بعد أشهر فقط من التهدئة بين حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، عادت فصول الصراع لتشهد تطورات أكثر إثارة تذكر بحرب الاستنزاف، التي انخرط فيها الحزبان في غضون الانتخابات الجماعية لسنة 2009. في سنة 2009 كان الطقس السياسي مختلفا جدا عن الوضعية الحالية: أحزاب مشدوهة من اكتساح حزب لا يتجاوز عمره السياسي السنتين للانتخابات، وحزب العدالة والتنمية الذي بدأ ينفذ إلى الحياة السياسية أصيب بالذهول مما يحدث. من هنا بالضبط، بدأ الصراع واتخذ أبعادا خطيرة وصلت، يومها، إلى درجة أن عبد الإله بن كيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية طالب في لقاءات جماهيرية حاشدة برحيل فؤاد عالي الهمة وإلياس العماري أحد أبرز قيادات البام. الطقس السياسي الذي كان موسوما بالتشاحن على مختلف الجبهات، فسح المجال أمام صراع عنيف بين الحزبين وظفت فيه قواميس كثيرة منها ما ينتمي إلى لغة السب ومنها ما ينتمي إلى لغة ما «تحت الحزام». بطبيعة الحال، كان البيجيدي يعرف أكثر من غيره أن حزبا بمثل هاته القوة جاء لتقليم أظافره وتحجيم قوته وقطع الطريق عليه للوصول إلى عموديات المدن الكبيرة، فيما كان البام يقول إنه خرج إلى الساحة السياسية ليملأ فراغا رهيبا تسرب إلى مسام الحياة السياسية المغربية في فترة بعينها متكئا على خط حداثي يريد مواجهة «استغلال الدين في السياسة». جرت الكثير من المياه تحت جسر المغرب السياسي، وتغير الطقس السياسي المشار إليه سلفا بشكل جذري أمام رياح قوية أصبحت تهب على المغرب بعد اشتعال ما يسمى بالربيع الديمقراطي، حيث وجد العدالة والتنمية الفرصة ملائمة جدا لتصفية حساب قديم/جديد مع خصمه السياسي، فرفع شعارات قوية ضد رموز البام، وهاجمه بعنف. عاش البام، وقتئذ، لحظات عصيبة جدا عبر عنها حكيم بنشماس، رئيس المجلس الوطني الحالي، بكلمات مقتضبة لكنها موحية بكل شيء: لقد عشنا سؤال الموت والحياة.. استمر الأمر على هذا المنوال، وعين فؤاد عالي الهمة مستشارا للملك بعد استقالته من حزب الأصالة والمعاصرة، ثم فاز حزب العدالة والتنمية بالانتخابات التشريعية مباشرة بعد المصادقة على الدستور الجديد. خمدت بعض نيران الحرب لكنها لم تهدأ تماما، وتميزت الأشهر الأولى من وصول الإسلاميين إلى تدبير الشأن الحكومي بمشادات كان البرلمان المغربي مسرحا لها. وفي كل مرة كان فيها البام ينتقد سياسات التحالف الحكومي بحدة، يعود ابن كيران ومعه وزراء العدالة والتنمية إلى نَكْءِ الجرح القديم أو ما كان يسميه لحبيب الشوباني بعقدة النشأة. يقينا أن عبد الإله بن كيران أدرك أن تدبير الشأن الحكومي وامتلاك قسط، ولو قليل، من السلطة، يقتضي الكثير من المرونة وتقديم تنازلات والدخول في مواضعات صعبة يتميز بها الحقل السياسي في المغرب، ولا أدل على ذلك تحالفه مع حزب خاض ضده حربا طويلة الأمد، لكن دق طبول الحرب التي دشنها ابن كيران نفسه في لقاء حزبي حينما دعا إلى حل البام، تطرح أكثر من علامة استفهام حول خلفيات عودة الحرب بين الحزبين؟ يمكن تفسير التجاذب الجديد بين الحزبين بمؤشرين اثنين: الأول يرتبط باقتراب معركة الانتخابات الجماعية التي حدد ابن كيران محاورها في جلسته الشهرية الأخيرة، ولاشك أن حزب العدالة والتنمية بالرغم من ادعاء القوة وقدرته على مواجهة خصومه، يعرف أن تدبير الشأن الحكومي قلص إلى حد ما من شعبيته علاوة أنه يحمل في ذهنه قناعة راسخة مؤداها أن التوازنات السياسية القائمة حاليا لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تسعفه في الوصول إلى عمديات مدن كبيرة، لاسيما في ظل التقارب الكبير بين الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والاستقلال والبام، إضافة إلى أن تحالف أحزاب الحركة الشعبية والتجمع الوطني للأحرار في الانتخابات التشريعية الجزئية بسيدي إفني يؤشر إلى أي مدى سيبقى البيجيدي معزولا. الثابت إذن أن حزب العدالة والتنمية أخذ هذه المعطيات بعين الاعتبار، وبدأ يسلك استراتيجية أثبتت نجاعتها خلال الانتخابات التشريعية الماضية أمام ضعف إنجازاته الحكومية والمتمثلة بالأساس في خلق عدو، ولن يكون هذا العدو سوى الأصالة والمعاصرة. أما المؤشر الثاني الذي يبدو ضروريا لفهم الصراع الحالي، فهو النقاش الدائر حاليا حول تقنين الكيف، الذي يتزعمه البام، وكان ذلك واضحا من خلال الندوة التي نظمها مؤخرا بباب برد نواحي الشاون، بالإضافة إلى مقترح قانون وضعه في الغرفة الأولى يتعلق بالعفو عن مزارعي الكيف. حسب ما تسرب من اجتماعات الفريق البرلماني لحزب العدالة والتنمية، فإنه لمح إلى إمكانية الاستفادة من أموال الكيف، الأمر الذي يمكن أن يعزز هذه الفرضية إلى حد بعيد. في هذا الصدد، يشرح إدريس لكريني، أستاذ العلوم السياسية خلفيات الصراع بالقول إن الخطابات الدائرة حاليا في مختلف المنابر تؤشر على أن حدة الحرب سترتفع في الأيام المقبلة ومبعث ذلك إلى أن التجاذب بين الحزبين سببه تاريخي» والعدالة والتنمية يرى أنه حان الوقت لرد الصاع صاعين لحزب الأصالة والمعاصرة». لكن هناك ملاحظة أساسية- يضيف لكريني- ينبغي أن ننتبه إليها وتتعلق بنسيان الجوهر الحقيقي للتدافع السياسي، «أقصد أن الصراع لا يقترب من الإشكاليات الحقيقية المتصلة بتطبيق البرنامج الحكومي أو ممارسة أدوار المعارضة المنصوص عليها في الدستور». وحول أسباب عودة الخلاف الحاد بين الحزبين، يؤكد لكريني في حديث للجريدة أن النقاش هو في الأساس نقاش شخصي لكنه يعطي الانطباع أن التنافس في الانتخابات الجماعية المقبلة سينحصر أساسا بين حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة»، وستكون المنافسة كبيرة بينهما في الظفر بمقاعد الجماعات المحلية، ولذلك أراه سببا وجيها لاشتعال الصراع أكثر من وضعيته الحالية»، على حد تعبير لكريني دائما. محمد أحداد هل سينجح «البيجيدي» في حربه الاستباقية على «البام» في أفق انتخابات 2015؟ إحزرير: نجاح أي حزب سياسي رهين باستمرار وجوده في الشارع ارتفعت في الآونة الأخيرة وتيرة الصراع والملاسنات بين حزب العدالة والتنمية وحزب الأصالة والمعاصرة، بعد دعوة عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب «المصباح» ورئيس الحكومة إلى حل حزب «البام»، وهو ما أدى إلى احتدام الخلاف بين حزبين ظلت علاقتهما متوترة ومتشنجة منذ تأسيس حزب «التراكتور». ومع اقتراب انتخابات 2015 وفي ظل تصاعد الخلافات بين المكونات السياسية، يظل السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل حزب العدالة والتنمية سينجح في حربه الاستباقية على حزب الأصالة والمعاصرة؟، وهل هذه السجالات والتجاذبات السياسية جاءت بمحض الصدفة، أم أن ما يجري ويدور هو مجرد «تسخينات» واستعراض عضلات الهيئات السياسية من أجل القيام بحملة انتخابية سابقة لأوانها؟ يرتبط نجاح أي حزب سياسي بمدى قدرته على مواصلة التغلغل داخل المجتمع وحضوره في الشارع بالرغم من مشاركته في الحكومة، وهذا يعتبر شرطا لكل هيئة سياسية من أجل كسب رهان أي انتخابات مقبلة، وفي هذا السياق يؤكد عبد المالك إحزرير، أستاذ العلوم السياسية بجامعة المولى إسماعيل بمكناس، أن حزب العدالة والتنمية حتما سينجح في حربه ضد حزب «البام»، لأن هناك اختلافا بين مسار الحزبين، فالأول لا يزال له حضور في الشارع، إذ يمكن القول إن «رجله في الشارع ورأسه في السلطة»، كما أنه كلما اتخذت الحكومة قرارات يكون لها تأثير على الشارع يتواصل مع قواعده الحزبية من أجل شرح حيثيات هذه القرارات وهذا هو سر نجاحه لكونه يتمتع بامتداد هيكلي على عكس «البام». ويرى إحزرير أن كل من تسلح بالشارع سيكون هو المنتصر وسيربح المشروعية، أما من عانق السلطة فإنه سيخسر لا محالة وسيتلاشى لأنه لا يوجد له أي سند، كما يعتبر أن من بين شروط نجاح أي حزب سياسي هو تمتعه بالحس الوطني وتكون له أجندة سياسية تستهوي شرائح كثيرة ومتعددة، وهو ما لا نجده في عدد من الأحزاب السياسية ومنها حزب الأصالة والمعاصرة، يقول أستاذ العلوم السياسية، الذي يعتبر أن نصيحة بنكيران ل»البام» ليست نابعة من صراع سياسي فحسب، بل يمكن تفسير ذلك بأن رئيس الحكومة، ربما، يستشعر فشل هذا الحزب وأنه لا يمكن أن يكون محركا للمسار الديمقراطي في السنوات المقبلة، خصوصا أنه يسعى لقتل ذاته من خلال اقتراح قوانين تساهم في انتشار المخدرات، لأنه لا يمكن تصور حزب حداثي ومعاصر ويحارب الفساد ويقوي المسار الديمقراطي أن يذهب في هذا الاتجاه ، يقول إحزرير، الذي يصنف حزب «البام» ضمن الأحزاب الإدارية بتعبير الاشتراكيين، ليس له قوة اجتماعية بل هو عبارة عن مجموعة من الإداريين واليسار المتشرذم الذي لم يجد ضالته وليست له كفاءات لها وزن وحس سياسي، ما جعل بعض الحكماء يغادرونه أمثال صلاح الوديع. ومن بين مؤشرات فشل حزب «البام»، التي يراها أستاذ العلوم السياسية، هو تقمصه لعدد من الأدوار من أجل امتصاص قوة المطالب الجهوية والأمازيغية، وهو ما يناقض رهان الوطنية التي تكون سبيلا للنجاح. ويؤكد المتحدث ذاته أنه ينبغي الاستفادة من دروس التاريخ، ف»الفديك» الذي أسسه المقربون من المربع الملكي وكان من ورائه مولاي أحمد العلوي ورضا اكديرة والغزاوي كانت نهايته حتمية لأنه مني برفض اجتماعي، وهو المصير نفسه الذي يمكن أن يلقاه «البام». استفادة من دروس التاريخ نهجها حزب العدالة والتنمية، وفق أحزرير، إذ أنه استفاد من تجربة الاتحاديين خلال التناوب، لكونه لم يدبر المرحلة بعقلانية خلال مشاركته في الحكومة، حيث اختار نخبا لم تكن لها مشروعية في الشارع، إلى جانب حزب الاستقلال الذي كان له مفكرون وكفاءات وهيكلة مرتبطة بالشارع وليس فقط بالنظام، غير أنه بدأ يفقد قوته لما بدأت هذه النخبة تنحو نحو الفئوية إلى جانب تركيزه على الخطاب الشعبوي عوض الخطاب السياسي. وبالرغم من الموجة الأخيرة التي عرفتها عدد من الدول والتي همت تحرك بعض الأحزاب لها علاقة بالإدارة من أجل الإيقاع بالإسلاميين، بالنظر لما جرى في كل من مصر وليبيا ودول أخرى، لكن تظل للمغرب خصوصيته، يقول أستاذ العلوم السياسية، لكون «البيجيدي» في بلد له خصوصيته، إذ أن «الحزب لا بد من النظر إلى تأسيسه بعدما ضم الدكتور الخطيب الإسلاميين إلى حزبه الذي عرف فشلا، إذ دائما ينظر إلى حزب العدالة والتنمية من خلال روح الدكتور الخطيب». وعموما، فإن الملاسنات والسجالات السياسية ترتفع حرارتها كل ما اقتربت الانتخابات، شأنها في ذلك شأن الأسئلة الشفوية بالبرلمان التي تطغى عليها الجهوية، وتركز فيها التعقيبات على الدوائر التي ينتمي إليها البرلمانيون المتدخلون