"لست في حاجة إلى الدراسة ..لدي عمي جوجل" هذه العبارة أصبحت متداولة بين العديد من التلاميذ وتجدها منحوتة على جدران فصول دراسية احيانا باللغة الانجليزية " i hate school because i have google" . وهو تعبير دقيق يلخص هموم شبابنا وضالتهم التي وجدوها في الغوص في أعماق بحار العالم الافتراضي، الذي وفر لهم حاجياتهم وما يشتهون ..وبالمقابل أصبحت المؤسسة التعليمية معتقلا لمجموعة عريضة من التلاميذ، يجلسون في الفصل الدراسي شاردين يسترجعون تفاصيل سفرهم مع "عمي جوجل" ، عيونهم شاخصة في مدرسهم يطأطؤون رؤوسهم لإيهامه بانهم مسايرون مستوعبون مدركون ، غير ان تلك الحركات التطمينية للمدرس ليست إلا طأطآت مجاملة و"تحيار" على إيقاعات موسيقية وهمية. هؤلاء التلاميذ بارعون مع "عمي جوجل" ويخبرون جيدا خيوط الشبكة العنكبوتية ، لكنهم خاملون نائمون جامدون في الفصل الدراسي غير آبهين غير مهتمين، ليسو بناقصي عقل وبديهة لكنهم "deconnectés" بلغة مستعملي الانترنت ، لا يتفاعلون إلا على ما يثير اهتمامهم ويخز عقولهم. والغريب أن سندة إصلاح التعليم بالبلاد هم كذلك " deconnectés "غير عارفين بهموم تلاميذنا ولا يتقنون إلا رمي "القرارات" من على متن "الطوافات" ، ليست لهم دراية بالواقع التعليمي عن كثب ، ولم ينهجوا سياسة القرب كما يدعون . أما ضحايا هذا الوضع المحزن فهم المدرسون الذين يكتوون بنار إصلاحات ترقيعية للمنظومة التعليمية ، في إقصاء تام لهم وفي ضرب مبرح للمقاربة التشاركية التي قوامها الإنطلاق من القاعدة إلى القمة من أجل إجراء تشخيص دقيق للوباء الذي ينهش في الجسد التعليمي، وإنتاج وصفات دوائية ناجعة، بعيدا عن المسكنات التي تفاقم المرض وتترك الوضع يسير في إيقاع تصاعدي نحو الأسوء. إن عددا من المدرسين بالثانوي التأهيلي على سبيل المثال لا الحصر أصبحوا يقولون بالحرف "لم نعد نجد مع من نتكلم ومع من نتحاور..بلغة المادة"، ويعيشون حيرة تطويرأدائهم في ظل هذا الواقع المرير ، فلولا بعض المتفوقين يضيف أحدهم لأصبح من المستحيل تصريف البرنامج المسطر من قبل الدولة ، ولم يخف العديد منهم التفكير في التقاعد وتسريح نفسه من هم ممرض ومحبط ، لأن الوضع أصبح خطيرا للغاية ، بسبب الضعف الكبير للمستوى التعليمي وانحدار المنظومة الأخلاقية بشكل مهول في سحيق الاستلاب والتبعية السلبية. والطامة الكبرى أن أصحاب زمام أمور الشأن التعليمي يحملون المسؤولية بشكل مباشر للمدرسين ، بدليل الإجراءات "الأمنية" المتخدة التي تروم إحصاء انفاس أسرة التدريس ، "طاحت الصمعة..علقو الحجام" , وإطلاق قرارات " القصف العشوائي " التي لن تحل الإشكال التعليمي ، فلا يختلف إثنان حول وجود متقاعسين ومتهاونين و"مرتشين"..كسائر قطاعات الدولة , لكن عددهم يبقى محدودا، وهم أقلية ولا يمكن لخبرائنا بناء قرارات مصيرية على الاستثناء. لذلك فعلى المسؤولين المباشرين عن إصلاح التعليم أن ينزلوا من برجهم العاجي وأن يصيخ سمعهم إلى هموم أهل الميدان ويحسنوا تشخيص الواقع للبحث عن حلول ناجعة تضع بعين الاعتبار خصوصيات ما يمكن تسميته ب"الجيل الرقمي" ..أبناء"العم جوجل". عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.