عندما يحتفل المغاربة بذكرى المسيرة الخضراء في السادس من نونبر من كل سنة فإنهم يخلدون محطة بارزة في تاريخ المغرب المعاصر تدخل في سياق نضال المغاربة وجهادهم من أجل استكمال الوحدة الترابية للمملكة.إن المسيرة الخضراء شكلت حدثا فريدا ومتميزا ليس في تاريخ المغرب فقط ، بل في تاريخ حركات التحرر في القرن الذي ودعناه. وهي محطة مليئة بالدلالات والعبر نذكر منها ما يلي: إن الحدث جعل المغاربة يتجاوزون فكرة المواطنة المبنية على الأخذ والعطاء وعلى الحق والواجب لتجسيد الوطنية في أبهى صورها والمبنية على العطاء والتضحية دون انتظار مقابل مادي أو معنوي. وفي مثل هذه المحطات تسمو القيم الروحية النبيلة على القيم المادية الفانية. وبالتالي فالمغاربة جسدوا خدمة الوطن دون قيد أو شرط. إن المغرب كله رحل إلى الصحراء لتحريرها من رقبة الاستعمار الإسباني فإذا كان عدد المتطوعين في المسيرة الخضراء قد بلغ 350 ألف من الرجال والنساء فأكيد أن كل أسرة وكل قبيلة وكل مدينة وكل قرية شاركت في هذه المسيرة. إن المسيرة الخضراء جسدت اكتشافا جديدا للذات الحضارية المغربية وأكدت الشعور الجماعي بالمسؤولية في اللحظات التاريخية العصيبة التي تقتضي التجرد المطلق والتجند الدائم لخدمة الصالح العام. إن التماسك والوحدة والانسجام بين كل مكونات المجتمع المغربي والتلاحم بين المؤسسة الملكية والشعب المغربي الأصيل، يشكل صخرة تتكسر أمامها كل المؤامرات والأمواج العاتية التي تهدف المس باستقرار المغرب ووحدته وثوابته الدينية والوطنية. إن حدث المسيرة الخضراء كشف استمرار تغلغل الفكر الإسلامي التحرري الثوري في المغرب المعاصر رغم كل الانتكاسات والتراجعات الحضارية والمخططات لمحو الهوية الإسلامية للشعب المغربي فحمل المصحف الشريف من طرف المتطوعين وأداؤهم لصلاة الشكر بعد اجتياز الحدود، والتعبيرات الفنية والأغاني والشعارات التي رددها المتطوعون، كلها مظاهر وتعبيرات صريحة لعمق تدين الإنسان المغربي. إن المجتمع المغربي برهن من خلال المسيرة الخضراء على أنه يحتضن بعمق قيمة بعمق ورغبته في ممارسته كسلوك عملي بكل حماس وعفوية بعيدا عن الإكراه مجسدا لقيمة التطوع تلبية لنداء القائد أمير المؤمنين الحسن الثاني رحمه الله مبدع هاته المسيرة. إن أحد عوامل نجاح هذه المسيرة الخضراء تجلى في امتثال روح النظام والامتثال لأوامر السلطان مما يؤكد عمقها التاريخي في الوجدان المغربي فالشعب توحد والتحم وكان الشعور الجماعي بالمسؤولية لتحقيق سلمية المسيرة كوسيلة ناجحة وفعالة لتحرير الأرض فالعدد الذي وصل إلى 350 ألف وفي غير هذا السياق وفي غياب الوعي بالمسؤولية كان من الصعب أن ينضبط للأوامر ويمتثل لها لكن المشاركين كانوا يدركون البعد الديني في طاعة أولي الأمر والامتثال للتعليمات والأوامر خاصة في ظرف استثنائي كهذا. إن المسيرة الخضراء كشفت بالملموس وبعيدا عن الخبطات الديماغوجية، أن المرأة المغربية شقيقة الرجل في تحمل الأعباء وفي مواجهة الصعاب وفي التحدي والانخراط والمشاركة الإيجابية. لقد بصمت المرأة المغربية هته المسيرة من خلال مشاركتها وحضورها الوازن إلى جانب الرجل أكدت المسيرة الخضراء على الدور الفاعل لما يسمى جغرافيا بهوامش المغرب في صناعة تاريخه فقد بلغ عدد المتطوعين مثلا من ساكنة منطقة تافيلالت 20ألف متطوع منهم 2000 امرأة ، وهو عدد قياسي مقارنة مع العدد الإجمالي لساكنة تافيلالت مما يترجم استمرار"هوامش المغرب" في بصم أحداثه ووقائعه التاريخية في المنعرجات الصعبة وفي مختلف المراحل. إن الوفاء لحدث وروح المسيرة الخضراء يقتضي من كل مكونات الشعب المغربي رص الصفوف لمواجهة كل نزعات التطرف والانفصال التي لاتخدم إلا أجندة خارجية، كما يقتضي الوفاء لكل ثوابت الأمة المغربية والانخراط الجماعي في كل الأوراش الإصلاحية في ظل تقدير واعتزاز بالذات الحضارية للشعب المغربي. وإذا كانت المسيرة الخضراء أعظم شريط حي شاهدته البشرية في القرن العشرين وكان الإخراج لملك المغرب الحسن الثاني والتجسيد للشعب المغربي بكل فئاته،فهل استطاعتا أن ننقل من جديد هذا الشريط في قالب فني بصدق وأمانة إلى الجيل الحالي حتى يعي ويعتبر ويتدبر من أجل استشراف المستقبل ؟ هل استطعنا توظيف قيم المسيرة الخضراء، في البناء الحضاري والحفاظ على التميز المغربي وتعزيز الانتماء للوطن، الذي اعتاد اجتياز اللحظات العصيبة بأمن وأمان للعبور إلى شاطئ النجاة بسلام وطمأنينة وثقة في الذات الحضارية للشعب المغربي الأصيل؟