من أجل جلب اهتمام الناخب. خديجة عليموسى الغالي: تأجج الصراع بين العدالة والتنمية و«البام» قد يعود بالمغرب لما قبل دستور 2011 قال إن الصراع بين الحزبين سيمكن الأحرار والحركة الشعبية والاتحاد الدستوري من تحقيق مكاسب انتخابية بعد هدنة نسبية، عادت المواجهة الكلامية بين حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة بشكل حاد لتتصدر المشهد السياسي، وهو أمر يعتبره الدكتور محمد الغالي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، أمرا عاديا بالنظر لاقتراب موعد الاستحقاقات الجماعية، وبالتالي فالتصعيد يتخذ طابع التسخين الانتخابي، غير أن الغالي يحذر من أن تأجج الصراع ما بين الحزبين قد يعود بالمغرب لما قبل دستور 2011 في ظل الوجود القوي للأعيان، وكذا استمرار نفس الوجوه والعقليات في تصدر الساحة السياسية، وقال الغالي إن استمرار الصراع بين العدالة والتنمية و«البام» قد يتيح لبعض الأحزاب المعتدلة تحقيق مكاسب انتخابية. - بماذا تفسرون عودة حزب العدالة والتنمية لمهاجمة البام بعد مرحلة كمون جعلت البعض يؤكد حدوث تطبيع بين الحزبين؟ قبل الإجابة عن هذا السؤال يتعين استحضار بعض العناصر، ومنها أن حزب الأصالة والمعاصرة معروف عنه أنه جمع عددا من التناقضات تتمثل في اليسار، أو ما تبقى من اليسار الراديكالي، إلى جانب الأعيان، وهذا اليسار معروف بشراسته في الهجوم على مستوى الخطاب السياسي، وهو ما نشاهده في مواجهة الإسلاميين، أما الأعيان فمعروفون بقوتهم الجارفة في الانتخابات. وعلاقة بعودة حزب العدالة والتنمية لمهاجمة «البام» فالسبب واضح، ويرتبط باقتراب موعد الانتخابات الجماعية، خاصة بعد أن ظهرت مؤشرات على أن الخارطة السياسية يمكن أن تعود بنا لما قبل دستور 2011 بعد أن اتضح أن تحكم الأعيان مازال حاضرا بقوة. - إذا انتهت مرحلة التطبيع ؟ هذا التطبيع كان راجعا ربما لرغبة حزب العدالة والتنمية في خلق ظروف ملائمة للاشتغال، في سلوك «براغماتي» من الحزب لتدبير المسؤولية، حيث حاول وضع نوع من المسكنات لبعض الجهات التي قد تحول دون توفير المناخ السياسي الملائم للقيام بمهامه، بعد وصوله لرئاسة الحكومة، لكن الآن مرحلة الانتخابات اقتربت، والأطراف الأخرى تهاجم، وبالتالي فإن الحزب يرى بأنه ملزم باتخاذ موقع في رقعة الهجوم، لأنه لم يعد هناك وقت كبير على المستوى السياسي بالنظر للموعد المحدد للانتخابات. فحزب «البام» يشتغل على عدد من الملفات، ويستعد للانتخابات، وهناك أيضا أحزاب تهيئ الخارطة الانتخابية، كما يمكن القول بوجود تحالفات تعد منذ الآن، ما يفسر أن احتداد الصراع يعود بالأساس لتسخينات انتخابية، وهو ما يبقى في اعتقادي أمرا عاديا، غير أن هذا لا يمنع من التأكيد على أن تأجج هذا الصراع يمكن أن يقودنا لوضع ما قبل دستور 2011، وهنا يجب أن نستحضر أيضا أن حركة 20 فبراير لم تمت بشكل كلي، وأنه لو توفرت الشروط لظهرت من جديد. -ألا تعتقدون بأن دعوة بنكيران «البام» إلى حل نفسه مرتبطة بإشارات يعلمها حول تطورات سيعرفها المشهد السياسي المغربي، أم هو مجرد استباق لما يمكن أن يحدث من مفاجئات؟ بنكيران معروف بأنه واقعي، ولا يقول أمورا إلا وظهرت تطورات في الأيام التي تليها، وربما هذه الدعوة نابعة من أنه أحس بشيء ما في الكواليس. وهنا يجب أن لا ننسى بأن حزب «البام» لا ينظر إليه بعين الرضا أيضا من قواعد عدد من الأحزاب التي تربط بعض مشاكلها الداخلية بتدخلات منه، وبالتالي فالذاكرة لازالت تحتفظ بوضع «البام» ما قبل دستور 2011 وفي اعتقادي من حق أي حزب يعمل في إطار قانوني أن يترشح، وأن يدافع عن حقوقه، لكن يظهر بأن الظروف لم تستقر بعد، بشكل يمكن حزب الأصالة والمعاصرة من لعب دور أساسي في الحياة السياسية كأن يقود الأغلبية، لأنه لازال يعتبر بأنه حزب أصدقاء الملك. - هل لايزال حزب الأصالة والمعاصرة في نظركم محافظا على الصورة التي تم الترويج لها بعد ولادته، وهي أنه حزب مقرب من القصر؟. هذا حزب جاء في سياق معين، وكانت له أجندة معينة، وبالتالي فهو لازال حاضرا بصورة أنه حزب أصدقاء الملك، رغم ما عرفه من تطورات ومنها انسحاب فؤاد عالي الهمة، وهذا ما ظهر من خلال مجموعة من التعيينات، كما اتضح أيضا في الحوار الوطني مع المجتمع المدني والحوار الموازي الذي كشف مؤشرات بوجود أناس لا يقبلون بقواعد اللعب. - هل مبررات الصراع بين حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة لازالت قائمة رغم التغييرات التي شهدها المشهد السياسي بعد وصول حزب المصباح لرئاسة الحكومة، ووضع دستور جديد؟ العقليات التي كانت تتحكم في الحزبين لازالت موجودة، فنفس الأشخاص الذين كانوا في حزب الأصالة والمعاصرة وفي العدالة والتنمية قبل دستور2011 نراهم الآن، بمعنى أن الإطار القانوني تغير، لكن نفس العقليات لازالت قائمة، وإذا بقيت الأدوار مبعثرة، ولم توضع مسافة، ولم يكن هناك تجرد، فإن الأمور يمكن أن تأخذ أبعادا أخرى. - كيف تتوقعون سيناريو الصراع الانتخابي في ظل تصاعد حدة الحرب الكلامية بين العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة؟ هذا يمكن أن يشوش على الإصلاح الذي أتى به دستور 2011، وحاليا هناك نقاش حول ما قيمة مقتضيات الدستور التي لم تفعل، فرغم وجود دستور متقدم إلا أن النتائج على مستوى الممارسة تظل مخيبة للآمال بحكم أن نفس اللاعبين لا زالوا على الساحة وبنفس العقلية. - من المستفيد من استدامة حالة الصراع بين العدالة والأصالة والمعاصرة؟ يمكن أن يستفيد المعتدلون وبالأخص حزب التجمع الوطني للأحرار رغم وجود تأثير لحزب الأصالة والمعاصرة عليه، وأظن أيضا أن هذا الصراع سيمكن الحركة الشعبية، والاتحاد الدستوري، من تحقيق مكاسب انتخابية لاعتبارات متعددة، بحكم أنهم لم يدخلوا في مواجهات سياسية، حيث أصبحنا نلاحظ وجود نوع من النخبة التي لها حضور إلا أنها تتجنب الدخول أو التموقع في الصراعات. مصطفى الحجري صراع العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة...خصومة سياسية خارج القانون الحروب مستمرة بين الحزبين تضع الحياة السياسية برمتها في قفص الاتهام خلال الأيام الماضية أطلق رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، من موقعه كأمين عام لحزب العدالة والتنمية، شرارة حملة سياسية ضد حزب الأصالة والمعاصرة، في تجمع حزبي بإحدى المدن الصغرى، ثم في مناسبة حزبية ثانية، ثم داخل البرلمان في مناسبة ثالثة. إذ طالب الحزب بحل نفسه لأنه لا مستقبل له وغير قابل للإصلاح، حسب قوله، قبل أن يسارع إلى القول داخل البرلمان بأن طلبه كان مجرد نصيحة وبأنه كرئيس للحكومة لن يقدم على منع أي حزب سياسي. والملاحظ أن دعوة رئيس الحكومة تأتي في سياق معطيين لا بد من أخذهما بعين الاعتبار. المعطى الأول يرتبط بالسياسة الاجتماعية للحكومة، بالنظر إلى ارتفاع الأسعار وتنامي السخط الاجتماعي وارتفاع حدة البطالة والاحتجاجات التي يقوم بها المعطلون في العاصمة وعدد من المدن، بسبب فشل سياسة الحكومة في مجال التشغيل وجلب الاستثمار. ويشكل