سنهجر الفرح قليلا لكن سيكون هجرانا جميلا نحو الغضب في أغاني ناس الغيوان، يُحكى أن الفيلسوف الروماني سيوران كان يبدو منافقا فوق اللزوم وقد عبر عن ذلك بمرارة شديدة أحيانا وبروح مرحة خفيفة في أغلب الأحيان، ينتمي إلى عائلة أولئك الذين يشعرون بالغربة في كل مكان، إلى عائلة المتغربين في الوجود، عاف من الحياة مظاهرها.. ذلك ربما كان أحسن دروسه التي ترك.. "دون أن يكون فيلسوفا محترفا أو شاعرا، كان يفكر بشاعرية"، تقول حنا آرنت عن ولتر بن يامين، وتلك حال سيوران أيضا. الدراويش الجدد أو ناس الغيوان المجموعة التي حركت السكين الحاد في الجروح الغائرة فملأت الدنيا وشغلت الناس، المجموعة التي ألهبت حماس الأجانب قبل العرب، المجموعة التي تتغنى بالغضب في شكل تعاهد الناس على أنه خصص للفرح، المجموعة التي حولت الغناء من فن إلى بوح صريح، و سأتناول هذا الذي أسميه غضب في فيما يلي: الناطق الرسمي باسم الغاضبين عند الغضب يفترض إيجاد لغة تعبيريّة ما : بمعنى أخر عندما يكون الشخص غاضباً ويريد أن يوصل فكرة معيّنة فيجب عليهِ أن يجد طريقة جميلة بحيث يستطيع أن يمتص غضبه ويتكلّم عن حزنه و آهاته..الغيوان المستوحاة اسما من عوالم ومجتمع البادية الذي يحيل على المعجم البدوي لمجتمع البيضان أو حسان. الغيوان اسم أحد أفراد قبيلة دوبلال التي ينحدر منها بوجميع، عبرت عن هموم الفقراء والبسطاء والمنسيين، غضبت ناس الغيوان كثيرا لحال ووضعيت الوطن عموما والحي المحمدي على وجه الخصوص بحكم القرب من الناس والانتماء لذات الفضاء فتغنت بالفقر والبطالة وغيرها كثير.. أليس الغيوان تعامل مع وضع سياسي مخيف؟ المجموعة التي تأسست في ستينيات القرن الماضي بالحي المحمدي أحد أفقر أحياء الدارالبيضاء وأكثرها شعبية، و أحد الدروب ذات الحمولة التاريخية والاجتماعية، من طرف وبوجميع والعربي باطما وعمر السيد وعبد العزيز الطاهري ومحمود السعدي في شكل نواة أولية لانتشار لون موسيقي جديد ، ساهم بشكل كبير في الدفع بالموسيقى التراثية المغربية. و التي كانت تعاني من إهمال طال التراث الموسيقي طوال عدة عقود، أعياها الواقع السياسي للوطن حيث أحزنهم مآل الوطن وما يتعرض له أبناء الوطن فنذرو أنفسهم للدفاع عن الشعب ومجابهة بعض من واقع بئيس ساهم في صنعه أيقونة الشر أوفقير. من شكوى الملحون الصوفي إلى عبارات الاحتجاج هناك أمور تجعل من الشخص ثائر وغير راضي ومعه يحاول أن يعالج ولا يكشف سرّهُ لأحد مهما كان حتّى لا يجد نفسهُ فريسة أمام الآخرين، مع ناس الغيوان تعددت الوضعية بكلمات متعددة و أصبحت الحاجة إذاك أكثر من أي وقت مضى، كيف لا وهي صوت الفقراء و تعابير المهمومين والعمال. انتقلت المجموعة الغنائية من أداء المقاطع ذات البعد الصوفي والإيحاءات التي تمتح منه إلى الاحتجاج المباشر..كما هو الشأن في أغنية السمطة. أنا مواطن والسمطة عليا والجنوي ماضي يجرح يديا لوحوش الضارية انيابها مَمْدُودِينْ بحوري عامرة وحنا جيعانين الدنيا غادية يا اهلي ب حال المسكين وَالسَّجَانَة حَلُّوا يَا وِينْ بِيبَانْ لسجان والسجانة شعلو قنديل وِيْبَانْ النُّورَانْ والسجانة يخرج الولد من بين لكفان تهبى لجمار وتزول عليه من صعود النيران وَالظَّلْمَانْة يكفى تعذيب ل هاد العالم يكفى هماج راه حنا أولاد العالم صبر وشتيلا أكبر غضبات ناس الغيوان سنة 1982 كتب العربي باطما نص الأغنية ذات بوح الألم تعبيرا عما لحق صبرا وشتيلا من خراب ودمار وتقتيل..العربي ورفاقه أعياهم الصمت العربي وكان يؤرقهم واقع الحال، فتغنوا بالألم والحسرة من اجل استنهاض همم شعب ووطن تجاه جرح نازف إنصاف إلى جروح الذاكرة الفلسطينية الموشومة. صبرا وشتيلا لم تكن أول مجازر الاحتلال بحق الفلسطينيين ولا آخرها، ولبشاعة الصور وكآبة المنظر ذرف العربي باطما الدمع وصاح يبكي مخيم صبرا وشتيلا، وتألم رفاقه للشكل والمظهر مستحضرين بذلك مشاهد عشرات الجثث المتناثرة في أزقة مخيم صبرا وشاتيلا للاجئين في لبنان والمنازل المدمرة وأشلاء الفتيات والأطفال والنساء..فجأت الأغنية على الشكل الأتي: صبرى و شتيلة يَا عَالَمْ فِيك القتالله جَايْزَة وفيك الحگرة فَايْزَة ومن كل ماضي أحكام فيك ليام من لَحْزَانْ حَايزة ك لَبْحُورْ دموع الصبيان دايزة ارواحهم سارت لله عاشت وفنات ف الظلام يا عالم فيك يتعلمو لَحْسَانْة بْلاَ مُوسْ بْلا َمَا فْ رْيُوسْ لْيْتَامَى وشلى كلام يا عالم الدنيا سكتات لَعْدَا دَارْت ْمَا بْغَاتْ الدنيا سكتات الصهيون دارت ما بغات فْ صْبْرَا وُشَاتِيلاَ المجزرة الكبيرة اطفال تذبحات شيوخ و عيالات السوايع وقفات لرواح تحصرات السوايع وقفات لَكْتُوبْ تْنْهْبَات ف صبرا وشاتيلا كَثْرَاث لقتيلة ف جبال و وديان طيور و غابات