«عند الامتحان يعز المرء أو يهان».. لم تعد هذه المقولة تشغل حيزا كبيرا في فكر تلاميذ اليوم.. خاصة في ظل التطور التكنولوجي الذي ذلل الصعاب.. وبعد أن كان ما يسمى ب «الحروز» أو «الحجابات»، والكتابة على الجسد هو السمة الغالبة على أساليب الغش.. تربعت التكنولوجيا الحديثة على عرش أساليب التحايل التي يتبعها التلاميذ للفوز بمزيد من الدرجات، الكفيلة بأن تصل بصاحبها إلى المعدل المطلوب لإنقاذه من الطرد أو الرسوب وضياع عام بكامله.. إذ لم يعد الطالب في حاجة لقضاء ساعات طويلة لنقل المقررات على أوراق صغيرة، ليدخل الامتحان محاولا بها الغش.. بل ظهرت وسائل غش حديثة ومتطورة، لا تحتاج من الطالب أي مجهود لإعدادها أو استخدامها.. بل تحتاج منه فقط ذكاء بسيطا لخداع الملاحظين و المراقبين. فإلى جانب الهاتف المحمول، كانت مواقع التواصل الاجتماعي ‘'فايسبوك'' و''تويتر'' وسماعات «البلوثوت» وسائل جديدة لدى طلاب الغش هذه السنة، وكان آخرها الاعتماد على ‘'البلاك بيري''... فيما بات يعرف ب''الغش الإلكتروني''. مطاردة من «نقل انتقل» حاولت وزارة التربية الوطنية، السيطرة على امتحانات البكالوريا، ومنع حالات الغش التي باتت ظاهرة في كل عام. فتدابير الوزارة وتحذيراتها كانت تطارد المثل السلبي القائل «من نقل انتقل ومن اعتمد على نفسه بقي في قسمه»، الذي يشكل المرجعية الفكرية لمن يلجؤون إلى الغش. وذلك حتى لا تدفن المصداقية في مقبرة الفشل والتلاعب باستحقاق وطني، تتوقف «مصداقية ووثوقية نتائجه والقرارات التي تترتب عنها على المجهود المبذول، بغاية جعل النتائج تعكس بدقة أداء المترشحين». لأن إنجاح تلاميذ معوّقين علميا، هو تكريس للحكرة في حق المثابرين وحفظة الدروس بالليل والنهار، وعقلية «باك لكل فاشل»، ضرب لمصداقية شهادة البكالوريا، طالما أن البعض يريد أن يجعل منها، شهادة لا تختلف عن القصاصات التي يستخدمها «الدراويش» في « الحروز». والحقيقة أن التلاميذ الذين يحتجون على تقديم تسهيلات للغش بامتحانات «الباك»، إذا استمر الحال على هذا المنهاج، سيحتجون في يوم من الأيام على عدم توزيع البكالوريا عند نهاية الموسم، مثلما توزع الكتب المدرسية مجانا عند انطلاق العام الدراسي!. بل وسيصبح من الحقوق المكتسبة، كسر «الطاولة» و»السبورة» على رأس المكلفين بالحراسة الذين يمنعون الغش بالامتحانات. وتضمنت قائمة المحظورات على الممتحنين التي وضعتها الوزارة، أجهزة الهواتف المحمولة بجميع أنواعها، والأجهزة الإلكترونية، وجميع الآلات والأجهزة ذات خاصية التسجيل وتخزين البيانات، والأجهزة السمعية، بالإضافة إلى الكتب المدرسية والملخصات، والقصاصات الورقية، وغيرها من الأمور المتصلة بالمناهج والمقررات الدراسية.لكن إجراءات الوزارة لم تمنع وقوع حالات الغش، التي تجددت فيها ابتكارات التلاميذ، بتوظيف الأدوات والوسائط التكنولوجية المعقدة في الغش، واستغلال إمكاناتها العديدة في تسهيل الحصول على «الإجابة المطلوبة» على أسئلة الامتحان !!! لقد ظهر الغشاشون في امتحانات «باك» هذه العام بطقوسهم الخاصة، مستفيدين من تطور تقنية «البلوتوث» والسماعات الدقيقة الحجم، التي يفوق سعرها 300 درهم، ونشرت الامتحانات على مواقع «الفايسبوك»، ليحل أسئلتها أشخاص عاكفون على الحواسيب أو الهواتف المحمولة خارج المدارس... أساليب تقليدية بتفاصيل جديدة لا يكاد يخلو «مركز امتحان»، من مشهد تلاميذ يلفتون