تتعدد المؤشرات التي تؤكد على وجود إرادة سياسية نكوصية موازية ترمي إلى إرباك أو تغيير مسار الإصلاحات التاريخية التي أنتجتها الإرادة المشتركة للملك والشعب في معركة الإصلاح الدستوري الأخير. تتعدد وتتنوع الأساليب والتدابير الرامية لتحقيق هذا البرنامج الإفسادي الموازي ، لكن أبرز مؤشرات هذا التوجه المناهض للإرادة المكرسة في نص الوثيقة الدستورية والخطاب الرسمي لمختلف مؤسسات الدولة ، هي حالة الحرب المعلنة على صورة حزب العدالة والتنمية في وسائل الإعلام المرتبطة بمنظومة التحكم بغاية تحضير الرأي العام لنتائج تدبير غير معقول لمحطة الاستحقاقات التشريعية المقررة في 7 أكتوبر المقبل. هناك شعور مشترك اليوم لدى كافة المراقبين الموضوعيين على أن هذا الاستهداف الأهوج يتجاوز مجرد رغبة سياسية لدى منافسين سياسيين طبيعيين من أجل تخفيف حدة تفوق الحزب مع التسليم المبدئي بأحقية احتلاله للصدارة ، بناء على تزايد شعبيته التي أكدتها عدة استطلاعات رأي وحسمتها نتائج آخر امتحان شعبي خضعت له الأحزاب إبان الانتخابات الجماعية والجهوية الأخيرة . إن المشهد السياسي الوطني بهذه الصورة المقلقة يسائل كل القوى الحية الحريصة على تجنيب البلد انتكاسة مرتقبة تعصف بمكتسبات الوثيقة الدستورية وما تبعها من تراكمات عديدة إيجابية رفعت سقف الأمل في الإصلاح وفي توطيد السلم الاجتماعي وتحقيق الصعود الاقتصادي والتطبيع النهائي مع الاختيار الديمقراطي. الموقع المتقدم لحزب العدالة والتنمية في مربع التدافع من أجل الإصلاح والتقدم ، يفرض عليه مسؤولية تاريخية في معالجة هذا الأشكال المعقد بعيدا عن اي مقاربة تنظيمية محكومة بقواعد تدبير الحالة الداخلية للحزب دون استحضار تفاعلها مع حالة غير طبيعية تحيط بالحزب وبالوطن. لنتأمل الوضع : 1- الحالة الطبيعية التي عليها الحزب ، في ما نحن بصدد تأمل إشكالياته، هو أن المؤتمر الاستثنائي الأخير للحزب قرر تمديد ولاية الأمين العام سنة كاملة على أقصى تقدير من أجل إتاحة الفرصة للحزب لحشد جهوده كاملة لربح معركة 7 أكتوبر. يستفاد من ذلك أن تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي مشروط ببقاء الأخ الأمين العام في قيادة الحزب إلى حين الفراغ من معركة التشريعيات . بمعنى أن إعمال القانون لاختيار أمين عام جديد بعد ذلك مسألة وقت فقط . لنتأمل المشهد.في حالة الفوز الطبيعي للحزب بالصدارة، ستطرح العديد من الأسئلة : كيف سيتم تدبير الوضع لاحقا ؟ من سيتم اختياره لرئاسة الحكومة ؟ الأمين العام المنتهية ولايته أم شخص آخر من قيادات الحزب ؟ وفي حالة اختيار شخص آخر ، وهو أمر محتمل جدا ، ألا يمكن اعتبار ذلك ترشيحا له لمنصب الأمين العام المرتقب ؟ وما تأثير ذلك على حرية الاختيار الداخلي للحزب في مؤتمره العادي لأمينه العام الجديد ؟ وفي حالة اختيار الأمين العام الحالي لرئاسة الحكومة ، هل سيعالج التغيير الذي سينتج عن المؤتمر بتكليف الأمين العام المنتخب برئاسة الحكومة وإجراء تعديل يطال الرئاسة وما يستتبعه ذلك من إعادة التفاوض أو الإبقاء على الوضع المرتب مع الرئيس القديم ؟ أم يمكن أن يستمر الحزب بأمين عام قديم على رأس الحكومة وأمين عام جديد على رأس الحزب دون الحكومة ؟ واضح ان الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها مما يمكن أن يتناسل منها ، ليست شأنا حزبيا خالصا للعدالة والتنمية ولا تدخل في اختصاصه . ولكن الواضح أيضا أن طريقة تدبيره لهذا الملف لها علاقة مباشرة بكل هذه المآلات والاحتمالات التي ليست قطعا من اختصاصه . 2- الحالة غير الطبيعية التي عليها البلد : مظاهر الحالة غير الطبيعية التي عليها البلد هي " القيامة " التي تقيمها منظومة التحكم بمختلف أدرعها للتأثير في مسار ومصير معركة 7 أكتوبر ، والمناخ السياسي الموسوم بزعزعة الثقة لدى الشعب في إمكانية تنظيم منافسة انتخابية حرة ونزيهة في هذه المحطة ، وعودة الممارسات القديمة القاضية بجعل الإدارة مسخرة لخدمة حزب معين ومجندة لتكون لاعبا فعالا في مربع العمليات لصالحه. هذه " القيامة " حاصلة اليوم ! وهناك شعور متعاظم لدى شرائح واسعة من المواطنين عنوانه الأبرز أن هناك استهدافا قويا لتجربة الحكومة التي قادها العدالة والتنمية ، وأن العمل جاد لإغلاق قوس الاستاذ بنكيران والدفع بالبلد نحو تناوب تراجعي مجهول الكيف والعواقب . إن تأمل الحالتين الطبيعية وغير الطبيعية ، في تعالق ما بينهما من التأثير والتأثر، مع التسليم بأن التدبير الطبيعي للشأن الداخلي للحزب لا يمكن فصله عما يعتمل من حوله من تفاعلات ، يفرض نقاشا عميقا حول سؤال إشكالي كبير يواجه الانتقال الديمقراطي الجاري عرقلته بشكل جدي من طرف الممارسات التحكمية الموازية للدستور والمشتغلة في حالة شرود إرادي خارج متنه وبعيدة عن نصه وروحه . السؤال / الإشكال هو الآتي : هل استنفذ بنكيران دوره ومهامه التاريخية ، كقائد طبيعي واستثنائي، في قيادة حزب العدالة والتنمية نحو المساهمة في بناء الكتلة التاريخية الحرجة اجتماعيا وسياسيا مع المؤسسة الملكية وباقي الشركاء المنحازين لخيار الإصلاح والتقدم ، من أجل دخول المغرب نادي الدول التي طبعت بشكل نهائي مع الديمقراطية ولم تعد تحتاج لحزب مكلف بافساد هذا التطبيع الذي لا مفر منه ؟ بصيغة أخرى : هل ستقف القراءة المجردة لقوانين الحزب أمام سطوة النص فيكون التغيير الآلي للأمين العام مسألة وقت فقط وغير قابلة لأي نقاش ؟ أم سيكون السياق النكوصي الجارية فصوله مسعفا في تأمل مآلات إعمال النص ، والمبادرة إلى اتخاذ الموقف المناسب في الوقت المناسب بما يعزز طاقة الصمود التي يشكل ذ بنكيران ، بلا خلاف ، أحد أقوى مصادرها في أداء الحزب والحكومة وعموم الحالة السياسية الممانعة للتحكم والرافضة للنكوص والردة ؟ بلغة أوضح : هل سيقوم حزب العدالة والتنمية بتعديل قوانينه لمواصلة التصدي الناجع لحركة موازية غامضة تعمل على إفراغ الدستور من محتواه ، بتمكين بنكيران من ولاية ثالثة واستثنائية تكون لها آثار تعبوية عامة داخل وخارج الحزب ؟ هذه الأسئلة مشروعة اليوم ، ومطلوب بحثها وبشكل مسؤول قبولا أو رفضا ، خاصة أن الأستاذ بنكيران لم يعد شأنا حزبيا خاصا فحسب ، بل ظاهرة سياسية وتجربة ورصيدا وطنيا عاما ، وفاعلا متزنا ووازنا في صناعة التحول الديمقراطي الوطني.