في مشهد أقل ما يمكن أن يوصف به سوى أنه كان مؤثرا، لحظات حميمية غير متوقعة، ودموع إنهمرت من عيونهما معا مثل سيل جارف، كانت «المنتخب» كعادتها حاضرة وهي تشهد حدثا غير عادي على الإطلاق هو مصالحة أميري مايوركا (الزاكي بادو وحسن فاضل) لينهيا قصة خلاف إمتد لأكثر من 24 سنة، من مايوركا، حيث كان الزاكي يكرم هاتف الحارس الأسطوري اللاعب الدولي الأنيق حسن فاضل رفقة المدرب سيرا فيرير ورئيس النادي ميغيل كونطيستي ومساعده ميغيل مونيوز، متابعة مثيرة للمكالمة التي جعلت فاضل يبكي بإنسانيته وليغيرا الإثنان من لهجة العتاب صوب قفشات الماضي فعناق في الحاضر. كان أمرا مستغربا قبل أن يكون مستهجنا أن يتأجج فتيل الخلاف من لا شيء، أن تنمو بذور الفتنة ويتعبأ هواة الإصطياد في المياه الضحلة لسقيها حتى صارت مثل أشجار السافانا العالية التي حجبت الرؤيا عن الجانبين. هل حسن فاضل هو من جلب الزاكي لمايوركا؟ وهل الأخير تنكر للمعروف المذكور وعض اليد التي إمتدت له بالإحسان؟ وهل الزاكي هو من حرض الرئىس ميغيل كونطيستي على فاضل ودفعه لتركه يرحل عن جزيرة عشقها حتى الثمالة؟ وما قصة الخلاف الخفي بين الإثنين واللذان إتعضا ورفضا معا نشره والتهديد دائما بأنه سيكون سلاح اللحظة؟ أسئلة وأخرى استفزت كل ما جايلوا اللاعبين وحتى أولئك الذين رأوا النور بعد ذلك في إطار الفضول الذي يقود لإكتشاف جوهر القصة.. فاضل هو من بدأ بفصول العتاب واللوم الذي تأجج وتضخم مع مرور الأيام بفضل مساهمة كائنات كان شغلها الشاغل النفخ على جمر رماد الفتنة وترويج للشائعات وتناقل الأخبار المغلوطة وتقمصوا دور مرسول الشؤم، بدل لعب دور مرسول الحب والغرام.. فاضل الذي انقلبت حياته رأسا على عقب بمايوركا مباشرة بعد وصول الزاكي حاول ربط هذا المعطى بما وقع له، دون أن يكون سنده معقولا لأنه من يعرف الزاكي حقيقة المعرفة ومن يعرف طبيعة تكوينه وفلسفته في الحياة والتي تحترم على كل حال، تقوم على شيء واحد وهو حساب لكل شيء حسبته، في الوقت الذي كان يعشق فيه الإنضباط والصرامة كان فاضل شابا يافعا (22 سنة ) مقبلا على الحياة، وحين كان فاضل يستمتع بسحر الجزيرة، وبملذات الكون الجميلة والإيجابية، كان الزاكي يفضل مبدأ «النمل» الذي يشتغل في الصيف ليرتاح في الشتاء ينام باكا فيسهر فاضل ممارسا لحقه المشروع وحريته الفردية، تزوج باكرا فيختار حسن تأجيل ولوج القفص الذهبي لغاية الزمن الموعود، وخلافات أخرى بسيطة في الأفكار جعلتهما يقطعان حبل التواصل لفترة ما هناك، وهو ما سيفهم من خلاله فاضل لاحقا أن ذلك مهد لوشاية من الزاكي لرئىس النادي كونطيستي لإخلاء سبيل فارس «عين أسردون»... الزاكي أقر بوجود كل هذه الأشياء ولم ينكرها وقال أن إنضباطه و صرامته وإحترافيته وإطار حياته ككل يجب أن يحسب له لا عليه، وأن نصائحه لحسن كانت بحكم الغيرة و«محبة الخير» وليس ضغينة أو حقدا، وعلى ضوئها تطورت الأمور واسترسلت حتى وصلت لنقطة اللاعودة السلبية. توالت