الانتقال من الدفاع عن التدبير الحكومي أمام الرأي العام إلى الهجوم على أحد المكونات السياسية في هذه المرحلة نوعا من«الهروب»السياسي، من أجل تحريف الأنظار عن طبيعة التدبير الحكومي من جهة، وتبرير أداء الحكومة الحالي بوجود عقبات تتمثل في مكونات سياسية تستهدف هذه التجربة الحكومية، وهو أمر طالما ركز عليه رئيس الحكومة منذ السنة الأولى لتولي حزبه مهام التسيير. أما المعطى الثاني فيتمثل في اقتراب موعد الانتخابات الجماعية المنتظر إجراؤها في العام المقبل، إذ هناك مخاوف داخل حزب العدالة والتنمية ربما يتقاسمها مع أحزاب سياسية أخرى لا تريد الجهر بهذه الحقيقة من تكرار ما حصل في انتخابات عام 2009 عندما تصدر حزب الأصالة والمعاصرة نتائجها، مع أنه كان حزبا حديث التشكل، الأمر الذي كان مفاجأة كبرى في تلك الفترة، وهي المناسبة التي جعلت إدريس لشكر عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي آنذاك يصف حزب الأصالة والمعاصرة ب»الوافد الجديد». وقد اكتست هذه الحملة ضد الأصالة والمعاصرة طابعا أكثر حدة بدعوة رئيس الفريق النيابي لحزب العدالة والتنمية قبل أسبوع إلى عقد لقاءات وندوات «من أجل تذكير المغاربة بحقيقة الحزب المعلوم»، وقرار الأمانة العامة للحزب باعتماد سياسة الهجوم ضد الحزب في المرحلة المقبلة. وتعتبر هذه المرة الأولى في تاريخ المغرب السياسي التي يعلن فيها حزب حربا على حزب آخر يعمل في إطار القانون. ولعل هذا يشكل سابقة ثانية فريدة من نوعها، بعد تلك التي حصلت مع محمد اليازغي عقب تفجيرات الدارالبيضاء عام 2003، حين طالب بحل حزب العدالة والتنمية بسبب ما اعتبره وقتها «المسؤولية المعنوية» للحزب عن تلك التفجيرات. فحتى حزب الأصالة والمعاصرة، الذي لم يخف منذ ظهوره أن هدفه هو مواجهة الإسلاميين، لم يتجرأ على دعوة مثل هذه بشكل علني. ولعل هناك خلطا، قد يكون متعمدا بشكل أساسي، بين الرغبة في الانتقام وبين الحاجة إلى تكريس ضمانات النزاهة الانتخابية وشروط الديمقراطية السياسية في المغرب. فحزب العدالة والتنمية يبرر دعوته إلى حل حزب الأصالة والمعاصرة وحملته عليه بضرورة عقلنة المشهد السياسي في البلاد، بيد أن هذه العقلنة لا ترتبط ضرورة بالمطالبة بحل حزب سياسي أصبح قائما وفق القانون، وإلا تحولت الحياة السياسية إلى فوضى، لأن أي خلاف سياسي أو إيديولوجي أو انحراف في الممارسة الحزبية لحزب معين قد يؤدي إلى مطالبة حزب آخر بحله. ولكن العقلنة في الأعراف الديمقراطية تكمن في إصلاح منظومة الانتخابات ونشر الثقافة الديمقراطية وضمان النزاهة والحياد، وهي عناصر كفيلة بوضع أي مكون سياسي في إطار حجمه الحقيقي، أما إصدار أحكام على أحزاب سياسية بعينها فهو من صلاحية المواطن لا من صلاحية حزب سياسي، خاصة إذا كان هذا الحزب طرفا في الصراع السياسي والانتخابي، ومن هذا المنظور فمهما كانت نوايا حزب العدالة والتنمية فهي في النهاية تصب في إطار تعبيد الطريق لنفسه والدفاع عن موقعه، لا عن نزاهة الحياة السياسية. ويظهر أن هذا الخلط هو الذي يؤطر مطالبة حزب رئيس الحكومة بحل حزب سياسي آخر، منافس له، لأن هذه المطالبة تظل ذات غلاف سياسي لا علاقة لها بالقانون، ذلك أن قانون الأحزاب السياسية ينص على أن موجبات الحل بالنسبة لأي حزب سياسي هي الإخلال بالنظام العام(المادة 50). وحتى في هذه الحالة لا ينص القانون على الحل النهائي بل على التوقيف المؤقت ما لم يتقدم أي طرف بطلب الحل، وكذلك في حالة عدم احترام الشكليات المنصوص عليها في