احسينة المايسترو والبرمجة زيرو قليلون من جيل اليوم من يعشقون كرة القدم ويتنقلون بين ملاعبها ويصنعون الوجه الآخر لاحتفاليتها على المدرجات، يعرفون من يكون احسينة أنفال الذي أسلم الأربعاء الماضي الروح لبارئها وقد دخل للتو عقده السادس، ووارت ساكنة القنيطرة جثمانه الطاهر الثرى بعد عصر يوم الخميس الماضي بحرقة ولوعة وحزن على الفراق. ربما عرفوه بما تيسر له من معلومات مبثوثة في الشبكات الإلكترونية لاعبا في صفوف النادي القنيطري، ومحترفا بنادي رين الفرنسي وأسدا حمل أمانة تمثيل منتخب الوطن على مدى خمس أو ست سنوات في سبعينيات القرن الماضي. منتهى الإجحاف في حق مبدع وفنان فاجأنا جميعا رحيله، فاحسينة أنفال الذي إنتمى بالجسد وبالقلب وبالوجدان لمدينة القنيطرة وجعل من الوفاء طبعا لا يتغير عندما لم يغير قميص الكاك إلا بقميص رين الفرنسي عندما وقعت له موهبته على تأشيرة العبور إلى فرنسا وطن الإحتراف، كان يستحق من الرواة ومن القنيطرة ومنا جميعا كموثقين للحركة الرياضية سيرة ذاتية تحكي عن روائعه وعن إبداعاته وعن البصمات الفنية التي تركها خالدة في ذاكرات أكيد أنها ستحترق ذات يوم إن رحّلها الموت عن هذا العالم. صغيرا في سنوات العشق شاهدت احسينة أنفال بقميص النادي القنيطري، وارتسمت وقتذاك في مخيلتي صورة عن فنان ومبدع ومهاري وقائد ملهم لأوركسترا رائعة كان النادي القنيطري يقدمها لكرة القدم الوطنية في أزمنة متقطعة.. أطل احسينة أنفال بسمرته التي تذكر بقزاحيات المغيب في بداية السبعينيات ، برفقة جيل أستطيع أن أقول عنه جيل أسطوري ، جيل تكون من لاعبين أفذاذ، جيل يقوده العميد المكافح والنجم الساطع بوجمعة، ويضم أيضا البوخاري، ليشا، كالا، ميلود، بنعيسى، بام بام والأشقر الصغير البوساتي وتتوسطه لؤلؤة مشعة، احسينة أنفال الذي جعلنا أسلوب لعبه وأناقته وعبقريته نلقبه ببيلي، الأسطورة الذي بايعناه في تلك الحقبة ملكا على كرة القدم. هذا الجيل سيعطي للقنيطرة وللكاك لقب البطولة الثاني بعد الأول الذي تحقق سنة 1960، وهو جيل محمد، عبد السلام، بلخير (1) وبلخير (2) وحمو والحارس عمار. ولأن فرنسا التي شيد في ربوعها المغاربة المبدعون إمارات كروية ما زالت إلى اليوم ماثلة للعيان، كانت لها دائما عين على مولد الإبداع بالمغرب، فإن مسؤولي نادي رين سيقتنعون بالروائع التي كان يصممها احسينة أنفال ويتعاقدون معه، إلا أن ما كان لحسينة من إرتباط وثيق بالمعيش المغربي وبالوسط القنيطري سيؤثر كثيرا على مردوده، ما دفعه إلى طلب فسخ عقده بعد سنة ونصف قضاها برين، ليعود مجددا إلى البيت الأول، إلى حضن الكاك ويسهم في وضع اللبنات الأولى لجيل خرافي آخر تشكل من البويحياوي، خليفة، عزيز بوعبيد، كالا، البوساتي، انقيلة وجمال جبران، جيل سيضيف للنادي القنيطري لقبين آخرين للبطولة (1981 1982) وسيضع لمتعة العين أسلوبا كرويا فريدا من نوعه. في شهر أكتوبر من سنة 1976 عاد احسينة أنفال إلى القنيطرة ليلتحم مجددا بمركبة الكاك المحلقة في سماء العطاء، ولم يستمر الأمر لأكثر من سنة ونصف السنة، إذ سيتذكر مسؤولو نادي رين الفرنسي نجمهم أنفال وسيعودون بعد أن حصلوا على معلومات تقول بوصوله لمرحلة النضج إلى طلب ضمه إلى صفوفهم، وهو ما قبل به أنفال الذي سيبصم في موسم 1979 1980 على واحد من أقوى مواسمه في الإحتراف الفرنسي بتوقيعه 12 هدفا، إلا أن إصابة بليغة في غضروف الركبة ستنهي سريعا مشواره لتعيده في يونيو 1982 وهو في سن الثلاثين إلى فريقه النادي القنيطري، برغم أنه عاد إلى بروطاني ليلعب لأحد أندية الهواة، وبعد الإعتزال إنخرط احسينة أنفال في سلك التأطير وعمل لسنوات مؤطرا لصغار نادي رين، قبل أن