السنوات، علق كل واحد من الطرفين حذاءه، وشق كل من الإسمين طريقه، واحد فضل البقاء لصيقا بالمجال الذي صنع مجده ونجوميته وهو الزاكي، والثاني ملَّ من مجال قال أنه لم ينصفه ولم يقدر حجم موهبته وتعرض خلاله وفيه لمقالب بالجملة وتارة بالتقسيط والوجهة هي ميدان المال والأعمال ومع ذلك لم يزد مرور كل هذه السنوات الهوة إلا تعمقا والشرخ إلا استفحالا، سرعان ما تحول لتراشق كلامي عنيف وللتنابز بالألقاب، وبعد أن ركب البعض على الأحداث سيحين موعد خارج كل التوقعات عبر برنامج إذاعي وأثيري براديو مارس «كرسي الإعتراف» والذي استضاف الطرفين معا.. في البداية حضر الزاكي بادو في حلقة أدارها باقتدار الزميل مصطفى بدري الذي حاول استجلاء أكبر قدر ممكن من الخيوط الغامضة في مسار الحارس السابق وبعده حسن فاضل في إطار حق الرد المكفول للجميع. وبعيدا عن لغة التعويم وتحوير الكلام وتغيير جملة من الحقائق بصيغة أو بأخرى، فقد تحمل هذه المرة الطرفان تبعات تصريحاتهما وتحملا أيضا مسؤولية ما يصدر عنهما قبل أن يعبرا في مساحة نضج كبيرة ومعقولة عن عتاب خفيف لم يرق لحجم التهويل الذي بالغ فيه البعض أحيانا بما يفرق بين لاعبين ما يجمع بينهما أكثر ما يجعلهما مختلفين. إستحضر الزاكي ما كان يثار إعلاميا عبر الصحف الإسبانية بعقدها لمقارنات بين اللاعبين وهو ما لم يرق لفاضل لاحقا دون أن يشكل هذا وبأمانة ما يفيد بأن الزاكي تناول الجوانب المشرقة والإيجابية في مسار إبن بني ملال، وليأتي رد فاضل بشهامة كبيرة وبسعة صدر وأريحية ملحوظتين كشف من خلالهما بدوره عن لوم خفيف لما صدر عن الزاكي ومعبرا عن جاهزية مطلقة لطي الصفحة نهائيا إذا ما لاحت بوادر الإنفراج مؤكدا أن كل الخنادق المحفورة ذات يوم يقابلها بعبارة «الله يسامح»، فاضل أطلق الإشارة بروح رياضية معتبرا، بل مشيدا بالخصال الفنية لأفضل حارس في العالم كما أسماه هو، وهي الإشارة التي وصلت للزاكي الذي كان متواجدا يومها بمايوركا في مصادفة، ماكرة لعبت فيها الأقدار لعبتها، إذ كان يكرم من طرف «الجزيرة» القطرية في إطار برنامج «جزيرة النجوم» وحضر لمباراة ريال مدريد ضد مايوكا هناك، حيث إستمع بشكل أو بآخر لحلقة «كرسي الأعتراف» التي إستضافت فاضل وهاتفه من هناك في مفاجأة مذهلة عبر هاتفي الشخصي.. وهنا الفاصل الأكثر إثارة في حكاية الصلح الإيجابي. كم هي صغيرة الدنيا، وكم هي عجيبة وغريبة فصولها وتفاصيلها، مايوركا التي وحدت النجمين في الإنتماء والهوية والعشق ذات يوم هي مايوركا التي فرقتهما سنة 1987 قبل أن تعود لتجمع بينهما ذات ليلة من سنة 2010 كيف ذلك؟ من ملعب أوطو بمايوركا وليس ملعب لويس سيدجا كما كان يسمى حين كان الزاكي وفاضل يرسمان أجمل لوحات التألق والروائع جاء الخبر اليقين، فما إن انتهت مباراة مايوركا ضد ريال مدريد بانتصار الملكي ب (14) في لقاء كان الزاكي ضمن ضيوف الشرف المنضوين والمدعوين له، سيهاتفني طالبا فاضل الذي كان في حضرة سهرة مسائىة ولقاء عشاء رفقة الأصدقاء، لم يصدق حسن هول المفاجأة وبإرتباك كبير مشوب بالدهشة والحيرة سيجيب الزاكي وهما اللذان لم يتحاورا أو يتبادلا الحديث بصيغة مباشرة مند نحو 22 سنة كاملة. كان الزاكي البادئ بطلب الصفح إن أخطأ قبل أن يعيد على أذهان ومسامع حسن أن كل ما كان يصله نصفه لا يحتمل الصحة وفيه مغالطات كثيرة وبعد دقائق من تبادل العتاب الخفيف والذي لا يفسد للود قضية، ستحين لحظة الحسم التي من خلالها سيكشف الزاكي عن معدن أصيل لا يصدأ أبدا.. بأن مرر لفاضل في مفاجأة لم يتوقعها ميغيل كونطيستي رئيس مايوركا الذي كان يخص اللاعبين المغربيين بعطف كبير ومحور الخلاف والوشايات الكاذبة، ومعه سيرا فيرير المدرب الكبير الذي قاد الفريق للصعود وصنع إنجاز النهائي التاريخي بكأس الملك والذي سيدرب برشلونة لاحقا وهو أيضا كان محورا للخلاف بحكم أن هناك من أوحى لفاضل أن الزاكي هو من وشوش لكليهما بأن يسرحا المبدع المغربي صوب مالقا وساهم في إفساد الود القائم بينه وبينهما هناك. ميغيل كونطيستي عاتب فاضل الذي كان يعتبره إبنه الصغير على سنوات القطيعة المحدثة دون موجب حق أو سند صحيح، وأن الزاكي لا يتحمل أي قسط في المسؤولية وإلا لما كانت حسن نية بادو حاضرة في أن يكون هو المبادر بمهاتفته.. وبدعوى رئىس مايوركا للحديث معه وبعده سيرا فيرير الذي كان يعتبر فاضل لاعبا سبق عصره ومهاريا للحد الذي يبعث على الشعور بالنشوة والإستمتاع والذي طلب من فاضل أن يبقى قريبا من الزاكي يلأن الأخير يحبه وكاشفا له أن الزاكي لطالما كان مدافعا قويا عن فاضل أيام كانا ممارسين بمايوركا. كان متوقعا كل شيء وأي شيء إلا أن يتسلم الزاكي من هناك من مايوركا هاتفه وفاضل من الرباط نقاله ولينخرط الطرفان في نوبة بكاء هيستيري صادق ومشاعر مرهفة استحضرت زمن العشرة والأخوة وصفاء الأجواء التي ذكرتهما بالأيام النوسطالجية التي لا تنسى. ستظل ليلة الخميس المنصرم خالدة في مسار النجمين معا، تعاهدا معا على طي صفحة خلاف بدأ من وهم وانتهى حيث كان يجب أن ينتهي منذ زمن بعيد، نبادلا بعد اللحظات المؤثرة المذكورة قفشات من زمن ذهبي ولى وانقضى واستحضرا ذكريات خالدة من دفتر العبور بالجزيرة الحالمة وبعرين أسود أطلسية عاشت شموخها معهما وبهما معا. دعا سيرا فيرير فاضل للحضور لمايوركا ساعة شاء وطلب منه تدوين هاتفه النقال، وحين تأخر فاضل في تدوينه مازحه المدرب السابق «يبدو أن السنوات أخذت مأخذها منك ومن سرعة ردات فعلك المألوفة»، وزاد ميغيل كونطيستي بأن وجه دعوة رسمية للنجم المغربي ليحذو حذو الزاكي بزيارة مدينة لن تنساه أبدا وتخصه بتقدير وحب فوق تقديراته وسينزل معززا مكرما مرحبا به، لأن نخوة فاضل وقراءاته الإفتراضية الغاضبة لما عاشه جعلته أحيانا يزور هذه المدينة دون السؤال عن أحد، في وقت وعد الزاكي فور وصوله يوم الجمعة قادما من مايوركا بجلسة حميمية يحضرها فاضل وكل مهندسي الصلح والعناق واللقاء وبخاصة