لم يكن محمد الصديق معنينو، مواليد 1944 بمدينة طنجة، يتردد في خوض غمار تجارب الحياة والمهنة، فلم يكن هناك شيء أسهل بالنسبة له من أن يعزز الثقة في كفاءاته، ليصقلها بالمثابرة والاجتهاد، ليكون عطاؤه سجلا من المواقف والأحداث معنينو في إحدى النشرات التلفزية استطاعت "المغربية" خلال استضافتها من قبل محمد الصديق معنينو ببيته في الرباط، أن تعيش مشاهد ذهنية عبر سرده بأسلوب سلس كيفية تنظيم المسيرة الخضراء، واستجابة المغاربة لخطاب جلالة الملك المغفور له الحسن الثاني، الداعي للمشاركة في المسيرة نحو أقاليم الجنوب. وحسب ما ذكره معنينو بلهجة متفاعلة مع حدث المسيرة، فإن "الخطاب كانا تاريخيا آنذاك، لأن الجميع تفاجأ بفكرة "تنظيم مسيرة" نحو أقاليم الجنوب، منبهرين ببلاغة هذا الحدث الذي تجاوب معهم المغاربة بكل وطنية، بعدما كان مقررا الانطلاق نحو الإقاليم في اليوم الموالي من إلقاء الخطاب، وهو أمر كان استثنائي، لدرجة أن المتطوعين اكتشفوا خلال توافدهم على مكاتب التسجيل أن كل شيء كان مهيأ لانخراطهم في هذه المسيرة، وفق تجهيزات مهيكلة ومنظمة لا تدع مجالا لأي فوضى أو ارتباك. يقول معنينو إن المغاربة أقبلوا على المكاتب في مختلف مدن المغرب بشكل كبير جدا، حتى بلغ عدد الراغبين في المشاركة حوالي مليون و200 ألف مواطن في اليوم الأول، وهي دفعة أخرى قوية كانت عاملا في نجاح هذه المسيرة بكل المقاييس، وتأكيد ارتباط جميع المغاربة من مختلف المدن بكل شبر من ترابه. أشار معنينو إلى أن جلالة الملك الراحل الحسن الثاني، أكد في خطابه أن المسيرة تحتاج إلى مشاركة 350 ألف متطوع من بينهم 35 ألف امرأة، ليتحول الإعلان عن المسيرة، مطمح كل المغاربة قصد المشاركة فيها، رغم أن المغفور له الحسن الثاني أوضح في خطابه التاريخي، أن القوات الإسبانية من المحتمل إطلاقها للرصاص في وجه المتطوعين لردهم عن البقاء في الأقاليم الجنوبية، إلا أن الروح الوطنية للمغاربة والتعلق الوثيق بالوحدة الترابية، قادتهم إلى المشاركة في المسيرة بكل تلقائية وحماس. ويروي معنينو أن بعض المغاربة أخذوا معهم أكفانهم خلال رحلتهم إلى الأقاليم الجنوبية، تحسبا لطارئ الموت بالرصاص ومن ثمة توفير الأكفان لدفهن بعد موتهم. كما قال معنينو خلال معرض حديثه عن ظروف انطلاق المسيرة، إن عدد 350 ألف مشارك، لم يكن عددا بسيطا، خاصة أن المواطنين كانوا مدعوين للبقاء فترة بالأقاليم الجنوبية، ما يعني أن هؤلاء كانوا بحاجة إلى كل الحاجيات اليومية (الماء والخبر والخضر والفواكه واللحوم..)، ولم يكن سهلا تحقيق الاكتفاء الذاتي لهم بشكل يوميا، لو لم تكن هناك تعبئة شاملة ومضبوطة، توفر لهم شروط الراحة خلال مشاركتهم في المسيرة. وأضاف أن جلالة الملك طيب الله ثراه، الحسن الثاني، أحسن ترتيب كل شيء حتى يكون الانطلاق نحو الأقاليم الجنوبية والوجود فيها، في أجواء مريحة ومنظمة للجميع، لهذا كانت الشاحنات المخصصة لنقل المتطوعين متوفرة وجاهزة، بحيث إن لكل إقليم أو مدينة شاحنات خاصة به، مرقمة، وكانت كل مدينة معنية باحترام النظام، والتزام المتطوعين بركوب الشاحنة المدرجة رقمها لديه، حتى تكون هناك مرونة ويسر في التنقل، واجتياز الشاحنات للطرقات بشكل متسلسل يخلو من أي تدافع أو تشويش. ويصف معنينو، أن الشكل الذي اتخذته الشاحنات العابرة للطرقات والمدن في تجاه الأقاليم الجنوبية، كان بمثابة حزام طويل تؤلفه تلك الشاحنات المتحركة بانتظام ودون سرعة مفرطة، لمنع أي طارئ في طريق الرحلة. *في الحلقة المقبلة، سيروي معنينو كيف أنه تكلف بنقل أخبار المتطوعين اعتمادا على خريطة مجسمة لمدن وأقاليم المغرب.