لا يتوجّه اهتمام المغاربة فقط نحو التحالفات الممكنة التي تتيح تشكيل الفريق الحكومي الجديد، بعد أن أفرزت انتخابات السابع من أكتوبر تصدر حزب العدالة والتنمية للمشهد الحزبي والسياسي بالبلاد؛ ولكن الأنظار مشدودة أيضا إلى الشخصية التي سيعيّنها الملك محمد السادس لترؤس الحكومة من الحزب الفائز. وإذا كان الفصل ال47 من دستور 2011 واضحا وجليا في ما يتعلق بمسألة تعيين الملك رئيس الحكومة من الحزب المتصدر للانتخابات، وهو في حالة انتخابات الجمعة الماضية حزب العدالة والتنمية؛ فإن الوثيقة الدستورية سكتت عمن يكون الشخص المُعين تحديدا، هل هو بالضرورة الأمين العام للحزب أم أي قيادي آخر بذات الحزب؟ سلطة تقديرية الدكتور محمد العمراني بوخبزة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة عبد المالك السعدي بطنجة، يقول إن منطوق الفصل ال47 من الدستور يتحدث عن الحزب الفائز، وليس عن الأمين العام للحزب، مبرزا أن "للملك السلطة التقديرية في اختيار شخصية من الحزب ليكون رئيسا للحكومة". واستدرك بوخبزة، في تصريح لجريدة هسبريس، بأنه بالإضافة إلى الفصل الذي لم يشر إلى ضرورة تعيين زعيم الحزب الفائز رئيسا للحكومة، يوجد ما يسمى "العرف الدستوري" الذي تكرّس تباعا منذ تعيين عباس الفاسي وزيرا أول، وبعده عبد الإله بنكيران رئيسا للحكومة منذ 2011. وذهب بوخبزة إلى أن هناك اتجاها نحو تكريس هذا العرف بتعيين الأمين العام للحزب المتصدر لنتائج الانتخابات البرلمانية رئيسا للحكومة، مبرزا أنه من ناحية أخرى هذا الإجراء يحترم اختيار القواعد الحزبية التي عندما تنتخب زعيمها فهي بمثابة تزكية له في حالة ما فاز الحزب بالانتخابات البرلمانية. وإجمالا، يقول الأستاذ الجامعي نفسه، من الناحية الدستورية لرئيس الدولة مطلق الحرية لتعيين رئيس الحكومة من الحزب الأول، وليس بالضرورة زعيم هذا الحزب؛ لكن أخذا بعين الاعتبار للعرف الدستوري الساري، ولمنح معنى للعمل الحزبي، فإن الاتجاه سيكون نحو تعيين الملك ل"زعيم العدالة والتنمية" رئيسا للحكومة. المنطوق والمسكوت من جهته، يقول الدكتور عثمان الزياني، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة الرشيدية، في تصريح لهسبريس، إن الفصل ال47 من دستور 2011 شكّل نقلة نوعية بخصوص ضرورة تعيين رئيس الحكومة من الحزب المتصدر لنتائج الانتخابات التشريعية بالبلاد. ولفت الزياني إلى أن الفقرة الأولى من الفصل ال47 من الدستور المغربي تنص على أنه "يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها"، مشيرا إلى أن "الملك لم يكن مقيدا بهذا الشرط في ظل الدساتير السابقة". وتابع المحلل ذاته بأنه "مقابل هذا التنصيص، فإن الملك محمد السادس، ومن خلال استحضار منطوق هذا المقتضى الدستوري، غير ملزم بتعيين الأمين العام للحزب الفائز بالانتخابات فقط، وإنما يمكنه تعيين شخصية أخرى غير الأمين العام للحزب المتصدر لنتائج الانتخابات". ويشرح الزياني: "المقتضى الدستوري يعطي الملك سلطة تقديرية من حيث إمكانية اختيار من هو المؤهل والأصلح لتقلد منصب رئيس الحكومة في حالة ما إذا كانت هناك اعتراضات على الأمين العام للحزب المتصدر، أو في حالة ما إذا تعذر عليه أن يكون رئيسا للحكومة نتيجة موانع مختلفة". واستدرك الأستاذ الجامعي نفسه بالقول إنه "في ظل التجربة الحكومية الأولى التي قادها حزب العدالة والتنمية طيلة خمس سنوات خلت، وحرص الملك على تعيين الأمين العام للحزب المتصدر لنتائج الانتخابات رئيسا للحكومة، يمكن أن يتكرس كعرف دستوري قائم بذاته مستقبلا".