لاشك في قيمة الإنفاق للمال في وجوه البر والإحسان، غير أن كثيرا من الناس يضيقون مصارف الإنفاق ومجالاته،فإما أن يجعلوه قاصرا على الفقراء والمساكين في إطار الصدقة الواجبة أي؛ الزكاة. وإما أن ينفقوه تحبيسا ووقفا ولكن يقصرون هذا الإنفاق على بناء وتجهيز بيوت الله. ونحن لانقلل من هذه المصارف الاجتماعية والدينية،لكن نريد أن نبين من خلال هذه الكلمات مايقع فيه كثير من المحسنين وذوي الأموال من إخلال بفقه الأولويات وإهمال للضروريات،عندما يتم تقديم الحاجة الموسعة على الحاجة العاجلة،وتقديم الحاجي على الضروري أو الحاجي على التحسيني من المصالح المعتبرة في التشريع. فيكون الانشغال بمرجوح العمل عن راجحه،ويفوت بذلك المؤمن أجرا أكبر من الذي قصده. فتجد من ينفق الملايين لأجل بيوت الله، و لايرى في الوقف إلا المساجد رغم أن التاريخ الإسلامي حافل بصور تطبيقية لأنواع من الوقف تثير الدهشة؟من منا سمع بوقف الكلاب الضالة،ووقف إعارة الحلي في الأعراس،والوقف على الحمام. أما أوقاف التعليم فأمره أوسع. لقد شيدت جامعات ومولت مصاريفها من مال الوقف وانظر في جامع القرويين تجد البرهان والدليل،ونحن اليوم في حاجة لتفعيل الوقف على مستوى الجامعة في تنمية البحث العلمي ودعم فرق البحث والمختبرات لإيجاد الحلول لكثير من مشكلاتنا الثقافية والاجتماعية والعلمية والثقافية والصحية والنفسية وغيرها. لكن من أغنيائنا من لبس عليهم الشيطان بجهلهم فينفقون مالهم في أداء العمرات والحجات المتكررة أعواما عديدة،ومادروا أن للأمة مطالب كثيرة،مثل: حالات اللاجئين من متضرري الحروب، حالات مرضى السرطان، طلاب العلم،الجمعيات الثقافية والخيرية،حالات المديونية للغارمين،الشباب العاطل، العاجزين عن الزواج. ومن الناس من لا يرى في مصارف الزكاة إلا حال المتسولين في الطرقات يجمعهم ويفتت رصيده الزكوي أو التطوعي عليهم دريهمات دريهمات،وإذا طالبته بالإنفاق لنشر العلم أولتمويل عمل فني أو ثقافي لنصرة الإسلام والدعوة إليه امتنع. رغم أن مصرف في سبيل الله يتسع لهذه المصارف في باب الزكاة،وهي من وجوه البر في الإنفاق العام التي تخدم رسالة الإسلام. بل إننا نجد من حسن تدبير الصدقات الزكوية استثمارها في مشاريع يعود ريعها على المستحقين،كإقامة متاجروشركات ومصانع وغيرها وفي العالم الإسلامي تطبيقات رائدة مثل ماليزيا وأندونيسيا ومصر ولبنان. لكن للأسف ساد الفقه الميت قطاعات عريضة من أرباب الأموال جهلا وتوجسا ووسوسة إبليسية،والحاجة اليوم تدعو لنشر الفقه الحي الذي يلبي مطالب الإنسان والمجتمع في أبعادها الفردية والجماعية، المادية والمعنوية، الثقافية والحضارية.