أعلن الملك محمد السادس أول أمس، في خطاب يعتبر خطابا تاريخيا في الظرفية الحالية التي تجتازها المملكة والعالم العربي، عن حزمة تعديلات دستورية غير مسبوقة، تجاوبا مع مطالب الشارع المغربي بهدف الدفع أكثر في اتجاه انفتاح ديمقراطي جديد يساير التطورات الحالية في الداخل والخارج. وقال الملك إن الشروع في المرحلة الموالية، بما تنطوي عليه من تطوير للنموذج الديمقراطي في المغرب، تقتضي مراجعة دستورية «نعتبرها عمادا لما نعتزم إطلاقه من إصلاحات جديدة شاملة، في تجاوب دائم مع كل مكونات الأمة». وأشاد الملك بالمضامين الوجيهة التي وردت في تقرير اللجنة الاستشارية حول الجهوية، التي كان قد كلفها في شهر يناير من العام الماضي بإعداد تصور عام لنموذج مغربي للجهوية المتقدمة كإطار لحل نزاع الصحراء وتمتيع مختلف جهات المغرب بالاستقلالية في تدبير شؤونها الداخلية، ودعا إلى الانخراط في النقاش العام لإنضاج ما جاء في تقرير اللجنة. وأكد الملك محمد السادس على الثوابت الكبرى التي تجمع الأمة المغربية، ممثلة في الإسلام كدين للدولة، الضامنة لحرية ممارسة الشعائر الدينية، وإمارة المؤمنين، والنظام الملكي، والوحدة الوطنية والترابية، والخيار الديمقراطي. وقال الملك في خطاب أول أمس»لقد قررنا، في نطاق الإصلاح المؤسسي الشامل، الذي عملنا على توفير مقوماته، منذ اعتلائنا العرش، أن يقوم التكريس الدستوري للجهوية، على توجهات أساسية»، وحدد الخطاب تلك التوجهات في تخويل الجهة المكانة الجديرة بها في الدستور، ضمن الجماعات الترابية، في نطاق وحدة الدولة والوطن والتراب، ومتطلبات التوازن، والتضامن الوطني مع الجهات وفيما بينها، والتنصيص على انتخاب المجالس الجهوية بالاقتراع العام المباشر، وعلى التدبير الديمقراطي لشؤونها، وتخويل رؤساء المجالس الجه وية سلطة تنفيذ مقرراتها، بدل العمال والولاة، وتعزيز مشاركة المرأة في تدبير الشأن الجهوي خاصة، وفي الحقوق السياسية عامة، وذلك بالتنصيص القانوني على تيسير ولوجها للمهام الانتخابية، وإعادة النظر في تركيبة وصلاحيات مجلس المستشارين، في اتجاه تكريس تمثيليته الترابية للجهات، على أن تظل تمثيلية الهيئات النقابية والمهنية مكفولة بعدة مؤسسات، وعلى رأسها المجلس الاقتصادي والاجتماعي، في نطاق عقلنة عمل المؤسسات. وقال الملك: ومن هذا المنطلق المرجعي الثابت، قررنا إجراء تعديل دستوري شامل، يستند على سبعة مرتكزات أساسية: أولا:التكريس الدستوري للطابع التعددي للهوية المغربية الموحدة، الغنية بتنوع روافدها، وفي صلبها الأمازيغية، كرصيد لجميع المغاربة. ثانيا : ترسيخ دولة الحق والمؤسسات، وتوسيع مجال الحريات الفردية والجماعية، وضمان ممارستها، وتعزيز منظومة حقوق الإنسان، بكل أبعادها، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية، والثقافية والبيئية، ولاسيما بدسترة التوصيات الوجيهة لهيئة الإنصاف والمصالحة، والالتزامات الدولية للمغرب. ثالثا : الارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة، وتعزيز صلاحيات المجلس الدستوري، توطيدا لسمو الدستور، ولسيادة القانون، والمساواة أمامه. رابعا: توطيد مبدأ فصل السلط وتوازنها، وتعميق دمقرطة وتحديث المؤسسات وعقلنتها، من خلال، برلمان نابع من انتخابات حرة ونزيهة، يتبوأ فيه مجلس النواب مكانة الصدارة، مع توسيع مجال القانون، وتخويله اختصاصات جديدة، كفيلة بنهوضه بمهامه التمثيلية والتشريعية والرقابية. وحكومة منتخبة بانبثاقها عن الإرادة الشعبية، المعبر عنها من خلال صناديق الاقتراع، وتحظى بثقة أغلبية مجلس النواب، وتكريس تعيين الوزير الأول من الحزب السياسي، الذي تصدر انتخابات مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها، وتقوية مكانة الوزير الأول، كرئيس لسلطة تنفيذية فعلية، يتولى المسؤولية الكاملة على الحكومة والإدارة العمومية، وقيادة وتنفيذ البرنامج الحكومي، ودسترة مؤسسة مجلس الحكومة، وتوضيح اختصاصاته». وأعلن محمد السادس عن تكوين لجنة خاصة عهد برئاستها إلى عبد اللطيف المنوني، داعيا مكوناتها إلى الإصغاء والتشاور مع المنظمات الحزبية والنقابية، والفعاليات الشبابية والجمعوية والفكرية والعلمية المؤهلة، وتلقي تصوراتها في هذا الشأن، على أن ترفع إلى القصر نتائج أعمالها في غضون شهر يونيو المقبل.