أنظار المراقبين على الامتحانات، حين يبدو عليهم «الارتباك» وتكرار النظرات إلى المراقبين، فيما يغلب على آخرين «التململ» وكثرة تعديل وضعيات جلوسهم، والتردد في استخرج «شيء ما» من «جيوبهم»... فيما يؤكد بأن الوسائل التقليدية للغش لم تختف بامتحانات البكالوريا، طالما لجأ إليها التلاميذ في سنوات سابقة. وهي لا تبتعد عن حالات الحديث أثناء الامتحانات، والتحديق في ورقة امتحان تلميذ آخر، والكتابة على الجسد (الأيادي والأذرع والسيقان)، ونسخ أوراق صغيرة عبر آلات التصوير وإخفائها في الملابس، وإخفاء قصاصات الورق أو الكتب داخل «دورات المياه» وهناك يتصفح الإجابات ويعود لتدوينها، فيما تظل أكثر طريقة آمنة هي ما يمارسه الكثير من التلاميذ عبر اختلاس الإجابات بالنظر في أوراق التلاميذ المجاورين، للحصول على الإجابات من أوراقهم. هذه الأساليب التقليدية يؤكد الأساتذة المراقبون بأنه كثيرا ما تكتشف بسهولة، وعادة ما تجر على مرتكبها عقوبات تأديبية من الدرجة الأولى، تتراوح ما بين الإنذار والتوبيخ، وقد تصل إلى حد الفصل عن الدراسة لمدة عامين كاملين.... ولعل أخطرها انتحال الشخصية التي بالرغم من ندرة هذه الحالات، إلا أنها واقعية وتم تسجيلها. ويؤكد مراقبون لامتحانات «الباك» أن هذه الأساليب في الغش حاضرة في كل عام، مع اختلاف في بعض التفاصيل التي يمكن أن تتغير من سنة إلى أخرى. من «البلوثوث»..إلى «سماعة الامتحانات» معطيات وزارة الوفا كشفت بأنه تم ضبط كثير من التلاميذ يعتمدون على الغش الإلكتروني بواسطة أجهزة متطورة. وفي مقدمتها الهواتف النقالة، ويتم ذلك حسب تصريحات مراقبين باستعمال الرسائل القصيرة أو ما يعرف بخدمة «sms»، حيث يتم تبادل الإجابات بناء على الرسائل المشفرة، بحيث لا يمكن لأحد أن يفك شفرتها إلا التلاميذ المعنيون بها، وتنتشر هذه الطريقة بين تلاميذ علوم الحياة والأرض والفيزياء والرياضيات. وعادة ما يقوم التلاميذ الذين تم ضبطهم متلبسين في حالات الغش، بوضع السماعة اليدوية في الأذن وإخفاء الهاتف المحمول في الملابس، مع ضبطه على الفتح التلقائي عند استقبال أي اتصال، وبعد ذلك يقرأ السؤال بصوت مرتفع قليلا ليسمعه المتصل، ثم يقوم بإملاء الإجابة النموذجية، دون أن يسمعه أحد. كما تم ضبط حالات غش بواسطة الهواتف الذكية، عن طريق سماعات الأذن اللاسلكية التي تعمل بخاصية «البلوتوث»، وهي تتيح لمستخدمها سماع الصوت وإرسال رسائل سرية عبر «البلوتوث» دون أن يكشفه أحد، ويمكن لهذه السماعة أن ترتبط بأي جهاز محمول يعمل بخاصية البلوتوث أو أي جهاز آخر خارج نطاق لجنة الامتحانات. وفي مثل حالة الغش التي تم ضبطها بالدار البيضاء، كانت التقنية جد متطورة، اعتمدت حسب الأساتذة المراقبين، على سماعة صغيرة جدا تتوافق مع مشغلات «mp3»، وأجهزة «الآي باد»، وتتكون من سماعات لاسلكية صغيرة، وكابل دائري التف حول عنق التلميذ أسفل الملابس، واتصل ب «الآي باد» الملتصق بمعصم اليد، بشكل مكن التلميذ من تشغيل وإيقاف «الآي باد» والبحث عن الإجابات، بينما كان يسمعها عن طريق السماعات اللاسلكية وبشكل واضح.. وعلى موقع «تويتر» و» الفايسبوك» نشرت إجابات الامتحانات لمن لديهم هواتف محمولة ذكية متصلة بالإنترنت، من خلال «هاشتاج» خاص. كما استخدم في الغش ما يعرف باسم سماعة «الامتحانات»، ولحجمها الصغير، لا تظهر في الأذن. هذه السماعة لا سلكية وتعمل بجهاز عن بعد قد يمتد إلى 500 متر، حيث يمكن لأحد الأشخاص أن يقبع خلف أسوار المدرسة، ويقوم التلميذ بقراءة ورقة الامتحان بصوت منخفض، كأنه لا يفهم السؤال فيما يلقنه الطرف الآخر الإجابة بسرعة دون أن يسمعه أحد. فبعض من تم ضبطهم، تم نقلهم للمستشفى لإزالة السماعة التي علقت بالأذن نظرا لصغر حجمها. عصابة منظمة كشف وزير التربية الوطنية في لقاء صحفي على أن موضوع الغش الامتحاني بواسطة التقنيات الحديثة لم يعد فرديا، بل تحول إلى شبكة منظمة قال إنها «عصابة» تهدد أمن واستقرار البلاد، عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي «الفايسبوك»، مؤكدا إلقاء القبض على بعض أفرادها بعد أن امتد عملها بعدة مواقع في كافة التراب الوطني.مصدر أمني كشف ل «التجديد» بأن الغش الإلكتروني يتعدى الأمر إلى أن يكون تجارة رابحة و»بيزنس» ينتشر في موسم الامتحانات. مضيفا بأنه عادة ما يكون لدى خبراء صناعة الغش، حرص شديد على أن يحتفظوا بوسائلهم المبتكرة داخل دائرة ضيقة في البداية، قبل أن يسمحوا مع الوقت بنقل هذه الوسائل بصورة تدريجية إلى شريحة أوسع من زملائهم. لكن مع التعهد بأن يظل الأمر في دائرة السرية. حتى لا يتمكن المراقبون من اكتشافه. وهكذا شيئا فشيئا تنتقل تقنيات الغش من مكان لآخر، ومن مدينة لأخرى.. تهديدات واعتداءات سجل العديد من الأساتذة شكايات بالتلاميذ الذي استعملوا عبارات التهديد بالانتقام في حقهم، أو تعرضوا لعنف جسدي بسبب حرصهم على أداء واجبهم المهني ومنع أي محاولات غش، فيما أكد آخرون ل «التجديد» بأنهم فضلوا تفادي الدخول في صراعات مع هؤلاء التلاميذ، خوفا على أنفسهم من الاعتداءات، فكانوا يكتفون بإنذارهم دون نزع الهواتف النقالة منهم وتحرير بلاغات في هذا الشأن. وقد خلفت عملية الاعتداء على أساتذة المراقبة موجة سخط وسط العاملين بحقل التعليم، بل وأصبح أمام خطورة مهمة الحراسة، العديد من نساء ورجال التعليم يرفضونها، مطالبين الوزارة و الجهات المسؤولة بتوفير الحماية الأمنية والقانونية لحراس امتحانات الباكالوريا. سب وشتم وتهديد بالقتل تعرضت أستاذة مكلفة بحراسة امتحانات البكالوريا بمركز امتحان بإحدى ثانويات يعقوب المنصور بالرباط، للتهديد ب «القتل»على يد مترشح بشعبة علوم الحياة والأرض، لم يتقبل منعه من الغش في الامتحان. وأفادت الأستاذة ، أنها تعرضت للإهانة بوابل من السب والشتم بكلمات مشينة بسبب حرصها على أداء واجبها، إضافة إلى التهديد بالقتل من قبل تلميذ منعته من الغش باستعمال الهاتف النقال. كما اعترض خمسة شبان من بينهم مترشح حر للباكالوريا بمركز إعدادية الوحدة بكلميم سبيل الأستاذ (ح.م) أمام صيدلية الجنوب بشارع أكادير بعيد أداء صلاة المغرب وهدده بالقتل. المترشح الذي يقطن بزنقة عمر بن العاص، حي ابن رشد بكلميم صاحبه أربعة شبان آخرين وكلب حراسة، سبق له أن انهال على الأستاذ بوابل من السب والشتم داخل مركز الامتحان المذكور، بسبب تحرير الأخير لتقرير في حقه بعد ضبطه في حالة غش. الأستاذ المعتدى عليه حرر شكاية في الموضوع لدى أمن الدائرة الثانية بكلميم، كما سبق له أن حرر شكاية في موضوع التهديد الذي تعرض له يوم الأربعاء الماضي أثناء قيامه بمهام الحراسة ووضعها لدى النيابة العامة بابتدائية كلميم. سجلت الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين التابعة لجهة الرباطسلا زمور زعير أربع حالات اعتداء وتهديد في حق أساتذة