عاش المغرب بعد محطة 7 أكتوبر على وقع لحظة ديمقراطية احتضنت مستقبل البلاد من خلال تفعيل الضمانات الدستورية، بصون الاختيار الديمقراطي للشعب، واحترام إرادته السياسية، وإنقاذها بتعيين عبد الإله بنكيران رئيسا للحكومة المغربية، بصفته رئيسا لحزب "العدالة والتنمية"، الحزب الفائز انتخابيا في استحقاقات السابع من أكتوبر، إن كانت الاستراتيجية الملكية تصون مستقبل البلاد بذلك، فإنها وفي نفس الوقت، تحفظ لهذه البلاد، وبنفس الحرص والقوة، تاريخها وتضحياتها وأمجادها ونضالاتها ، فعبدت من خلالها الطريق سالكا لأجيال اليوم وأجيال الغد، كي ترفل في نعيم الكرامة السياسية، كرامة الاختيار الديمقراطي الحر، دون عنت ولا مشاقاة ولا محنة ولا مخاض، ودون جمر ولا رصاص ولا حمام دم. فالتعيين الملكي بمقتضى الدستور الجديد أصبح مجرد إجراء شكلي لتقنين واقع مفروض مسبقا ، والحكومة لا تستكمل وجودها القانوني والفعلي ،إلا بعد الحصول على ثقة مجلس النواب المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء، الذين يتكون منهم لصالح البرنامج الحكومي ، حسب الشكليات المنصوص عليها في الفصل 88 من الدستور. إذن فالملك يختص بتعيين الحكومة فقط، وسلطة مجلس النواب تتجلى في التنصيب أي التعيين النهائي للحكومة لكن ومسايرة للنقاش الأولي الذي رافق تكهنات تعيين رئيس الحكومة وبالوقوف عند دلالات وأبعاد الفصل 47 الذي ينص على يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب وعلى أساس نتائجها. ويعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها يؤدي بنا إلى القول بأنه يشكل تغييرا جذريا إذا ما قارناه مع الدساتير السابقة، فيما يخص تقييد سلطة الملك في تعيين رئيس الحكومة، بحيث لم يعد للملك الحق في اختيار رئيس الحكومة من داخل الشخصيات التكنوقراطية التي ليس لها أي انتماء سياسي فبموجب هذا الفصل أصبح الملك ملزما باختيار رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب وعلى أساس نتائجها أي على أساس الميولات السياسية للهيئة الناخبة. وهذا خلافا للتجارب الدستورية السابقة، حيث أن أغلب الأشخاص الذين تقلدوا منصب الوزير الأول في المغرب كانوا محايدين مما شكل قاعدة عرفية استقر عليها النظام الدستوري المغربي منذ تأليف حكومة محمد بنهيمة في 11 نونبر 1967 وتعتبر انتخابات 25 نونبر أول محطة فعلية لتطبيق مقتضيات الفصل 47 من الدستور في فقرته الأولى، حيث وقع الاختيار على السيد عبد الإله ابن كيران أمين عام حزب العدالة والتنمية الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب بحصوله على 107 مقعدا من مجموع مقاعد مجلس النواب كما شكلت استحقاقات 7 اكتوبرتكريسا لهذا العرف الدستوري القاضي بتعين رئيس الحزب الذي تصدر التشريعيات وفاءا للمنهجية الديمقراطية لكن الجزء الأعمق للإشكالية الدستورية التي تطرحها هذه الفقرة تتجلى في التساؤل عما إذا كان تنزيل مضمونها قد همش التفعيل السليم للنص الدستوري نظرا لورودها بصيغة مختصرة وغير مفصلة؟ أمام هذا الاشكال الدستوري العميق هناك وجهة نظر تقول بأن تعيين أمين عام حزب سياسي تصدر نتائج الانتخابات من طرف الملك يندرج ضمن ما يمكن أن نطلق عليه عرفا دستوريا قياسا بالتجارب المقارنة التي تنطبق عليها هذه الصفة. ذلك أن صياغة الفصل 47 لم تشر إلى من تؤول إليه الرئاسة فإن حالة السكوت يجب أن تفسر لصالح تكريس العرف، الذي يتماشى و الإرادة الملكية التي لها حرية الاختيار فيمن تراه الأكفأ والقادر على تسيير دواليب الحكومة ،الأمر الذي قد يفيد إذن بأن ربط سكوت صائغ نص الفصل 47 من الدستور باحترام المنهجية الديمقراطية من خلال تعيين رئيس الحزب الذي فاز في الانتخابات مرتين يعني أننا ندشن عرفا مكملا او مفسرا، يقطع مع إمكانية ترك سلطة تقديرية للملك وإعطائه حرية الانفتاح على جميع الاختيارات التفسيرية أخذا بعين الاعتبار سلطاته الدستورية باعتباره ضامنا للاختيار الديمقراطي والسير العادي للمؤسسات أما القول بنشوء العرف بمجرد التواتر، فأعتقد بأن تعيين بنكيران مرتين قد يشكل عرفا وإن لم تكن هناك حالات متواترة أخرى، وإن لم نعرف نية مالك سلطة التعيين، كما أن القول بأن نص الفصل 47 جاء ناقصا لا يؤول إلى التشكيك في معرفة المشرع وهو أمر نستبعده بالمطلق. ولا يمنعنا من القول بتدشين الملك لعرف دستوري، عوض التشكيك في صائغ القاعدة الدستورية الذي يتسلح أثناء وضعه للنص بكل الحقول المعرفية السياسية واللغوية حتى التوقيعية. إذا فالتفسير القائل بقيام عرف دستوري من خلال الممارسة الملكية، وغموض نص الفصل 47 كشرط لقيام العرف، يمكن أن يكون فاعلا ما لم نغص في البحث عن نية مالك سلطة التعيين وإرادة واضع القاعدة العامة والواقع ان سلطة التفسير الدستوري كعمل معرفي يمكن إخضاعها للتفسير الدستوري الذي يستحضر مجموعة من التحديدات المتميزة عندما يتعامل مع نص دستوري مفتوح عوض التفسير النظري. وختاما يمكن القول بكون الصياغة العامة لنص الفصل 47 من الدستور تؤول لصالح الإرادة العامة و السلطة التفسيرية للملك التي لا تسمح له بالانفتاح على مختلف الإمكانات أثناء إعماله لاختصاصاته في مجال اختيار من تؤول إليه رئاسة الحكومة. *طالب باحث في العلوم السياسية