هذه الفكرة التى ترددت على عدة السنة بصياغات مختلفة تمثل قراءة انتقائية وتبسيطية للتاريخ والواقع. هى انتقائية لأن استدعاء الدين إلى المجال العام لم يكن سلبيا على طول الخط. وتجربة لاهوت التحرير فى أمريكا اللاتينية التى أبهرت العالم فى سبعينيات القرن الماضى تدل على ذلك. وقبلها تجربة اليسوعيين فى الباراجواى التى ازدهرت فى القرن الثامن عشر وتجربة رجل الدين المسيحى الثائر لاس كازاس الذى قاوم الاستعمار الإسبانى فى أمريكا اللاتينية وانتصر للعبيد والسكان الأصليين. وفى التاريخ الإسلامى فإن ثورة الذنج الشهرية فى العراق ومقاومة الاستعمار فى العالم العربى خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر كانت كلها حركات جهادية استدعت الدين ووظفته دفاعا عن الاستقلال فى السودان والجزائر وليبيا، كما ان الثورة الإسلامية فى إيران كانت نموذجا آخر لتوظيف الدين فى مواجهة الطغيان. أما التبسيط فى ذلك الرأى فيكمن فى الاكتفاء بالدعوة إلى استبعاد الدين وإخراجه من المعادلة فى مجتمع يمثل الدين مكونا أساسيا فيه. من ثم فبدلا من توظيفه فى الاتجاه الصحيح والايجابى لخدمة المصالح العليا للمجتمع، فإن الدعوة تكتفى بالدعوة إلى تقليص دوره وإضاف تأثيره فى المجال العام. إن العامل الدينى يمثل طاقة روحية هائلة يمكن توظيفها فى النهوض بالحاضر والمستقبل، كما يمكن توظيفها فى تدمير الاثنين، والمشكلة فى هذه الحالة لا تكون فى قيمة الدين، وانما فيمن يفشلون فى استثمار الطاقة التى يمثلها فى تحقيق الحلم بدلا من إجهاضه. وليس من حسن التدبير أو الشجاعة الفكرية ان نلقى بتبعة فشلنا وخيبتنا على الدين. الشروق