أمر شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي طالبة منقبة تدرس في معهد أزهري بخلع النقاب، زاعما أنه ليس من الدين وأنه "مجرد عادة". "" وقد حكى الصحافي أحمد البحيري -الذي شاهد الحادثة- تفاصيلها في تصريح لقناة (المحور): حيث ذكر أن الحادثة وقعت خلال زيارة طنطاوي لأحد المعاهد الأزهرية. ..فوجد طالبة في الصف الثاني الإعدادي ترتدي النقاب داخل قاعة الدرس فانفعل وطالبها بخلعه، وقال: "إن النقاب مجرد عادة ولا علاقة له بالدين الإسلامي من قريب أو بعيد"، فلما خلعته -مكرهة- قال لها: "لما إنت كده أمال لو كنت جميلة شوية كنت عملتي إيه؟". لكن إحدى معلماتها دافعت عنها قائلة إنها لا ترتدي النقاب في قاعة الدرس لأن جميع المتواجدين فتيات، وإنما وضعته فقط عندما علمت بزيارة شيخ الأزهر والوفد المرافق له، وجادلت المدرسة بأن ارتداء النقاب لا يؤذي أحدا وهو حرية شخصية. فانفعل طنطاوي مجددا ونهر المُدرسة مؤكدا على مقولته بأن النقاب ليس من الدين في شيء، وقال: "أنا أفهم في الدين أكثر منك ومن اللي خلفوكي". وأضاف أنه سيصدر "قرارا رسميا بمنع ارتداء النقاب داخل المعاهد، ومنع دخول أي طالبة أو مدرسة المعهد مرتدية النقاب". وتعليقا على هذا الموقف الغريب أقول: أن تضيق نفس الكافر أو الفاجر بمنظر امرأة أو فتاة منقبة هذا شيء مفهوم ومسوغ منطقيا.. لكن حين يصدر هذا من رجل عالم له وزنه في المؤسسات الدينية الرسمية، هذا ما يؤسف ويحزن، وإن كان لا يستغرب كثيرا: أما كونه مؤسفا؛ فلأن العاقل -ولو لم يكن مؤمنا- يرثي لحال هذه الثلة من المؤمنات التي اختارت أعلى درجة في فضيلة الحجاب، وهي درجة الستر لبدنها كله، فهي كالذي يزيد على الصلاة المفروضة بتطوع الضحى وقيام الليل، ويزيد على فريضة الصيام التطوع بصيام الاثنين والخميس، وقد قال الله في الحديث القدسي: "وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه..". ..كان الأولى بشيخ الأزهر أن يكون لهؤلاء المؤمنات أبا رحيما يشجعهن ويقوي عزمهن ويرشدهن إلى المحافظة على استقامتهن والصدق فيها، وأن يضفن إلى صلاح الظاهر صلاح الباطن.. كما كان الأولى به أن يشن حملته العدائية على المتبرجات وعاريات الشواطئ.. أجل؛ كان المفروض على شيخ الأزهر أن يخص الطالبات المنقبات بمزيد احتفاء وإكرام، وأن تزداد محبته لهن كما أن الله يحب من تقرب إليه بالنوافل والمستحبات. ..وإذا كان الشيخ طنطاوي قد أخطأ حين أخل بهذا السلوك الشرعي المفترض من العالم الرباني؛ فإن خطأه قد فحش حين زعم أن النقاب عادة وليس بعبادة؛ وكيف لا يكون خطأه فاحشا وقد خالف إجماع العلماء الذين اتفقوا على مشروعية النقاب؛ ما بين قائل بالوجوب وقائل بالاستحباب. ولست بحاجة لسرد مئات أقوال الصحابة والأئمة والمفسرين والفقهاء الذين نصوا على وجوب تغطية الوجه أو استحبابه، مما يبطل مزاعم شيخ الأزهر. وليت شعري؛ ماذا ينقم الناقمون من المرأة المنقبة إلا أن رغبت في مرضاة ربها ومضاعفة أجرها، وكانت أداة بناء في مجتمعها، تبني العفة والحشمة والصلاح، وتقي المؤمنين شر فتنتها. وأقل ما يقال فيها؛ أنها تمارس حقها في الحرية التي طالما تذرعت بها أخريات لنشر العري والتبرج الفاحش في أمة نزل فيها قول الخالق سبحانه: {ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى}. ..وأما كون هذا الموقف لا يستغرب كثيرا؛ فلسببين اثنين: 1- أن العالم الذي يعمل في إطار سياسي لابد -في الغالب- أن تزل قدمه بسبب الإكراهات، وما يضطر إليه من تنازلات قد يسوغها باجتهاد يظنه داخلا في إطار فقه الموازنات، هذا إذا كان صالحا، أما الفاسق فلا يتورع عن تحريم الحلال وتحليل الحرام إرضاء للحكام.. 2- أن العالم لا تؤمن منه الزلة وقد ثبت الخبر بذلك: عن أبي الدرداء مرفوعا: "أخاف على أمتي ثلاثا: زلة عالم وجدال منافق بالقرآن والتكذيب بالقدر". [رواه الطبراني في الكبير بسند ضعيف وله شاهد من حديث ابن عمر]. وقال عمر: "يُفسد الزمان ثلاثة: أئمة مضلون، وجدال المنافق بالقرآن، وزلة العالم". وقال ابن عباس: "ويل للأتباع من عثرات العالم..". وتزداد زلة الطنطاوي قبحا حين نعلم أنها شكلت مطية لسياسيين معروفين بعدائهم للإسلام؛ فقد "قالت (باربارة سالتاماريني) مسؤولة التكافؤ في حزب شعب الحرية الإيطالي، تعليقاً على تصريحات الشيخ طنطاوي: "أخيراً لم يعد هناك مجال للشك بعد توضيحات هذه السلطة العليا في السنة الإسلامية حول حق المرأة في التمتع بحريتها التي يحجبها النقاب، والذي يمثل عنصراً دخيلاً على الإسلام كما صرح الشيخ طنطاوي". وفي نفس الوقت صرحت صحيفة (كورييري ديلا سيرا) الإيطالية أن حزب رابطة الشمال -المشهور بعدائه الشديد للمهاجرين والمسلمين-، سيقدم مقترحاً للبرلمان الإيطالي يطالب فيه بمعاقبة كل من تمشي في الشارع منتقبة استناداً على تصريحات الشيخ طنطاوي. وكان (برسلكوني) قد أعرب عند نجاحه في الانتخابات أن نجاحه بمثابة حائط صد ضد المظاهر الإسلامية في إيطاليا وعلى رأسها النقاب والحجاب.. وقبل سنوات؛ عندما قررت فرنسا أيام رئاسة "شيراك" حظر الحجاب في المدارس الحكومية وهاج الرأي العام داخل فرنسا حتى ممن لا ينتمي لهذا الدين، اقترح "ساركوزى" وكان وقتها في منصب وزير الداخلية عل الرئيس "شيراك" أن يطلب رأي شيخ الأزهر في القضية، فأفتى هذا الأخير بحرية فرنسا في اتخاذ أي قرار تراه صواباً، وعلى المسلمين المقيمين بفرنسا السمع والطاعة، فكان كلامه أشد سلاح حاربت به فرنسا الحجاب، كما سيكون كلامه الحالي أشد ما يحارب به النقاب أيضاً". وصدق طرفة حين قال: وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند