الأصل في العمل النقابي هو المساهمة في الدفاع عن الحقوق والمصالح الاجتماعية والاقتصادية للفئات التي تمثلها النقابات وفي النهوض بأوضاع هاته الفئات، وذلك بعيدا عن لعبة شد الحبل وعن منطق التأزيم الهادف لتحقيق مكاسب قد تكون على حساب المصلحة العامة. لا يعني حديثنا على ضرورة مراعاة المصلحة العامة، أي دعوة إلى تراجع النقابات عن السعي الدائم في الدفاع عن حقوق العمال والمأجورين المعنوية والمادية، لأن هذا هو دورهم الذي تم بناء عليه تأسيس المنظمات النقابية، ولكن المطلوب عمل نقابي يسعى إلى تحقيق العدل والنزاهة بعيدا عن منطق العرقلة والتخوين وبعيدا عن تسييس العمل النقابي. مناسبة الحديث عن علاقة النقابي بالسياسي، ما أعلنه الاتحاد العام للشغل بالمغرب الذي يرأسه أمين عام حزب الاستقلال حميد شباط، والفدرالية الديمقراطية للشغل/"جناح" إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، عن تنظيم إضراب وطني في قطاع الوظيفة العمومية يوم الثلاثاء 23 شتنبر الجاري، بسبب ما تسميه هذه النقابات انفراد الحكومة في اتخاذ القرارات المتعلقة بالشغيلة في إشارة لإصلاح منظومة التقاعد. ولكن هل هذه هي حقيقة هذا الإضراب؟ السؤال السالف الذكر مشروع لكون الإضراب يأتي أولا مع بداية الدخول السياسي والاجتماعي، والمتعارف عليه أن الإضراب يأتي بعد رفض ملف مطلبي، وواقع الأمر أنه لا يوجد أي ملف مطلبي تم رفضه، بل إن الحوار الاجتماعي المفترض تدشينه خلال هذا الشهر الجاري حول الخطوط العريضة لمشروع قانون مالية 2015، سينظم مباشرة بعد عقد المجلس الوزاري، وهو بالتالي أمر غير مرتبط بالحكومة. وعليه يستغرب المرء من دواعي تنظيم هذا الإضراب في هذا الوقت بالضبط، ويثار تساؤل مشروع هل الأمر يتعلق فقط بتسخينات بعض النقابات في محاولة لتحذير الحكومة بأن هذا الدخول الاجتماعي سيكون حارقا وستكثر فيه عمليات العرقلة أم ماذا؟ ثانيا تتحدث بعض النقابات عن زيادة الحكومة في سن التقاعد في إشارة إلى مشروع مرسوم بقانون المتعلق بالاحتفاظ بمتقاعدي وزارة التربية الوطنية في العمل حتى متم السنة الدراسية والجامعية رغم بلوغهم سن التقاعد، وهو أمر لا علاقة له بإصلاح أنظمة التقاعد، بل اقتضته مصلحة التلاميذ والطلبة وذلك لتفادي الارتباك الذي قد ينتج عن مغادرة هؤلاء الموظفين المتقاعدين لعملهم وسط السنة الدراسية والجامعية. أما القول بأن النقابات لم تُشرك في المشاورات حول إصلاح منظومة التقاعد فهذه مغالطة كبيرة لأنه تم سنة 2004 إنشاء لجنة وطنية تعنى بملف إصلاح أنظمة التقاعد، وكذا لجنة تقنية تعمل تحت إشرافها ووفق توجيهاتها كلفت بالجوانب التقنية لهذا الملف، وتتكون اللجنة الوطنية من الأمناء العامين للمركزيات النقابية الخمس الأكثر تمثيلا ورئيسة الاتحاد العام لمقاولات المغرب وكذا من الوزراء المعنيين بهذا الملف، أما اللجنة التقنية فتتكون بالإضافة إلى ممثلين عن كل من الهيئات المهنية والقطاعات الحكومية الممثلة في اللجنة الوطنية من ممثلين عن كل نظام من أنظمة التقاعد ذات الطابع العام. فكيف يتم الحديث عن غياب منطق التشارك وتمثيلية المركزيات النقابية في اللجنتين الوطنية والتقنية لإصلاح أنظمة التقاعد بهذا الحجم المهم. إذن يا ترى ما سبب هذا الإضراب مادام كل المبررات التي تطرحها نقابتي "شباط ولشكر" غير واقعية...ومع ذلك ورغم أنه لا يمكن لأي أحد أن يمنع أي نقابة من ممارسة دورها في الدفاع عن حقوق العمال لأنه حق إنساني قبل أن يكون دستوريا، فعلى الأقل ينبغي التنبيه إلى خطورة النقابية السياسية على العمل النقابي وحتى على العمل السياسي بالبلاد، فانعدام الحدود بين النقابة المهنية والحزب السياسي وتحول النقابة لمطية لتحقيق مصالح الحزب أو العكس، لا يمكنه أن يخدم بتاتا الشغيلة، بل فقط يُحول النقابة إلى ملحقة إدارية للحزب تحقق برنامجه الانتخابي فقط، وهذا ما نلحظه من خلال ترؤس أمين عام حزب سياسي لنقابة مهنية، مما يُفقد العمل النقابي وهجه وهدفه العام في مجابهة الاستغلال والدفاع عن الحقوق المادية والمعنوية للشغيلة العمالية. إن ارتباط النقابي بالسياسي يؤثر بشكل كبير على موقف النقابات، التي تتلون حسب مكونات كل حكومة فعندما تكون الحكومة مكونة من أحزاب معينة نجد النقابات المحسوبة عليها تميل إلى المهادنة وتجميد مجموعة من الملفات بدعوى الواقعية والأزمة العالمية والتدرج وتتبنى شعار السلم الاجتماعي، وعندما تكون الحكومة مشكلة من أحزاب أخرى لا علاقة لها بالنقابات يبدأ التصعيد وتكثر الإضرابات والوقفات الاحتجاجية، وهذا أمر يضر النقابة أكثر مما ينفعها، فقد ينخدع البعض بحماسك وشعاراتك ولكن أكيد أنه غدا سيكتشف الحقيقة فينقلب عليك السحر، وتفاديا لذلك ينبغي التشديد على أنه المطلوب اليوم هو عمل نقابي مبدئي يقول لمن أخطأ أخطأت ولمن أصاب أصبت.