قانون الأحزاب السياسية (المادة 52)، وفي هذه الحالة أيضا لا يتعلق الأمر بحل نهائي بل بتوقيف مؤقت ما لم يتقدم طرف ما بطلب الحل. بيد أن الحروب الحاصلة بين حزب العدالة والتنمية وحزب الأصالة والمعاصرة، والمستمرة منذ بضع سنوات، تضع الحياة السياسية بالمغرب في قفص الاتهام. فقد حولت هذه الحروب المشهد السياسي إلى مشهد خاضع للتقاطب وفق ثنائية حزبية جعلت الأحزاب السياسية الأخرى على الهامش، وفي أحسن الأحوال في موقع المتفرج، الأمر الذي أفرغ شعار «التعددية الحزبية» في المغرب من مضمونه، بحيث تحولت هذه التعددية بشكل واضح إلى ثنائية حزبية قاتلة، ربما تهدد الحياة السياسية في البلاد، لأن من شأنها أن تدفعها إلى اختيار واحد من تطرفين، تطرف العدالة والتنمية الذي يعتبر الجميع متآمرا عليه، بشكل أو بآخر، أو تطرف الأصالة والمعاصرة الذي يرفض التعايش مع الإسلاميين. ولذلك ليس من الطبيعي أن تستمر الأحزاب السياسية الأخرى في التزام الصمت، والتشكي في ذات الوقت من تردي الحياة السياسية، والحل يكمن في حوار بين مختلف الأحزاب السياسية التي تعمل في إطار القانون حول سبل ترشيد الحياة السياسية في المغرب وإخراجها من الصراعات الحزبية الضيقة وإجراء نقد ذاتي. ادريس الكنبوري أفتاتي: محاولة دعم «البام» ستكون ردة واضحة شبيهة بانقلاب السيسي فتحت التصريحات الأخيرة للأمين العام لحزب العدالة والتنمية، ومعها بعض قيادات الحزب الإسلامي، باب الصراع مع حزب الأصالة والمعاصرة على مصراعيه، خاصة بعدما حذر عبد الله بوانو، رئيس الفريق النيابي للحزب، من «إفساد انتخابات 2015»، بعدما ذكر في لقاء مع أعضاء الفريق الإسلامي ب»الكيفية التي سعى بها حزب معين إلى التحكم بأدوات غير قانونية، وغير أخلاقية، حتى يحصد أكبر عدد من المقاعد في الانتخابات الجماعية»، في إشارة إلى حزب الأصالة والمعاصرة. وكشفت التصريحات الأخيرة لقادة الحزب الإسلامي عن تخوف واضح من مسار الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، وهو الأمر الذي فجر سلسلة مواقف وصلت حد دعوة عبد الإله بنكيران حزب الأصالة المعاصرة إلى أن يحل نفسه، وهي التصريحات التي وصفت ب»القوية» بعدما يشبه حالة من الهدنة مع «البام». وبدا الصراع بين الحزبين يأخذ شكلا متصاعدا، سواء بشكل مباشر، أو عبر جبهات أخرى للمواجهة، سواء في بعض المحطات الانتخابية، ومنها موقعة سيدي إفني التي تحالفت فيها أحزاب من الأغلبية مع حزب الجرار، أو في بعض محطات الصراع داخل البرلمان، حتى إن الفريق الإسلامي طالب بمعاقبة خديجة الرويسي، عضو فريق الجرار بمجلس النواب، على خلفية وصفها لرئيس الحكومة ب»المنافق». واعتبر عبد العزيز أفتاتي، النائب البرلماني عن فريق العدالة والتنمية، أن «الصراع مستمر مع حزب الدولة العميقة، لأنه كان يجب أن يقدم اعتذارا عما وقع، وأن يعتذر لفعاليات عشرين فبراير، لأن هذا الوقت ليس وقت حزب الدولة العميقة، فهذا الحزب خلق نيابة عن الدولة العميقة بهدف التسلط والتحكم، فهو مجرد عملية تمويه على تسلط وتحكم الدولة العميقة». وأوضح أفتاتي أن فكرة خلق هذا الحزب تمثلت في أنه إذا فشل في مهمته ستخرج الدولة العميقة، «وبالتالي فهذه وسيلة تسلطية وتحكمية من ألفها إلى يائها، وهو مكون فيه المتياسرين وأصحاب الشكارة الذين صنعتهم الدولة العميقة ودعمتهم بالصفقات والأعمال لتمويل بؤس هذا الحزب، وفي الجانب الآخر كان هناك مجموعة من اليساريين الذين باعوا الماتش». وأضاف أن «عمل حزب التحكم والتسلط يمر عبر مواجهة