جهاز«المنتخب» وراديو مارس» وقد لعب الزميل بدر الدين الإدريسي دورا حكيما وكبيرا في احتواء وتطويق خلاف مفتعل بما حباه الله من حكمة وتبصر وبعد نظر، لأنه كان يتفرس قدوم هذا اليوم وهو الذي تهادت أمامه عديد الفرص ليبرز ردات انفعالية غير محسوبة إزاء ما كان يصل من أخبار سوء متواترة من هنا وهناك عن قربه من الزاكي، وكأن في الأنتصار لعمق العلاقة والمحبة إعدام ودفن للبقية. وعلى هديه سار الزميل مصطفى بدري بكل كاريزماه وقدرته على قراءة الأحداث بوازع ومنظار مختلفين، دونما استعجال ولاركوب على صهوتها لربح معارك إثارة فارغة وفرقعات خراطيشها لا تنفع ولا تجدي شيئا وبما تسنى له من مقدرة كبيرة على ضبط نفوس كل المتعصبين والخارجين عن الطوع، وأخيرا في إطار رضاعة فلسفة وأخلاق البناء وشد الوثاق وليس للنسف والهدم كما تسلم مشعلها الرعيل المتأصل بثقافة «المنتخب» الوارد حديثا لمحرابها والمجسد في العبد لله ومتوجا عبر صدر الأسبوعية الأكثر مصداقية وتأثيرا ونفوذا للأعماق، وهي على الهدى دائما وببرنامج «كرسي الإعتراف» الذي كسب رهانا بعدما أريد له العكس بقشور الموز المنصوبة، ومتوجا فلسفة »راديو مارس» البناءة بدورها. لافاضل سيقاضي الزاكي ولا الزاكي سينصب العداء الدائم لحسن «مافيش عتاب بين الأحباب»، عنوان مصالحة الموسم التي نقلناها حصريا، انفراديا كالعادة في إطار انفرادات لا تنتهي ما دامت الإرادة وحسن النية.. وبالله التوفيق الدائم. «يعرفني الجميع كما تعرفونني أنتم، طباعي التي يعتبرها البعض حالة سلبية تمثل لي مبعث افتخار واعتزاز لأنها عين العقل والصواب، وقمة الإنضباط في الحياة الخاصة والعامة. حسن فاضل أخ قبل أن يكون صديقا، كان يصلني بالتدريج كل ما كان يبدر منه سواء مدربا للمنتخب الوطني أو لاحقا، ولم يسجل التاريخ يوما أني خرجت بتصريح ضده لأني أعرف قلبه الكبير وحبه للخير للجميع، وهو يعلم دون غيره كم سعيت له من مرة للخير ولا أظنه سينكر هذا، ولا أمن عليه بشيء، لا أريد النبش في الماضي لأنه صفحة إنتهت، أقول فقط أني سعيد جدا بهذه الخاتمة مع حسن، وقد كان ضحية لأشخاص بلا ضمير، وحين يصحو بداخلنا الضمير يصبح الحساب بلا فائدة.. وشكرا لكم ولكل من ساهم في هذه الحسنة». «سجلوا على لساني هذه شهادة للتاريخ سأقولها عبر كل منبر ولقاء أني ممتن لكم داخل «المنتخب» ولك على وجه الخصوص ولراديو مارس على خطوة لا يأتيها إلا أصحاب النوايا الحسنة. لازلت متشبتا بقولي بأني تعرضت للأذى كثيرا وبأني لم أستوعب لماذا لحقني كل هذا الضرر وأنا لم أسع إلا للخير للزاكي. وهذا ما جعلني أشعر بالألم والكوابيس، حين تكلم معي الزاكي ودار الحوار الذي شهدتموه بيننا وبخاصة حين كلمت ميغيل وفيرير ومونيوز أحسست وكأني ولدت من جديد، وبأن فاضل يرى النور مجددا. لقد كانت لحظات مؤثرة لن تنسى وما جمعني مع الزاكي يبقى تاريخيا، والأهم أننا لن نلعب الكرة مجددا، لكن قد يكون ما حدث هو ما يقولون عنه رب ضارة نافعة».