كلفوا بالحراسة بمركز امتحانات البكالوريا، وذلك خلال اليوم الثاني من الاختبارات، معظمها في صفوف المترشحين الأحرار، وقد تمت إحالتهم على الجهات الأمنية المختصة. كما تعرضت سيارات أساتذة مكلفين بحراسة امتحانات الباكالوريا بثانوية ابن بطوطة بالرباط، لاعتداءات من أشخاص مجهولين أرادوا أن يخلقوا بلبلة لإخافة المكلفين بالحراسة انتقاما منهم بسبب تشديد عملية المراقبة، والتي أفضت إلى اكتشاف حالات غش و إيقاف المعنيين بها. تعنيف جسدي تعرضت أستاذة بإعدادية علال بن عبد الله بتاوريرت لتعنيف جسدي ونفسي من طرف أحد المترشحين الأحرار للبكالوريا، على إثر منعه من الغش في الامتحان، وتم بعدها حضور عناصر الأمن التي اعتقلت الجاني، وتم الاستماع إلى أطراف القضية في محاضر رسمية، على أن يتم التقديم أمام القضاء . كما تعرض العاملون بمركز امتحان الباكالوريا بثانوية المصلى بالعيون، لوابل من السب والشتم مصحوبين بالتهديد من طرف أم أحد المترشحين جاء متأخرا ب 8 دقائق للمركز خلال الحصة الصباحية، وبعد أن وجد باب المؤسسة مغلقا، قفز من على السور ليتم إلقاء القبض عليه من طرف الشرطة، وبعد حضور والدته إلى الثانوية انهالت على رئيس المركز ومساعديه بالسب والشتم والتهديد، معتبرة أنها فوق القانون ولا أحد يستطيع منع ابنها الذي يدرس بمؤسسة خاصة. وقد تدخل العديد من الشخصيات المحلية في هذه القضية لطيها، لكن إدارة المؤسسة تشبثت برد الاعتبار لكل من تمت إهانتهم خلال أداء واجبهم المهني، والشيء الذي استغربته الشغيلة التعليمية بالمركز المذكور، هو عدم إلقاء القبض على هذه السيدة من قبل الشرطة، التي واكبت الأحداث مند بدايتها، الشيء الذي أصبح يطرح أكثر من علامة استفهام في التعامل مع المخلين بالقانون، من قبل السلطات الموكول لها تنفيذه، بحيث يطبق على البعض دون البعض الآخر. يشهر سيفه بالقسم أشهر مترشح لامتحانات الباكالوريا العمومية بابن سليمان، سيفا في وجه مراقبي القسم وزملائه الذين كانوا منهمكين في الإجابة عن امتحان مادة الفلسفة مسلك العلوم الفيزيائية، ذلك بعد أن حاول استهلاك مخدر "الكالة" وتم منعه من طرف أحد المراقبين. وقد فاجأ هذا التلميذ المراقبين، بعد نصف ساعة من انطلاق الامتحان، بأن أخرج كيسا صغيرا من جيبه وحاول وضعه في فمه، لكن تدخل المراقب ومنعه من ذلك أثار حفيظة هذا التلميذ، الذي فاجأ المراقبين وزملاءه مرة أخرى بأن أشهر سيفا في وجه الجميع، وفرّ هاربا خارج الثانوية، حيث لم يتمكن إداريو الثانوية من إيقافه. بالتي كانت هي الداء إذا كان من الضروري وضع العقاب، فإنه يجري بالموازاة التشديد على ضرورة الاستعداد لمواجهة الغشاشين بأسلوب أذكى من الذكاء الذي يستخدمونه في الغش. بحيث يجب مواجهة الغش الإلكتروني بأجهزة إلكترونية مختلفة، وتعريف رؤساء مراكز الامتحان بهذه الوسائل وكيفية اكتشافها بسهولة.فالكثير من الرافضين لفكرة كاميرات المراقبة يرون أنها سوف تؤتي بعبء زائد على رؤساء لجان الامتحانات، لأن الكاميرات تحتاج إلى مراقبين من أجل المتابعة والملاحظة. لذلك فهناك أسئلة كثيرة الآن، حول عدم مواجهة الدولة للغش بأجهزة التشويش على الإرسال والاستقبال الخاصة بأجهزة المحمول وتقنية البلوتوث.. فيما الذين يرون أن نظام المغرب في الامتحانات متخلف جدا، يطالبون بمواكبته للتطورات في هذا المجال، وذلك باستخدام طرق اختبارات تجعل من الغش شيئا مستحيلا.