نحزن على أن الأسود فرطوا في فرصة تاريخية لتركيع فيلة إيفوارية لم يفلحوا في ترويضها منذ 22 سنة؟ بالتأكيد نعم.. نحزن على أن الفريق الوطني فوت على نفسه تحقيق الفوز الذي يصعد به لصدارة مجموعة مشتعلة، كل مبارياتها حقول ألغام؟ مؤكد نعم.. ولكن لا فيزيونومية المباراة ولا النوايا التي أبرزها الأسود في لقائهم أمام كوت ديفوار ولا حتى الأسلوب التكتيكي الذي اختاره هيرفي رونار لمقارعة الفيلة، كل هذا لا يبقي فينا أي ذرة ندم على ضياع الفوز الذي كان يمثل للفريق الوطني رهانا إستراتيجيا في ممشاه الإقصائي، فكل ما جرى توظيفه خلال المباراة من لاعبين ومن تموضعات ومن رسوم تكتيكية، كان الهدف منه هو فرملة الفيلة واتقاء شرهم الهجومي المستطير، فأنا علي يقين من كل الذي شاهدته، أن رونار الناخب الوطني ودوسويي الناخب الإيفواري توافقا من غير تصريح معلن على نيل النقطة الواحدة، فإن رضي بها الإيفواريون كثيرا لأنها تبقيهم في صدارة المجموعة، بالنظر لقيمة الغيابات الوازنة التي سجلت في صفوفهم، رضي بها رونار قليلا، ما دام أن التعادل يضعف الآمال ولكنه لا يعدمها بالكامل وهو في النهاية أفضل من خسارة كانت ستقتلع الصرح من جدوره. كل ما فعله رونار لتلجيم الفيلة، أنه تحايل كثيرا على توظيفات اللاعبين، فقد حرص على أن يكدس اللاعبين في وسط الميدان للتغطية على عدم قدرة لاعبينا على ربح النزالات الهوائية وأيضا لتعقيد مهمة البناء عند الإيفواريين، وكل تنشيطه للجانب الهجومي كان فيه تفكير إستباقي لضياع الكرة. طبعا نحزن على ضياع الفوز لأنه مثل للفريق الوطني خيارا إستراتيجيا، إلا أننا إزاء هذا الذي شاهدناه في مباراة الغابون بفرانس فيل وأيضا في مباراة كوت ديفوار بمراكش، لا يجب أن نقضم الأصابع ندما على ضياع الإنتصار، لأن ما قدمناه في المباراتين معا لا يشفع لنا بالفوز، فإن أقررنا بوجود منظومة دفاعية مصاغة بطريقة جيدة، يدل عليها أننا لم نستقبل أي هدف في نزالي الغابون وكوت ديفوار، بل إن هذه المنظومة جعلت الفريق الوطني في منأى عن تهديدات الخصوم، وقد كان للغابون هجوم من نار مشكل من أوباميانغ وماليك إيفونا وكان للكوت ديفوار ثنائية هجومية مرعبة مشكلة من كودجيا جوناتان وسالومون كالو، ولو أنه غاب عنها المرعب جيرفينيو. إن كانت منظومتنا الدفاعية قدمت الكثير من عناصر الثقة وبوادر الإطمئنان، فإن منظومتنا الهجومية ما زالت نيئة حتى لا أقول هشة بسبب غياب تركيبة هجومية ذات نجاعة كبيرة وبسبب غياب رمح هجومي ملتهب، وليس هناك من دليل على هذه الهشاشة، أكثر من أن رونار الساخط مثلنا على يوسف العرابي، لجأ كخيار بديل إلى يوسف الناصيري الذي ما زال عوده طريا ولم يصبح مهاجما يدمن التهديف لقلة زمن اللعب في مفكرته، برغم ما يبديه الفتى من جرأة ومن إصرار على حرق المراحل. ولو أنني أحيى رونار على أنه نجح لأبعد الحدود في تنزيل المنظومة الدفاعية بما أعطاه القدرة على تفريغ كل قدرات الخصوم في مبارياته الرسمية التي لعبها مع الفريق الوطني، وقد لجأ في ذلك إلى التحايل على الغياب المضطرد لعنصري الإرتكاز في الوسط (عوبادي والأحمدي)، إلا أنني لا أفهم إصراره على تغييب رجلي الرواقين الأيمن والأيسر في دفاع الفريق الوطني، فؤاد شفيق وأشرف لزعر إلى الحد الذي جازف معه بإلباس نور الدين أمرابط جلباب الظهير الغريب عليه، والذي ما عرف كنهه ولا أسراره برغم ما أظهره كما هي عادته من سخاء في الجمع بين الوظيفتين الدفاعية والهجومية، وإلى الحد الذي جعله يعتمد كظهير أيسر لاعبا يافعا هو حمزة منديل لا يستطيع بحكم وجوده في صف البدلاء داخل نادي ليل الفرنسي من التأقلم مع المستويات العالية، والإتيان بالزخم الهجومي المطلوب في مثل هذه المباريات. ومع ما كان من إعاقات على مستوى الشق الهجومي للأظهرة، فإن كلا من بوصوفة ورومان سايس الموظفين في دور السقاءين لم يتمكنا برغم الجهد المبذول على مستوى افتكاك الكرات، من إعطاء المد الهجومي ما كان يحتاجه من إنسيابية، ما أعاق عملية الربط وما أصاب بالبطء الشديد الإنتقال من الحالة الدفاعية للحالة الهجومية، وما جعل الأدوار الهجومية لا تتجسد على أرضية الملعب بالشكل المثالي، وأبدا لم نلمس وجود ما يكفي من التناغم بين الثالوث بلهندة وطنان وبوفال لتخصيب الجانب الهجومي. لا نستطيع القول تحت أي سبب أن الفريق الوطني بتعادله الأبيض الثاني على التوالي خرج من سباق التأهل لكأس العالم، فما زالت هناك 12 نقطة مطروحة للمنافسة، وما يباعده هو والمنتخب الغابوني عن كوت ديفوار نقطتان، ومن شأن أربع جولات أن ترسم للمجموعة تضاريس غير متوقعة، إلا أن ما يجب أن يحضر اليوم كسؤال: كم من الوقت يحتاج هيرفي وونار لكي يضع لمنظومة اللعب وجها هجوميا في قوة ونصاعة الوجه الدفاعي الذي أبرزه اللقاءان أمام الغابون وكوت ديفوار؟ وهل من شأن العودة التي تلوح في الأفق لكل من الأحمدي وعوبادي ودرار وحتى زياش، أن تزيل عن وجهنا الهجومي مسحته الشاحبة؟ خلاصة الأمر، لا يجب أن يكون التعادل على مرارته أمام كوت ديفوار بالمسافات التي يسبقنا بها في بناء الهوية وقوة التأثير في كرة القدم الإفريقية اليوم، مدعاة لتكسير المجداف وتحطيم الأمل الذي بدأ يتشكل برؤية منتخب قوي، فقد قلت مرارا أن عملية الصعود إلى القمة تحتاج إلى كثير من الصبر، وفي قانون كرة القدم الحديثة لا أحد يمكن أن يصل إلى هذه القمة بمحض الصدفة. لا يحتاج رونار لأن يقول لنا أنه لا يملك عصا سحرية حتى يغير فريقنا الوطني 360 درجة، فنحن أعرف بحقائقنا وأعرف بما إرتكبناه في حق فريقنا الوطني من أخطاء، وما نريده منه فقط هو أن يخلص في عملية البناء على ضوء ما حققه من نجاحات سابقة.