تتزاحم أكتاف التلاميذ والتلميذات هذه الأيام على محل إدريس، المخصص لبيع المقررات المستعملة ونسخ الوثائق، للحصول على نسخ مصغرة للدروس المقررة خلال هذه السنة، والتي سيمتحنون فيها. أصحاب السرعة النهائية، كما يحلو لأحد الأساتذة أن يسميهم، يأتون إلى محل النسخ ليتزودوا لامتحانات الباكلوريا ب"النقلة"، المعروفة عند الكثيرين ب"الحروزة". نقمة في طيها نعمة أكثر ما يهم إدريس، وغيره كثير من أصحاب محلات "الفوطوكوبي"، هو الربح الذي يحققه خلال مدة وجيزة من خلال عملية نسخ دروس امتحانات الباكلوريا في شكلها "المجهري". ويعد إدريس ومساعده مسبقا الدروس منسوخة ويكفيك عند الذهاب لمحله أن تطلب منه المواد التي تحتاجها في الامتحان، يوم يعز المرء أو يهان، فيمدك بها في الحين. ويفضل إدريس عدم الخوض كثيرا في الأخلاقيات، وهل ما يفعله محمود أم مذموم ، فبالنسبة له هذه "نقمة في طيها نعمة"، إذ قال ل"الرأي": "صحيح أن الغش في الامتحان ظاهرة سلبية، لكن الكثير من التلاميذ والتلميذات يُقبلون عليها، وما أفعله هو نسخ ما طلبوه فقط، وهي فرصة تدور فيها عجلة تجارتنا الراكدة طول السنة". إصرار ضد التيار يصر كل التلاميذ والتلميذات، الذين استجوبتهم "الرأي"، على الغش في امتحانات الباكلوريا الجهوية والوطنية، رغم مصادقة مجلس الحكومة في اجتماعه الأخير على مشروع القانون المتعلق بزجر الغش في الامتحانات المدرسية والجامعية، تقدم به وزير التربية الوطنية، محمد الوفا. وقال أيوب، الذي سيدخل إلى الامتحان الوطني في فئة الأحرار، "القانون الجديد لا يعنيني ولا يخيفني، والنقلة أعددتها"، مضيفا أن "الوزارة المعنية كانت تتخذ قرارات مشابهة كل سنة ولا شيء من ذلك يطبق". وقالت حسناء "لقد وجدت من سيساعدني في مادة الرياضيات، وزميل لي سيمد لي يد العون في الانجليزية، أما الفلسفة فصديقتي الفيلسوفة ستتكفل بكل شيء". وربط سعيد نية إقدامه على الغش في الامتحان بالأساتذة الذين لا يقومون بدورهم في التربية والتعليم والشرح لتلامذتهم، حسب قوله. الغش في الامتحانات محرم شرعا وقال أستاذ الدراسات الإسلامية بالكلية المتعددة التخصصات بالرشيدية وعضو الهيئة العلمية لمركز المقاصد للدراسات والبحوث، الدكتور عبد الكبير حميدي، أنه "لا خلاف بين علماء الأمة في تحريم الغش في الامتحانات وفي سائر الميادين والمجالات، ودليلهم في ذلك، ما ثبت عن النبي (عليه الصلاة والسلام) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من غشنا فليس منا"، أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة. ولا يخفى أن الحديث عام في سائر أنواع الغش، والمكر، والخديعة، في أي مجال كان، وفي حق أي كان. وقد ذكر الله تعالى في سورة البقرة، أن الغش والخداع من صفات المنافقين، قال تعالى: "يخادعون الله والذين آمنوا وما يخادعون إلا أنفسهم وما يشعرون" (البقرة:9). الغاش في الامتحان خادع للمجتمع والدولة وأضاف حميدي أن "علة هذا التحريم هي أن التلميذ أوالطالب إنما يجتاز الامتحان للحصول على شهادة ودرجة علمية، تخول له الاندماج في سوق الشغل، فإذا كانت الشهادة بالغش، كانت مزورة وخالية من أي مضمون، ولم يكن صاحبها أهلا للمنصب الذي شغله أو الوظيفة التي حصل عليها، وصار الأمر خداعا للمجتمع والدولة، ولذلك، ذهب بعض أهل العلم إلى أن ما يجنيه من راتب من عمل وصل إليه بالغش، هو نوع من أكل أموال الناس بالباطل، وهو محرم شرعا"، مذكرا بأن العلماء "حرموا كذلك التعاون على الغش في الامتحانات، بأشكاله المختلفة، مثل تسريب الامتحانات، وبيع الأسئلة، ونسخ أصحاب المحلات لنسخ الغش، وتهاون الأساتذة في الحراسة، وتبادل المعلومات بين المترشحين، وغير ذلك من الأشكال، لأنه داخل في عموم قوله تعالى: "ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" ( المائدة:2). استباحة الغش شبيه باستباحة الخمر والزنى وشدد حميدي على أن "إصرار كثير من التلاميذ والطلبة على الغش، بدعوى انتشار هذه الظاهرة، وتضرر من لا يستعملها منها، فإن ذلك يشبه استباحة الخمر لأن الناس يشربونها، واستباحة الزنى لأن الناس يقعون فيه، وغير ذلك من الأقيسة الفاسدة"، فإن المقرر عند العلماء أن " الحق حق ولو تركه الناس جميعا، والباطل باطل ولو ارتكبه الناس جميعا" يضيف حميدي. ونصح عضو الهيئة العلمية لمركز المقاصد للدراسات والبحوث التلاميذ والطلبة "أن يتوكلوا على الله، ويعتمدوا على أنفسهم، ويستغنوا عن الحرام يغنهم الله من فضله، وأن يرفضوا كلّ وسيلة وعرْض محرّم يعرض عليهم من غيرهم"، مؤكدا أن "من ترك شيئا لله عوّضه الله خيرا منه، وعليهم إنكار المنكر ومقاومته والإبلاغ عما يرونه من ذلك أثناء الامتحان وقبله وبعده"، ومنبها إياهم إلى "إعداد الجواب لامتحان الآخرة، بين يدي الله، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم". القانون الجديد.. حماية للأستاذ وعدل بين المتنافسين وقال المستشار في التوجيه، محمد حمداني، أن القانون الجديد من شأنه حماية الأساتذة المراقبين ودعمهم في أداء مهمة المراقبة على أحسن وجه، بعدما كان بعضهم يتعرض للتعنيف من المترشحين الذين تم ضبطهم في حالة غش، مضيفا أن المراقب "ليس في حاجة بعد الآن إلى الدخول في مشادات كلامية مع الغاش، بل يكفيه إنجاز تقرير حول حالة الغش وإرفاقه بالأدلة المادية". ونبه حميداني، إلى وجوب تحسيس التلاميذ والتلميذات بخطورة الغش قانونيا من جهة، وعلى مستقبلهم الشخصي من جهة أخرى، لأن القوانين الزجرية وحدها لا تكفي. واعتبر المستشار في التوجيه أن القانون الجديد يضمن مزيدا من أجواء العدالة والمنافسة الشريفة بين المترشحين لامتحانات الباكلوريا، على اعتبار أن تلاميذ آخرين يجدّون في الاستعداد للامتحانات ولا يغشون.