** مرة أخرى يهتدي المسؤولون في بلدنا العزيز إلى معركة أخرى لمواجهة التيار الإسلامي بجميع فصائله. إن المسؤولين يؤكدون – دائما – على أن هذه الفصائل – جميعها – من لون واحد. بل إنهم لا يميزون بين هذه الفصائل، ويكذِّبون أي ادِّعاء بوجود اختلاف بينها؛ سواء في الفكر أو المنهج أو المواقف. أكثر من هذا، هو أن المسؤولين لا ثقة لهم إطلاقا في هذا التيار، مهما عبَّر عن مواقف: السلم تجاه الدولة والمجتمع.. والاختلاف الإيجابي مع كل الأطراف الإيديولوجية الأخرى.. والتعايش المتفاعل مع الخصوم و"الأعداء". لذلك فإن المسؤولين ينطلقون من المثل الشهير "ليس في القنافذ أملس" لإثبات صدق اختياراتهم للمعارك والأزمنة والخصوم. معركة "المخزن" اليوم اتجهت إلى اللباس.. إلى النقاب أو اللثام أو البرقع.. والمعركة – تعتقد – أنها ستجفف ينابيع هذه اللباس بسلاح المنع. والمنع يفتح جبهتين في غاية الأهمية: خياطة النقاب، وبيعه. فهل ينجح "المخزن" في ربح المعركة ؟ *** وقبل أن نجيب على هذا السؤال.. نطرح سؤالا آخر: هل تَوَفَّق المسؤولون المغاربة في اختيار الجهة التي أعلنت المنع ؟. الجهة هنا؛ هي: وزارة الداخلية. وهذه الوزارة معروفة لدى الجميع بأنها وزارة غير "محبوبة".. مدلنة من حيث أدائها المواطناتي، لأنها تقوم في بناء نفوذها والانصياع لأمرها – حسب المراقبين والمحللين السياسيين – على منطق الغلبة، والتسلط، والإكراه، وتفسير القانون وفق هواها. لكن ما دخل وزارة الداخلية في لباس الناس، وأذواقهم في المأكل والمشرب والملبس ؟. ولماذا لم يُسند الأمر في جملته إلى وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ؟ أليست هذه الوزارة أولى من غيرها بإعلان هذا المنع ؟ باعتبار أنها تملك مِنْ الرجال مَنْ لا يتردد في إطلاق أكثر من "فتوى" لتحريم هذا اللباس ؟. أم أن القضية لا يمكن فهمها إلا في سياق تمهيد الدولة وتهييئها للناس بقرب إسناد تدبير الحقل الديني لوزارة الداخلية بدل وزارة التوفيق التي أنتجت منذ سنوات خلت؛ حالات – ضدها – من التذمر والتوتر والرفض في نفوس أغلب العباد من المغاربة. *** إن وزارة الداخلية أخطأت في القرار بما يسيء إلى الدولة. الدولة – حسب تصدير الدستور – إسلامية. ولا نعتقد أن أحدا من المسلمين يشك في كون الإسلام قد حث على الحشمة في اللباس كمبدإ وأصل وغاية. وللباس في الإسلام مقاصد جمة؛ أولها مقصد الستر والحشمة والعفة، وثانيهما مقصد التمييز الإيجابي بين الرجل والمرأة، وثالثها مقصد التمييز الحضاري بين المسلم وغيره من الديانات الأخرى، ورابعها مقصد إظهار الفرق بين العفيفة المحتشمة والعارية العاهرة. ونحن، في الواقع، نقدر خلفيات وزارة الداخلية في الإعلان عن منع النقاب وخياطته وبيعه، إذا كانت الحجة تتعلق بأمننا الوطني. لكن هناك أولويات وجب مراعاتها قبل إصدار هذا المنع. كان على الوزارة أن تعلن قرارات تمنع لباس الفحش والعري والرذيلة أولا. أن تصدر قرارات لمنع التحرش بالنساء والزج بالمتورطين في السجون. أن تصرخ عاليا بقرارات جريئة، تترجم، بإخلاص، ديباجة الدستور التي تنص على أن الدولة إسلامية. كان عليها أن تصدر هذه القرارات منذ سنوات، حفاظا على أمننا الروحي من جهة، وصيانةً للعلاقة التي تربط الناس بالله من جهة ثانية. اللباس في المفهوم الإسلامي فلسفة.. وفكرة.. وعلامات عن منهج.. واختيار حضاري راق يكشف عن شخصية المسلم المتحفزة للإبداع والابتكار والعطاء والمنافسة والمشاركة.. لباسنا ينبغي أن يكون الإسلام منطلقه باعتباره خط رسالي مبني على كتاب الله وسنة نبيه الكريم.. ورؤية استراتيجية مؤسسة على قيم الفطرة والفضيلة والمحبة. *** ماذا تنتظر وزارة الداخلية بعد قرارها الخاطئ ؟. ما هي طبيعة ردود الفعل التي تتصورها الوزارة، بعد منعها لاختيار يَرَى فيه أصحابه أنه عنوان للحشمة والعفة والفضيلة ؟. لقد بدأ فعلا رد الفعل هذا، وانتشر بقوة في صفحات الفضاء الأزرق: الجميع أعلن تحديه لهذا القرار المنافي للدستور.. بنقدٍ جارح، وقولٍ مبين، واتهامٍ صريح. الجميع يدعو: زوجته وابنته وأمه إلى ارتداء هذا النقاب والحرص عليه اليوم وغدا.. دون تردد.. دون خوف أو جزع.. الجميع استنكر سكوت الوزارة عن مظاهر الفحش والعري داخل المجتمع ومختلف مرافقه.. الجميع استهجن علمانية الوزارة ونموذجها في القيم.. الجميع أعلن "جهاد النقاب" !