شيئا فشيئا تكبر كرة الثلج، وتتسع جغرافيا الإحتجاجات التي اندلعت بعد مقتل محسن فكري في ميناء الحسيمة، والتي ترفع شعارات تطالب بتطبيق القانون في حق المسؤولين المباشرين وغير المباشرين للحادث، وتطالب بالعدالة الإجتماعية، ومطالب أخرى محددة في مؤسسات التعليم العالي والاستشفاء وتنمية الإستثمارات لتقليص البطالة ورفع الحيف والتهميش... ومع كل حراك، وكل أحداث أو رجة اجتماعية، تتكرر الأسئلة على مسامع المتتعين وألسنة الملاحظين، أين يختفي القادة البارزون للأحزاب السياسية، وأولئك الذين يملأون الصحف والمنابر الإعلامية بشكل شبه يومي وعلى مدار الأسبوع والسنة، كلما اشتد الحال، ولاحت الأزمات الإجتماعية في الأفق، مثل إلياس العماري، وعزيز أخنوش. هل تتكرر دائما تلك العبارة التي قالها حميد شباط، الأمين العام لحزب الإستقلال يوما ما، والتي تفيد أن أمينا عاما لأحد الأحزاب السياسية طرح عليه فكرة مغادرة التراب الوطني مباشرة بعد الحراك الشعبي لعشرين فبراير؟ الحقيقة التي لا يمكن أن تخطئها العين، تكمن في كون إلياس العماري وأخنوش اختفيا عن الأنظار، وقاما بتقليص حضورهما إعلاميا، إلى درجة تقترب من الصفر، بمجرد اندلاع الحراك في الريف، أما الأسباب فتتعدد حسب كل واحد منهما. فأخنوش يعد رأسا مطلوبة في حراك الريف، بالنظر إلى ارتباط اسمه بالصيد البحري، وبالفساد المستشري في الموانئ ورخص الصيد، وأنه مسؤول غير مباشر على مقتل محسن فكري، أو هكذا ترى الأغلبية الساحقة من المحتجين، ويعتبرون إعفاء بضعة مسؤولين محليين مجرد ذر للرماد في العيون، وأكباش فداء للتغطية على المسؤولين الحقيقيين، ممن يجمعون بين السلطة والثروة، ويستفيدون من الوضع السيء لقطاع الصيد... أما إلياس العماري فإن المنطقة التي تغلي اليوم تتشكل من أربع جماعات حضرية وهي الحسيمة وبني بوعياش وإمزورن وتارجيست وأجدير، وكلها تسير من قبل حزب الأصالة والمعاصرة منذ زمن، كما أن نفس الحزب يسير أغلب الجماعات المحلية والبالغ عددها 31 جماعة قروية.. وحزب الأصالة والمعاصرة هو الذي يسير غرفة التجارة والصناعة، ومندوبية الصناعة التقليدية، والوكالة الحضرية ووكالة إنعاش الشغل ومندوبية وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، واليوم يتربع على رئاسة مجلس الجهة والمجلس الإقليمي ومجلس العمالة.. إن السبب الرئيسي وراء هذا الإختفاء، وفق المتتبعين والملاحظين، يؤكد هشاشة المنطق الذي تصنع به بعض الزعامات والقيادات والمسؤولين، ويطرح أكثر من علامة استفهام حول نتائج الانتخابات والأرقام التي حصل عليها حزب الأصالة والمعاصرة بالريف، والتي تبخرت، ولم يعد لها على أرض الواقع أي أثر يذكر، فلا صوت يعلو فوق صوت الاحتجاج. لقد كان خروج الشباب للتظاهر منتظرا، بعدما استعملهم الحزب في الحملات الانتخابية، التي كانت ترتكز في خطابها التواصلي على القبلية والعرقية لقطع الطريق أمام جميع الأحزاب التقليدية، التي تم طردها من الريف برمته، باستعمال خطاب استئصالي، توجد عليه أدلة كثيرة إلى اليوم. وطبعا، ليست المرة الأولى التي يختفي فيها إلياس العماري، فقد سبق له أن غادر الوطن إبان الحراك الشعبي لعشرين فبراير إلى فرنسا، وبقي تواصله مع مقربيه إلى حين اتجهت الإحتجاجات نحو منطقة "البرودة" بعد امتصاصها بقرار الملك تعديل الدستور في خطابه ل9 من مارس 2011.