من بين التعديلات الدستورية التي اقترحها جلالة الملك محمد السادس في خطاب 9 مارس الجاري؛ تقوية مؤسسة الوزير الأول . وقد جاء في المحاور التي وردت في الخطاب : «تكريس تعيين الوزير الأول من الحزب السياسي،الذي تصدر انتخابات مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها ، تقوية مكانة الوزير الأول، كرئيس لسلطة تنفيذية فعلية، يتولى المسؤولية الكاملة على الحكومة والإدارة العمومية، وقيادة وتنفيذ البرنامج الحكومي ، دسترة مؤسسة مجلس الحكومة، وتوضيح اختصاصاته» لقد شكل موضوع تقوية مؤسسة الوزير الاول أحد أبرز مطالب الاصلاح الدستوري والسياسي ، وتم تسجيل أول الخطوات في هذا الصدد بدستور 1992 وبعده دستور 1996 الذي يعد امتدادا له. فدستور 1992 نص لأول مرة، منذ أول دستور للمغرب المستقل (1962) على أن الوزير الأول يقترح باقي أعضاء الحكومة على الملك الذي يقوم بتعيينهم ( الفصل 24) . كما أصبحت الحكومة ممثلة في الوزير الأول مسؤولة أمام الملك وأمام مجلس النواب، الذي أنيط به اختصاص تنصيب الوزير الأول بالتصويت على البرنامج الذي يتقدم به أمامه والذي يعتزم تطبيقه ( ف 59) . وورد في دستوري 92 و96 ، أن للوزير الأول ولأعضاء البرلمان على السواء، حق التقدم باقتراح القوانين، حيث يتقدم الوزير الأول أمام كل من مجلسي البرلمان بعد تعيين الملك لأعضاء الحكومة ويعرض البرنامج الذي يعتزم تطبيقه، ويجب أن يتضمن هذا البرنامج الخطوط الرئيسية للعمل الذي تنوي الحكومة القيام به في مختلف مجالات النشاط الوطني، وبالأخص في ميادين السياسة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والخارجية. يكون البرنامج المشار إليه أعلاه موضوع مناقشة أمام كلا المجلسين ويتلو مناقشته في مجلس النواب تصويت يجب أن يقع وفق الشروط المنصوص عليها في الفقرتين الثانية والثالثة من الفصل 75 ، ويترتب عليه الأثر المشار إليه في الفقرة الأخيرة منه. وتعمل الحكومة على تنفيذ القوانين تحت مسؤولية الوزير الأول، والإدارة موضوعة رهن تصرفه ؛ وله حق التقدم بمشاريع القوانين ولا يمكنه أن يودع أي مشروع قانون بمكتب أي من مجلسي البرلمان قبل المداولة في شأنه بالمجلس الوزاري ، و يمارس الوزير الأول السلطة التنظيمية. ويتحمل مسؤولية تنسيق النشاطات الوزارية. بإمكان الوزير الأول أن يربط لدى مجلس النواب مواصلة الحكومة مسؤوليتها بتصويت يمنح الثقة بشأن تصريح يدلي به الوزير الأول في موضوع السياسة العامة أو بشأن نص يطلب الموافقة عليه. الوزراء الأولون (1998 - ...) عبد الرحمان اليوسفي جاء تعيين عبد الرحمان اليوسفي في فبراير 1998 وزيرا أول امتدادا لتطورات سياسية عرفها المغرب منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، أبرزها دستورا 1992 و1996 ، وهما الوثيقتان اللتان شهدتا تعديلات فيما يتعلق بمؤسسات دستورية ، سواء من حيث الاختصاصات أو الانشاء . لقد جرت مفاوضات سياسية بين القصر والكتلة الديمقراطية التي تم تأسيسها سنة 1992 ، لتشكيل حكومة تناوب ، لكن الملك الحسن الثاني طوى الملف وتراجع عن تعيين الأستاذ امحمد بوستة وزيرا أول . وانتظر المغرب انتخابات مجلس النواب لسنة 1997 حيث حصل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية على المرتبة الاولى من حيث عدد المقاعد وتمخضت مشاوراته مع عدد من الكتل النيابية، عن رئاسته للغرفة الاولى بالبرلمان في شخص عبد الواحد الراضي . وفي ابريل 1998 استقبل الحسن الثاني عبد الرحمان اليوسفي وكلفه - طبقا للدستور - بتشكيل الحكومة التي تعد أول حكومة تناوب في تاريخ البلاد . ادريس جطو جاء ادريس جطو الى الوزارة الاولى سنة 2002 من نافذة بيت غير حزبي ، كما كان يتوقع الحقل السياسي المغربي، فالرجل الذي سبق أن تقلد مسؤوليات حكومية قبل حكومة التناوب، ارتدى زي التقنوقراط ، وبهذا اللون تم استقدامه ضدا على المنهجية الديمقراطية ، التي كانت تقتضي أن يتحمل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية منصب الوزير الاول باعتباره القوة السياسية الاولى التي أفرزها اقتراع 2002 . وقد أصدر المكتب السياسي للحزب بيانا مقتضبا ، عميقا من حيث مضمونه ودلالاته انتقد فيه بشدة الخروج عن المنهجية الديمقراطية . وبالرغم من مشاركة الاتحاد في هذه الحكومة لكنه ظل ، في مطالبه المتعلقة بالاصلاحات السياسية والدستورية ، يضع احترام المنهجية الديمقراطية في صلب تصوره لبناء مؤسسات دستورية حقيقية. عباس الفاسي في 2007 أفرزت انتخابات مجلس النواب خريطة سياسية جديدة أبرز معالمها ، بالاضافة الى الارتفاع القياسي للامتناع عن التصويت ، حصول حزب الاستقلال على الرتبة الاولى . وكلف جلالة الملك محمد السادس السيد عباس الفاسي بتشكيل حكومة جديدة ، وبالتالي استعادت المنهجية الديمقراطية مسارها المعطل في انتخابات 2002 . وخلال الولاية الحكومية الحالية اتضح أن دستور 1996 قد استنفد مهامه السياسية والديناميكية . وقد جعل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية من مطلب الاصلاحات أولوية في مؤتمراته الوطنية ، وقدم مذكرة بهذا الصدد الى جلالة الملك من بين بنودها ضرورة تقوية مؤسسة الوزير الأول وتوسيع اختصاصات الحكومة بما يتلاءم وبناء دولة ديمقراطية قوية .