلم الأمريكي Portier de nuit. لا أخفي أني كنت أحاول النأي بنفسي عن هذه الضجة، لأني أعرف أن كثيرين يقومون بشراء حيز على جرائد لتقوم بدور المهاجم، أو بالأحرى يعتبره القراء هجوما، في حين ليست في لغة التواصل إلا أداة للتسويق، فتمويل المدح بإطلاق يعني شراء النسيان ، وقد نسي المغاربة كثيرا من السياسيين لمغالاة البعض في مدحهم، وغياب أي رأي آخر عنهم. ولتعضيد هذا الطرح أقترح زيارة إلى الصفحة الخاصة بالسيدة كريمة العلوي مزيان، التي لا يعلم كثيرون أنها تعني كل شيء في شركة "عليان للإنتاج" لصاحبها نبيل عيوش، وأنها المديرة التنفيذية بالمؤسسة، وأتساءل لماذا تقوم هذه السيدة بتسريب مقاطع الفيديو حول فيلم نبيل عيوش إلى صفحتها على "فايسبوك" وتطالب المغاربة بمهاجمته، في حين لا تزال تحتفظ على صدر صفحتها بمكان العمل نفسه؟ الجواب يعلمه من يشتغلون في ميدان الإنتاج وهو ميدان صغير بحد يمكِّن من معرفة تفاصيله كاملة، وهؤلاء يعلمون أنها ليست المرة الأولى التي تقوم فيها كريمة العلوي بنشر مقتطفات من أفلام على أنها تسريبات، كفخ يقع فيه الجميع ويبدأ فيه الجميع بإشهار الفيلم، وبالتالي مشاهدته خلسة أو علانية، وأحيانا لجر طيف سياسي بعينه إلى معترك التصريحات العنيفة، وبالتالي استغلال الممولين لصورته لأهداف أخرى. ثم إنك إذا أردت أن تسقط قيمة من القيم، التي صار البعض يلقبها ب"طابوهات" في خلط كبير، ما عليك سوى تكرار النقر على جذورها، قد يستبقك الناس في البداية بالضجة، لكن في كل صرخة بداية تطبيع… أما شعارات "الحرية" فما هي إلا "طلقات طائشة للتغطية" كما تستعملها الجيوش في الحروب، وإلا فحتى العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لا يقر بحرية تعبير على إطلاقها، تقول المادة 19 من العهد المذكور:" لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها، و..يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية: لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم، ولحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة". وهذه المادة تتكامل مع نصوص قانونية وطنية إذ تعاقب المادة 59 من قانون الصحافة والنشر، عرض أو نشر الأفلام الإباحية، والصور المخالفة للآداب والأخلاق العامة. سيخوض نبيل عيوش معركته كاملة، لا تعنيه الحرية في شيء، ما دام يعيش في فرنسا اكثر مما يعيش في المغرب، وأن هذا الأخير ليس بالنسبة لعيوش سوى استوديو تصوير، ولا يعنيه ما سيجنيه من مال أيضا في شيء، ما دامت إمبراطوريته كأخطبوط يحصل على الإشهارات من مؤسسات كبرى ومن شركات ومن الإذاعة والتلفزة ومن القناة الثانية بإشارة أصبع… ما يعني عيوش يعلمه كتاب السيناريو في "العلب الزجاجية" التي أقيمت لمن يسميهم ب "أصحاب المادة الرمادية" في شركته "عليان للإنتاج"، وهم الأكثر علما أن عيوش يغيب ردحا من الزمن في فرنسا ويعود فقط بفكرة يقترحها على كُتَّابه لإنتاج السيناريو، وبعد إتمامهم العملية يشغل أدواته في البتر والتمطيط حتى يكون الفيلم كما تصوره من اقترح الفكرة من أصلها… وفي كلمة، لا يهم أن نكون ضد المنع أو معه، يكفي أن لا نرتدي المتناقضات، ونُشهر في كل مرة شعارا يخدم مصلحة خاصة ما، لقد عرى هوس النفاق عددا كبيرا من معتنقي شعارات الحرية، وبذلك يصنعون كل يوم مسافة جديدة في هوة كبيرة بينهم وبين بقية المغرب.