عندما نصف دستور 2011 بأنه تراكم للتجربة التي عرفها المغرب ملكا وشعبا، وأنه ليس نتاجا خالصا لما يعرفه العالم العربي حاليا، نجد في الفصل 47 من الدستور نموذجا حقيقيا يسند هذا الموقف . لقد سجل المؤرخون والفاعلون السياسيون الموقف الذي سبق للاتحاد الاشتراكي أان عبر عنه بعد الانتخابات البرلمانية لسنة 2002 ، والتي احتل فيها الاتحاد الاشتراكي المرتبة الاولى بينما الوزير الاول لم يعين من حزب الاتحاد وإنما عين خارج الاحزاب أولا، أي من التقنوقراط، وثانيا خارج المنهجية الديموقراطية، وهو ما عبر عنه الاتحاد الاشتراكي في وقته. فدستور 2011 احتفظ في ذاكرته بهذه المرحلة وبهذه التجربة وعندما أتيحت الفرصة لتعديله واتخذ موقفا واضحا قطع فيه مع ما انتهت إليه تجربة 2002 وتراجع عن كل ما كان ينص عليه الفصل 24 في دستور 1996 من سلطة كاملة للملك في تعيين المسؤول الاول عن الحكومة وعوضه بالفصل 47 الذي ينص على ما يلي: «يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي يتصدر انتخاب أعضاء مجلس النواب» وعلى أساس نتائجها. فهذه القاعدة الدستورية الجديدة التي قد تظهر عادية، هي في الحقيقة أرخت لتحول جد كبير في تكريس دور الارادة الشعبية في اختيار من يتولى المسؤولية الاولى في الحكومة بعدما كان ذلك يدخل في المجال الخاص أو المجال المحفوظ لسلطات الملك الدستورية . فالفصل 47 جعل سلطة الملك في تعيين رئيس الحكومة مرتبطة بالإرادة الشعبية المعبر عنها في انتخاب أعضاء مجلس النواب، هو ما يدفع للقول بأن الحديث عن الملكية البرلمانية يجد في الفصل 47 مادته الرئيسة الصلبة المتجهة للمستقبل. لكن عندما نقرأ بتمعن الفصل 47 المشار إليه، نجده لم يحسم فقط في قضية احترام المنهجية الديموقراطية وإنما حسم كذلك في مطلب سياسي آخر كان مطلبا ملحا لكل الفاعلين السياسيين ،وهو ضرورة حصر مهمة تدبير الشأن العام في رجال ونساء الاحزاب السياسية والتخلي عن تكليف التقنوقراط بهذه المسؤولية ، وهو ما يتبين من الفصل 47 الذي ينص على أن رئيس الحكومة يعينه جلالة الملك من الحزب السياسي وهو ما يعني استبعاد الدستور لتعيين التقنوقراط من تحمل مسؤولية رئاسة الحكومة. إن هذه القاعدة، أي تعيين رئيس الحكومة من حزب سياسي وأن يكون الحزب الذي تصدر انتخابات اعضاء مجلس النواب ، توجد اليوم أمام اختبار حقيقي حول مدى مساهمة الصياغة التي اعتمدت في كتابة ذلك الفصل، في تحقيق انسيابية العملية السياسية وفي المساهمة في عدم توقفها في هذه المرحلة التي يوجد فيها المغرب في بداية الطريق مع دستور 2011 الذي مع الاسف لازال المغاربة ينتظرون تطبيقه تطبيقا على أرض الواقع، ذلك أن الوضع السياسي الحالي الذي يعيشه المغرب بعد القرار الذي اتخذه حزب الاستقلال بالخروج من الحكومة والالتحاق بالمعارضة، جعل الحكومة الحالية تفقد أغلبيتها في مجلس النواب لتي بدونها لا يمكنها أن تستمر في الوجود أو في تطبيق برامجها، وهو ما يحتم اليوم مبدئيا، للخروج من هذه الازمة، إجراء انتخابات سابقة لأوانها لإعادة تشكيل المشهد السياسي و فرز حزب قادر على تجميع أغلبية تمكنه من الاستمرار في الحكومة، لأن الدستور لا يسمح بإمكانيات أخرى للتجاوب مع هذا الوضع مع ما تكلفه هذه الاخير من توقف في الحياة الاقتصادية وعلى الخصوص الخارجية منها وما تكلفه من أموال لتدبيرها.