رسائل الديربي العين الوحيدة التي كانت تطل بها الكرة المغربية على العالم الخارجي فقأها الوينرز، والديربي الذي ظل البعض ينفخ فيه ويقدمه على أنه ضمن العشرة المبشرون بالعالمية جاء باهتا، ممسوخا، بلا طعم ولا رائحة. الصورة التي قدمها الديربي الأخير هي الصورة الحقيقية لكرة القدم الوطنية، لأن «التيفو» وباقي التوابل الأخرى هي مجرد مساحيق ومراهيم كانت تخفي التشوهات والتجاعيد التي طالما تحدثنا عنها. هذه المرة ظهر وجهنا الحقيقي في المرآة، لأن الديربيات ترتقي لمصاف العالمية بالمستوى الكبير على رقعة الميدان، ترتقي بالأداء والإيقاع والمهارة وما تحكيه سيقان وأقدام اللاعبين من معزوفات، وليس بأشعار النقائض و«التيفو» واللوحات البلاستيكية على المدرجات. الحقيقة تعرت والديربي مرر الرسالة الأولى بخصوص مستوى زبد البطولة واللاعبين الذين كانت أرقامهم المالية فوق الملعب تفوق 4 مليار من السنتيمات، فجاء ظهورهم متواضعا عاكسا لقتامة الصورة التي تعيشها باقي المنتخبات التي تقتات الإخفاقات تباعا وتعجز عن ترويض منافسين من عيارات خفيفة عربيا وقاريا وحتى جهويا. من شاهد الأداء الكارثي للاعبي الرجاء والوداد، أكيد تحسر على ديربيات ذلك الزمن الكسيح ماديا والغني بجواهره ومواهبه التي كانت تعطي للديربي حقه وتجعل منه مباراة « ولاد الدرب» حقيقة وجملة وتفصيلا. الديربي كلمة تعكس نزال أجوار ولاعبي نفس المنطقة.. ونزال الوداد والرجاء خرج في السنوات الأخيرة عن هذه الخاصية المميزة لمباراة كانت تشكل حدثا إستثنائيا بكل المقاييس للاعبين الذين أسعفهم الحظ لخوضه. لاعبون غرباء عن محيط الدارالبيضاء وعن مدرسة الفريقين التي أصبحت مزارا تجاريا لا غير، وموردا من موارد دخل لا مصدر إلهام وإمداد للفريق الأول، والنتيجة أن الديربي افتقد في ظل وجود لاجئين قادمين من تيارات مختلفة أهم خاصية تميز الديربيات، خاصية الندية والحساسية التي ظلت تميز نزال أبناء الدرب الواحد الذين كانوا يروحون للحمام سوية ويخرجون للتسوق جماعة وهم يستهلكون موضوع الديربي منذ وضعه ضمن جدول البطولة لغاية نهاية الموسم. بعد رسالة الإفلاس التقني والتي لم تمثل اكتشافا كبيرا، لأن واقع الكرة والمستوى ببطولتنا إنكشف منذ نطحنا الرأس الأخضر وزمبقنا الموزمبيق وطنز علينا الطانزانيون، كانت هناك رسالة أخرى مررها جمهور الرجاء للجامعة، وهذه المرة ليس بوضع غايبي في العمارية كما كان بالكلاسيكو، بل بحشره ورئيس الجامعة في «كارافان» الرئيس الفعلي الذي هو أكرم، في قمة التهكم وقمة السخرية من واقع علاقة ناد كبير بقيمة الرجاء بالجهاز الوصي عليه وعلى باقي الفرق. وتبقى الرسالة الأكثر خطورة والأكثر دلالة تلك التي إختارها جمهور الوداد بمقاطعة الموعد الكبير، ومعها سيفهم البعض لماذا قلت نسبة مقروئية الصحف و المطبوعات الرياضية بشكل عام في هذا البلد، فجمهور الوداد أكد أنه جمهورية كروية معزولة ومستقلة لها حدودها ولها نظامها الكروي الخاص بها. فلا استعطافات الحكماء والعقلاء الذين ناشدوا الوينرز بتأجيل زمن البعاد والمقاطعة لما بعد الديربي حفاظا على قيمة الرهان ورمزيته، ولا الميساجات التي تم تمريرها بالواضح والمرموز أتت أكلها، وبدا الفدائيون الوداديون أكثر من متصلبين في المواقف والطرح وأكثر من مصرين على هدم «الباش على مول الحفلة». رسالة المقاطعة دمرت مكتسبات الديربيات السابقة ونسفت هذا الموعد نسفا، وزادت الوضع بؤسا والمشهد حزنا والفضاء قتامة. رسالة هدفت للتعبير على أن صوت الشعب يعلو ولا يعلى عليه، وعلى أن التنطع وسياسة «أنا وحدي نضوي لبلاد» لا تستقيم وصوت الأغلبية، لأن الوينرز سواء أخطأ التقدير والزمن أو لم يخطئ فقد أكد أنه قوة إقتراحية إن لم يكن قوة فعلية. بكل الإختصارات التي تختزل حجم القنط والضجر الذي خلفه هذا الموقف كان العنوان البارز لهذه المباراة «الديربي اللي نتسناو بركتو دخل السجلات ببلغتو».