يقرر العودة نهائيا إلى المغرب حيث إنضم لفريق العمل التقني المشرف على تأطير صغار النادي القنيطري.. رحم الله احسينة أنفال، فقد غادرنا منه الجسد، أما ما كان من روحه وإبداعه وروائعه فهي خالدة بيننا، على أمل أن تخلدها للعقود الآتية سيرته الذاتية التي نرجو أن نجد من يوثقها.. ----------------- نقول عن أنديتنا المقيدة في أسلاك البطولة الإحترافية أنها تعاند وتكابر وتتعذب بكافة مكوناتها للإنتماء فعليا إلى الإحتراف الذي له أحكامه وقواعده وتضاريسه الوعرة أيضا، برغم أن ما هو واقع ماثل للعيان ومجرد من كل المساحيق يقول بأن هذه الأندية تبتعد عن الإحتراف بعد الأرض عن السماء، والحقيقة أنها ليست وحدها من يتعذب ويعاني في فصل الجسد والفكر عن محيط الهواية، فالجامعة ببرمجتها على الخصوص تؤكد أنها تحت درجة الصفر من حيث الإحتراف. للوهلة الأولى، قد أبدو للبعض متناقضا، فقد إمتدحت في مرة أو مرتين البرمجة وقلت أنها تحاول أن ترفع من قيمة المنتوج الكروي المصدر ببطاقة إئتمان إحترافي، برغم ما تكرهها حقوق البث التلفزي عليه من برمجة مضطربة أحيانا، إلا أنني أقف اليوم عند برمجة دخولنا الكروي على أشياء مفزعة ومخيفة لو قرأناها بعمق وبتجرد كامل لتوصلنا إلى أن الجامعة بصدد إطلاق رصاصة الرحمة على بطولة إحترافية وهي بعد في المهد. قبلنا تجاوزا بأن تربط الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم نهائي كأس العرش مع شهر نونبر الذي يشهد كل سنة إحتفالات المغرب باستقلاله المجيد، وقبلنا أن تكون في ذلك إستثناء داخل كرة قدم جرت عولمتها، ولكن ما كان ينبغي أبدا أن نقبل بهذه البرمجة السيئة لدوري السدس عشر والثمن النهائي.. في سابقة تستحق معها الجامعة أن تدخل كتاب غينيس للأرقام القياسية، برمجت منافسات سدس عشر نهائي كأس العرش على مدى 13 يوما (من 16 غشت إلى 28 غشت) فرضت على الأندية التي تتأهب لدخول النسخة الثانية للبطولة الإحترافية أن تقف على النقيضين، فإما أن تكون قد تأهلت لدور الثمن وتواصل التحضير لبطولة تنطلق بعد 15 يوما، وإما أن تكون قد أقصيت من دور سدس عشر وأصبحت مكرهة على تصميم معسكر تحضيري من حجم مختلف يكلف الشيء الفلاني ويحتاج إلى جهد خرافي لترميم المعنويات، أما الأندية القادمة من أقسام الهواة، فكأنها أخرجت من الكهف، وهي التي لا تتعدى ميزانياتها ملايين بعدد أصابع اليد الواحدة ولن تنطلق بطولاتها إلا خلال شهر أكتوبر القادم. كان ممكنا أن تبرمج الجامعة كل أدوار كأس العرش من دور السدس عشر إلى المباراة النهائية ما بين شهري شتنبر ونونبر في أيام أربعائية وتساوي الفرص بين الجميع وتشدنا جميعا إلى هذه المنافسة الغالية وترفع عن أندية قلنا أنها في سفوح الإحتراف المعاناة المادية والتدبيرية. ثم كيف نقبل أن تكون أول نسخة للبطولة الإحترافية قد إنتهت يوم 28 ماي 2012، وتنطلق أولى جولات النسخة الثانية من هذه البطولة الإحترافية يوم 14 شتنبر 2012؟ كيف نقبل أن الأندية المجازة للعب بالبطولة الإحترافية قد أكرهت على التوقف عن اللعب لمدة ناهزت 110 يوما وأنها بدأت للتحضير لموسمها الكروي الجديد قبل 85 يوما من إنطلاقته؟ من هو هذا العبقري الذي برمج لعطلة عن المنافسات دامت كل هذا الوقت؟ ولماذا تصر الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم على أن ينجز البرمجة إداريون وليس تقنيين من ذوي الإختصاص؟ أنا أقول أن الكثير من الأندية رسبت في امتحان الإحتراف لعطل في الميزانية حينا ولهواية العقول المسلطة على التسيير أحيانا كثيرة، أما الجامعة فقد رسبت في امتحان التدبير الإحترافي لشؤون البطولة ولشؤون الفريق الوطني لأنها تصر على تهميش الرأي التقني..