الأحزاب المعتبرة انتخابيا وأيديولوجيا، فقد كانوا محتاجين لخدمات المتياسرين، ومنحهم مقاعد في البرلمان، وتمت ترقيتهم في الإدارات وإدماجهم وأعطيت لهم مناصب، وهذا الأمر ليس له علاقة بشكل مباشر بالانتخابات المقبلة». وأكد أن المخاوف من الانتخابات المقبلة يجب أن تكون مخاوف المجتمع وليس حزب العدالة والتنمية، لأن عودتهم تشبه انقلاب السيسي، من خلال انقلابهم على فعاليات ونتائج 20 فبراير، ونكوص وردة، وإذا كانت محاولة لدعمهم بالشكل القديم فهذه ردة واضحة، ولن يكون هناك تخوف للعدالة لوحدها بل المجتمع ككل». وأضاف أن الشيء الذي لم يتحقق في 2010 وبعد 2011 اعتقدوا أنه يمكن الرجوع إليه، لكنه من سابع المستحيلات. لكن حزب الأصالة والمعاصرة له رأي آخر حول خلفيات الهجوم الذي دشنه عبد الإله بنكيران ضد حزب «الجرار»، حيث ترى بعض قيادات الحزب أن العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة يحاول التغطية على «فشله» في تدبير الشأن العام، من خلال إثارة بعض الحروب الهامشية، عوض تقديم حصيلته للمغاربة. ويرى أحمد التهامي، عضو الفريق النيابي للحزب، أن موقف العدالة والتنمية مرتبط بالإعلان عن تاريخ الاستحقاقات الانتخابية، وهو موقف انتخابوي من رئيس الحكومة، لكن المطلوب الآن هو تقديم الحصيلة، فعلى مستوى البرلمان لم يقدم أي شيء للبرلمان، وما ينتظره الشعب المغربي هو ما حققته الحكومة انطلاقا من البرنامج الحكومي والوعود الانتخابية. وأوضح التهامي أن ما يهم المواطن المغربي هو الأمور الملموسة، وليس مصارعة الطواحن الهوائية، فالشعور الداخلي بعدم الوفاء بالالتزامات الحكومية والانتخابية هو الذي يجعل رئيس الحكومة يحول النقاش نحو قضايا هامشية لا تسمن ولا تغني من جوع، فالمطلوب هو ما تم إنجازه على مستوى حاجيات المواطن من صحة وتعليم وسكن ومحاربة الفساد في الإدارة والمساواة وتكافؤ الفرص، وتنزيل الدستور. وسجل البرلماني ذاته أن رئيس الحكومة ليس له انسجام في الأفكار والمواقف السياسية، رغم أنه يتوفر ربما على سلاسة في الخطاب لأنه ينهل من المرجعية الدعوية، لكن يوجد في حالة شرود مطلق على مستوى اللغة والمفاهيم والبرامج السياسية وتطبيق الدستور والقانون الوضعي، سواء على مستوى مؤسسة الحكومة التي يرأسها، أو بالنسبة للمؤسسة البرلمانية التي من المفروض من أن يتعامل معها إيجابيا. وأكد أن «البحث عن تحويل البام إلى كبش فداء هو أسلوب عفا عنه الزمن، ولن تنطلي على المغاربة الحيلة، فبنكيران ركب على الموجة لاعتبارات مختلفة ومعقدة، منها ما هو داخلي وخارجي، وربما منحته بعض النتائج في مرحلة معينة، لكن محاولة تكرارها دليل على النقص في الاجتهاد، وتبين أنه يحاول البحث عن مشجب لتعليق فشله، ويدعي بأن هناك من يعرقله». وأضاف: «رئيس الحكومة ينطلق من الثنائية المرجعية المبنية على دار الإسلام ودار الحرب، فإما أن تكون في دار الإسلام، وبالتالي فستكون آمنا، وإما ألا تكون في صفي بالتالي فأنت في دار الحرب وسأحاربك، لكن ما هو مطلوب اليوم، في إطار دستور وضعي وقوانين وضعية، هو أن الاختلاف عنصر قوة في الديمقراطية، بوجود أغلبية معارضة». المواجهة بين العدالة والتنمية والأصالة صارت ظاهرة سياسية في المشهد المغربي، بين حزب يصف الأول بكونه صنيعة الإدارة ورمزا للتحكم، وبين حزب يتهم الثاني بالفشل في تدبير الشأن العام، ومحاولة حجب ذلك بخلق حروب هامشية. حرب تؤكد أن الانتخابات المقبلة ستكون محطة جديدة لصراع مفتوح بين الطرفين. المهدي السجاري