الملاكمة الذهبية الطريق إلى لندن لم يكن سهلا ولا مفروشا بالورود لملاكمي المغرب خلال التصفيات الإفريقية المؤهلة إلى الألعاب الأولمبية بمشاركة كبيرة وكبيرة لما يفوق 197 ملاكما يمثلون 34 دولة.. وطريق المغرب إلى لندن كان حاسما وإراديا جمعية مكونات الملاكمة بتحدي نفسي ومعنوي في سياق جديد الدورة الإفريقية الصعبة بالنظر إلى القوانين الجديدة التي فرضها الإتحاد الدولي في حصر التأهل في دورة واحدة عوض اثنتين كما كان الحال في دورة بكين.. وشدنا الحضور المغربي بأبطاله الكبار في مختلف الأوزان وبتأهلم النوعي والقياسي للأولمبياد بسبعة ملاكمين حازوا خمس ميداليات ذهبية وفضيتين في أمسيات صاخبة رافقها الشعور والحس والإعتزاز الوطني الموكول دائما للملاكمين المغاربة في أقوى النزالات القارية والأولمبية والعالمية.. ومجرد أن يتأهل سبعة ملاكمين إلى الأولمبياد من أصل 197 ملاكمًا يمثلون 34 دولة أي بنسبة تمثيلية لكل دولة (6 مشاركين)، هو إنجاز مثير لملاكمينا وبدون تحيز ولا هدايا مجانية للتأهل، وإنجاز رفع سقف المشاركة المغربية بقوة في الأولمبياد علها تكون رافعة أخرى لتكريس مبدإ انتزاع أحد الميداليات الأولمبية والرابعة للمغرب في الدورات الأولمبية بعد البرونزيات الثلاث التي حصدها كل من عبد الحق عشيق عام 1988 في سيول ومحمد عشيق عام 1992 في برشلونة، والطاهر التمسماني عام 2000 في سيدني. ومن خلال هذا السباعي المتأهل في مختلف الأوزان يقودهم الأولمبي الأسبق محمد العرجاوي وعبد الحق عتقاني وعبدالعالي درعة وأبوبكر الصديق اللبيدة وأحمد بركي والمهدي خالصي وبدرالدين الحديوي، تظهر ملامح القوة المغربية في الفن النبيل إسوة بالجيدو والتايكواندو وأشكال أخرى في مختلف التظاهرات القارية، بل وقدمت ذات الأسماء حضورا بارزا في الجزائر 2010 خلال بطولة كأس أمم إفريقيا، لكن مع تحيز سافر للتحكيم إحتج عليه الوفد المغربي وقتها (بعد أن تأكد له أن ملاكميه كانوا ضحية مناورة غادرة) على المسؤولين والمنظمين وهددوا بالإنسحاب في حالة ما إذا استمر الوضع في التحيز نحو الجزائر من طرف التحكيم.. وربما كان لهذه المشاركة الإفريقية تهييئا نموذجيا لهؤلاء الأسماء التي حضر ب (الصديق اللبيدة، محمد عرجاني، عبد العالي درعة، أحمد بركي بالجزائر لتقيس نفسها اليوم بوزن الصفة الأولمبية أكثر منها إفريقية، مع أن المشاركة المغربية كانت دائما حاضرة في الأولمبياد بمقاس الإنجازات المسبوقة عدا دورتي أثينا وبيكين التي لم يحصد فيها المغاربة رابع ميدالية في تاريخ الملاكمة بالأولمبياد.. وبرغم أن العدد المشارك في الأولمبياد قد نزل إلى سبعة مشاركين عوض 10 متأهلين في الدورة السابقة من خلال نتائج الدورة الإفريقية التي أقيمت الأسبوع الماضي بالمغرب، فلا يعني أن الملاكمة تراجعت تأهيليا في مواردها البشرية، بل واصلت وما زالت تصر على التمثيلية المباشرة والزحف الأكبر أمام كبار ملاكمي العالم في الدورات الأولمبية بمقاس العالمية، مدركين أنه رغم الإمكانيات الهزيلة التي ترصد لهذا المعقل العراكي، فرجال الحلبة يؤكدون في كل التظاهرات الدولية أهليتهم الوطنية وقدرتهم على الوصول إلى آخر الأشواط النهائية.. ولو جاز لوزارة الشباب والرياضة اليوم أن تقود معركة إضافية لدعم الملاكمة وكافة مكونات الجامعة التي تخدم المصلحة الوطنية بالإنجاز الفعلي والمشاركة الفعالة في الأولمبياد، لربما فاقت الملاكمة كل التوقعات ولا نخرط فيها الممارسون بأضعاف الموجودين حاليا في مختلف الأوزان، ولكان للأندية أيضا متنفس مالي يساعد على تكوين الأجيال. والملاكمة المغربية في نجومها السابقين عانوا كثيرا في موردهم المعاش، وتأثروا لفقرهم وعوزهم، لكنهم رفعوا رأس المغرب عاليا في الأولمبياد وفي أقوى حلبات إفريقيا والعالم، وأسمعوا صوت المغرب عاليا، وبكوا لهذه الصورة الخالدة لمجرد أنهم منحوا ميدالية إعتراف أولمبي في الملاكمة واستحقاق برونزي، وحين قدم بعضهم هذا الإنجاز وربحوا مأذونية تساعد على العيش الكريم أصبحوا اليوم مثار حديث في لائحة المستفيدين من رخص المأذونيات، ومن يدري فقد يكون السباعي المغربي المتأهل حاليا بدلالات أخرى من القياسات الحياتية المختلفة، لكنه سيرحل إلى الأولمبياد من أجل انتزاع ولو ميدالية واحدة للمغرب كأفضل إنجاز آخر للملاكمة المغربية، وإذ كنت أصر على أن هذا النوع من الرياضات لا بد أن تغيّر صورته التنظيمية بأشكال دعم قياسية لرفع سقف مشاركاته الدولية شريطة أن تدعم أندية المغرب وحلبات المغرب وأطر ومدربي الأندية المغربية بكل الخصائص المالية واللوجيستيكية، وما نريده أصلاً هو رامبو الحلبات في المغرب، ورامبوات في الأولمبياد للفوز بميداليات الذهب أكثر منها فضية ونحاسية مثلما كان الحال عليه في ألعاب القوى في مختلف سباقاتها برجال المرحلة والسرعة المطلقة.. هذا هو أصل قراءة إنجاز التأهل إلى الأولمبياد ليس بواقع المشاركة، بل بكيفية تدبير الأولمبياد بقيمة ومعنى الحصول على الميدالية ما فوق النحاسية، أي بقراءة تدرج الميداليات بالقوى المطلوبة للإحتراف في الحلبات ماديا ومعنويا وحسيا..