أرخى التمدن ظلاله على مختلف مناحي حياة المجتمع المسلم فضرب العديد من قيمه ومقوماته.. وحل الانطواء والانعزال وتغليب المصلحة الشخصية بدل الانفتاح والتعارف والتعاون وتغليب المصلحة العامة. ويبدو أن بعض الشعائر الإسلامية، التي ظل المطلوب فيها أداؤها مرتبطا بعدد كبير من المسلمين المنتمين للمجتمع الواحد لتحقيق معاني وحدة الأمة وتكافلها وتعارف أفرادها، (يبدو) أنها تأثرت هي الأخرى بظاهرة التمدن التي لا تتوقف عن الانتشار. ففي كثير من المدن المغربية تحول فضاء صلاة العيد من المصلى إلى المسجد، من مكان يجتمع فيه جل سكان المدينة لأداء هذه الشعيرة إلى مكان يقتصر فيه الحضور، في الغالب، على أبناء الحي الواحد بما أنه أصبح لكل حي بالمدينة مسجد تقريبا. في الوقت الذي تحافظ فيه بعض المدن الصغيرة والبوادي على أداء صلاة العيد بالمصلى للتعبير عن تماسك أفرادها وإظهار البهجة والسرور الذي يستحق أن يظهر به المجتمع المسلم. ومدن الصحراء المغربية، مثلا، ما زالت ساكنتها تؤدي صلاة العيد بالمصلى، الذي غالبا ما يكون بعيدا عن مركز المدينة، في ساحة واسعة تتسع لآلاف المصلين، وتستخدم مكبرات الصوت بشكل كثيف، وترى الرجال والنساء والأطفال يأتون من مختلف أحياء المدينة ليشهدوا الصلاة التي هي الجزء الأهم في العيد ككل. وتشهد مدن كلميم، وطانطان والعيون وبوجدور والداخلة إقبالا كبيرا للمصلين على أداء صلاة العيد بالمصلى، منهم من يأتي مترجلا ومنهم من يأتي راكبا، إلى فضاءات شاسعة قرب الشاطئ ببوجدور مثلا، أو بساحة المهرجان بالداخلة... ويرى الكثير من المغاربة أن نقل صلاة العيد من المصلى إلى المسجد تقصير في حق هذه الشعيرة من الشعائر الدينية، والأصل فيها الخروج إلى المصلى لإظهار البهجة والسرور والتعبير عن معاني الوحدة والتماسك بين أفراد المجتمع المسلم الواحد. فبالنسبة لعبد العالي، العامل بأحد المصانع، صلاة العيد "يجب أن تعود إلى المصلى"، فهناك "تلتقي أناسا لا تعرفهم، وهي الفرصة لتبارك لهم العيد وتتعرف إليهم"، مضيفا، في حديث ل"الرأي"، "الأصل في صلاة العيد الانفتاح على أكبر شريحة ممكنة من المجتمع الذي ننتمي إليه، أما حصرها في مسجد الحي أعتبره تنقيصا من قيمتها". أما التلميذة فاطمة الزهراء فترى أن أداء صلاة العيد في المصلى "أفضل من أدائها في المسجد"، مبررة ذلك بكون الفرد المسلم "يكسب الكثير من الحسنات عندما يوسع من دائرة تهنئته، وذلك فيه أيضا نشر المودة والرحمة بين الناس". وحسب عائشة، ربة بيت، فإن "القرية ما زالت تحافظ على أداء هذه الشعيرة في المصلى وذلك يعكس بشكل أكبر مظاهر البهجة والسرور، فالعيد يوم مختلف عند المسلم، ويجب أن يظهر ذلك جليا للعيان". نفس الشيء تراه لمياء، ربة بيت، فصلاة العيد بالنسبة لها "مكانها المصلى وليس المسجد"، مستدركة "إلا أن تكون الظروف المناخية غير مناسبة، كأن تكون هناك أمطار أو برد قارس أو رياح. أما أن يكون الجو جميلا فلا يذهب المسلمون لأداء صلاة العيد في المصلى فهذا في نظري تقصير". وفي تعليقه على هذه القضية، قال الدكتور عبد الكبير حميدي، أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة مولاي اسماعيل وعضو الهيئة العلمية لمركز المقاصد الدراسات والبحوث بالرباط أن "الأصل في صلاة العيد هو الخروج إلى المصلى"، موضحا أن "يوم العيد فيه سنة إظهار الفرح، ويجب لهذه الفرحة أن تظهر، ووحدة الأمة أيضا يجب أن تظهر وغيرها من القيم الجميلة التي تظهر بجلاء في المصلى". واعتبر الأستاذ الجامعي أن "تناقص عدد المُصَلَّيات هو في الحقيقة تقصير اتجاه هذه الشعرية الإسلامية"، وقال "إن الشعائر تعبير عن رسالة الإسلام الذي أولاها أهمية كبرى، لأن في مثلها تتجسد وحدة الأمة والتكافل بين مكوناتها والانتماء إلى الدين، وهذه الأمور تظهر في المصلى أكثر". وقال حميدي أن على المسؤولين "توفير مُصَلَّيات وعلى الناس أن يعودوا لأداء صلاة العيد بها"، مضيفا أن "هناك قليل من التقصير في الجانب الشعائري من هذه الناحية".