مع اقترب موعد الامتحان، يتسابق التلاميذ لشحذ أسلحتهم للنجاح، فبينما يختار عدد من التلاميذ طريق الاجتهاد والكد والأخذ بالأسباب والسهر في الأيام القليلة التي تسبق الامتحان والاعتكاف على الحفظ والمراجعة عملا بالمثال القائل من "جد وجد ومن زرع حصد"، يختار عدد آخر من التلاميذ طريقا ثانيا يلتمس النجاح لكن بأقل تكلفة معنوية وأغلى تكلفة مادية، حيث يلتمسون طريق الغش والاحتيال للنجاح في الامتحان النهائي من مستوى الثانوي التأهيلي، عملا بالمثال المتداول في أوساط التلاميذ "من نقل انتقل ومن اعتمد على نفسه بقي في قسمه"، فيوجهون قواهم العقلية نحو ابتكار وسائل وآليات "أكثر ذكاء" للإفلات من أجهزة "الرصد والمراقبة" داخل قاعات الامتحان، ويقيمون لذلك مجامع وجلسات خاصة يخططون فيها ويدبرون لعملية الغش. دوافع الغش بلسان "الغشاشين" الرأي التقت عدد من التلاميذ الذين صادفتهم بالأزقة والمقاهي يعكفون على الإعداد للامتحان النهائي لسنة الباكالوريا بطقوسهم الخاصة بعيدا عن أعين الأسرة والمعارف والمحيط العائلي، وسألتهم عن دوافعهم لاختيار "الغش" بدل التواكل على النفس في اجتياز امتحان الباكالوريا، فكان جوابهم "عدم اهتمام بعض الأساتذة بالجدية في الشرح وإيصال المعلومات العلمية والمفاهيم الصحيحة إلى أذهان التلاميذ في الأقسام الدراسية، وخوفا من الفشل والمشاكل التي تنتظرنا من عائلتنا نلتمس طريق "التحراميات" ونعتمد على وسائل تقليدية ومتطورة في الغش، وكل طرقة من أجل انتزاع النجاح. الغش بين الوسائل التقليدية والتكنولوجية الحديثة اقتربت "الرأي" أثناء الإعداد لهذا الروبورتاج من عدد كبير من تلاميذ الباكالوريا، وبدأنا جولتنا في بعض مقاهي مدينة سلا والرباط، واطلعت عن قرب عن وسائل الغش عند الشباب، ويمكن تصنيف عمليات الغش إلى صنفين هما؛ أساليب الغش التقليدية والحديثة، وبالنسبة للأساليب التقليدية فتتنوع بين القصاصات الورقية أو ما يعرف اصطلاحا بين الطلبة ب ‘'الحروز''، والكتابة على الجدران وأسفل الطاولات والمقاعد وكف اليد، واوسائل "بدائية" يعتبرها "المحترفين" في الغش إذ كثيرا ما تكتشف بسهولة وعادة ما تنجر عنها عقوبات تأديبية من الدرجة الأولى تتراوح ما بين الإنذار والتوبيخ تتمثل في الحديث أثناء الامتحانات، ولعل أخطرها انتحال الشخصية التي بالرغم من ندرة هذه الحالات، إلا أنها واقعية تم تسجيلها في عدد من الثانويات، وترتبت عنها عقوبات تأديبية قاسية. "الكيت والبلوثوث" أحدث وآخر تقنيات الغش لدى الطلبة تحولت الهواتف النقالة الذكية التي صنعت لأجل تسهيل خدمة التواصل بين بني الإنسان، إلى وسيلة "مفضلة" للغش عند التلاميذ في سبيل تحقيق النجاح بغض النظر عن أهمية أو قيمة المعلومة المستوردة، ورغم أن وزارة التربية الوطنية قد أصدرت قرارا السنة الماضية، يقضي بمنع إدخال الهواتف النقالة إلى حجرات الامتحان، إلا أن الموسم الماضي سجل عدد من حالات الغش بالهواتف، حيث تم ضبط عدد من التلاميذ وأغلبهم من الذكور يستخدمون تقنية البلوثوت لاستقبال أجوبة الامتحان، بعدما ينجحون في تسريب الأسئلة عبر التقنية ذاتها، كما تم ضبط عدد من التلاميذ وأغلبهم من الإناث يستخدمون تقنية الكيت (سماعات الأذن) للتواصل مع أصدقائهم الذين غالبا ما يتواجدون في أماكن قريبة من المؤسسة التي تحتضن الامتحان، ويستعين الإناث في وسيلة الغش هذه على غطاء الرأس "الفولار"، غذ تحكي عدد من التلميذات أن الفتيات المحجبات والغير المحجبات يلجئن لهذه الحيلة "الماكرة" حسب قولها. أما بالنسبة للوسائل التقنية الحديثة الأخرى، فيستخدم لرسائل القصيرة (sms ) ويستخدمها بكثرة تلاميذ العلوم التقنية والرياضية، في حين يتسعين تلاميذ الآداب والعلوم الإنسانية على "الكيت" (سماعة الأذن)، mp3، و"الحروز" وهي عبارة عن نصوص للدروس والمحاضرات والمواضيع التي ستجرى فيه الامتحان، تنسخ باستخدام آلات الطباعة بخط صغير جدا تكون بحج باطن اليد وتنسخ في أوراق شفافة. الغش حرام وماشي من المعقول والعدل ولكن أنا بغيت ننجح سألنا عددا من "الغشاشين" الذين التقينا بهم وتحدثنا إليهم وتسائلنا معهم عن دوافعهم للغش وموقفهم منه ورأيهم فيه، فأجاب أغلبهم بأن "الغش حرام وليس من المعقول والعدل"، لكن هاجس النجاح يدفعهم للعمل بالقاعدة المكيافيلية القائلة "الغاية تبرر الوسيلة"، وهكذا كانت تتحدث ألسن التلاميذ الذين تحدثنا معهم حيث أكدوا على رغبتهم الملحة في النجاح بأي طريقة مخافة الرسوب وتضييع "جهد" سنة كاملة، كما يمكن أن ينقذ المرشح للامتحان نفسه من الطرد إذا كان مكررا، وبالتالي فإن التماسهم الغش في نظر أمر تحتمه ظروف مؤثرة على المصير الدراسي. الأستاذة وظاهرة الغش بين التساهل والصرامة يحكي أساتذة إلتقت بهم "الرأي" وقائع كثيرة متعلقة بظاهرة الغش، حدثت معهم خلال مسيرتهم الدراسية، ويقول الأساتذة أنه بالنسبة للامتحان الموحد الخاص بالباكالوريا يكون تعامل الأساتذة مختلف تماما عن تعاملهم مع التلاميذ داخل أقسامهم، إذ أن عددا من الأساتذة الذين يتعاملون بصرامة شديدة مع ظاهرة الغش داخل أقسامهم، ينقلبون إلى عكس ذلك فيبدون ليونة وتسامحا زائدا وغير مبرر، حسب تعبير الأساتذة المستجوبين، في التعامل مع حالات الغش أثناء امتحان الباكالوريا، ويحمل هؤلاء الأساتذة نظراءهم في مهنة التدريس، جزءا من المسؤولية في تفشي ظاهرة الغش في أوساط التلاميذ في الامتحان النهائي للسنة الأخيرة من المستوى الثانوي التأهيلي، ويعتبرون أفعلهم "خيانة للتكليف" و"مؤامرة على الوطن". وأكد هؤلاء الأساتذة الذين التقينا بهم، أنهم لا يتساهلوا مع "الغشاشين"، يقول محمد عاتق وهو أستاذ الرياضيات، "رغم أن المسطرة القانونية تخول لي كتابة تقرير بالغشاش، إلا أنني أكتفي بنزع أدوات الغش وأترك له الفرصة لاستخراج ما في جعبته من أفكار"، لكن يسترسل الأستاذ "إذا تمادى وأعاد الكرة فأجد نفسي مضطرا للإبلاغ به وإيقافه عن حده، لأن تركه يعطي انطباعا سيئا للتلاميذ وللغشاش أيضا إذ يحس وكأنه يعيش في وسط تحكمه السيبة وليس القانون".