ما الذي ذهب بالناخب الوطني حسن مومن في هذا الظرف بالذات إلى أربع دول أوروبية تنقل بينها في أزمنة قياسية، عقد جلسات عمل وأقام تناظرات وإستمع إلى نبض ظل للأسف غائبا في أدبيات الحوار؟ وهل كان من المفيد جدا·· جدا أن يلتقي هناك بلاعبين يعرفونه كما يعرفون أسماءهم ويفهمونه كما يفهمون أشياءهم الصغيرة قبل الكبيرة ويحفظون عن ظهر قلب صورته وفكره وحسه المهني؟ وهل كان حريا بحسن مومن أن ينصرف عن ترتيب مباراة قوية تنتظره يوم السبت القادم أمام منتخب الغابون بليبروفيل، ولا يملك والفريق الوطني من خيار آخر سوى الظفر بنقاطها الثلاث، ويشغل نفسه بمفاتحة لاعبين مغاربة بجنسيات أخرى لن يستطيع في أحسن الأحوال، مهما كان بليغا في الحوار وجريئا في الخطاب ومنطقيا في المقاربة أن يعتمد عليهم في مباراة الغابون؟ أسئلة كهاته وغيرها إجتهد زملاء إعلاميون في صياغتها بإعمال نظام برهنة يقوم على معطيات ذاتية لا تستطيع بأي حال من الأحوال أن تكون لها ولو نسبة عشرة بالمائة من الموضوعية، وكنت سأقبل بها قارئا شغوفا بالمعرفة وبفضولها لو أنني وجدت أولا تفاصيل عن رحلة مومن إلى أوروبا تتسم بالصدقية، تبتعد عن المزايدة وتترفع عن إثارة الرأي العام الوطني بأشياء قدحت العملية، سفهت الرحلة، وحكمت على المبادرة نصا وروحا بالفشل·· هالني فعلا وأنا أطلع على أخبار منها ما قال أن حسن مومن لم يحصل على التأشيرة، ومنها ما قال بأنه ظل لساعات أمام السفارة الألمانية من دون أن يلقى طلبه القبول، ومنها ما قال وأجمل بأن الرحلة إنتهت إلى فشل ذريع، لأن حسن مومن كناخب وطني ركب رأسه بأن إختار توقيتا غير مناسب لزيارة كان يجب أن يرتب لها بكامل الإحترافية و>الرواقة<·· فإلتقى بلاعبين ولم يلتق بآخرين، وطبعا للجامعة مسؤولية في هذه >اللخبطة<، فهي بما يفترض أن متغيرها الإداري قد جاء به، وضعت حسابا لكل شيء، وكان ممكنا بإعمال العقل أن تصرف حسن مومن عن هذه الرحلة·· وانتهيت حزينا إلى أن الإعلام كان في واد وحسن مومن في واد آخر·· فالفارق بين الرحلة التي يرويها هو بعظمة لسانه وبين الرحلة التي روتها بعض وسائل الإعلام دون أخذ بالإعتبار أحكام القيمة فارق كبير ومهول يستحيل معه كل قياس·· وقلت أن حزني شديد وكبير لهذا الذي إنتهت إليه وانتهى إليه حسن مومن، وانتهى إليه كل المغاربة وهم يطلعون على سرد لرواية لا تتطابق مع الأصل، لأن المرحلة الحالية وقد ميزها وجع ومعاناة وحرقة على كارثية المآل، تحتاج إلى توافق وطني، نقنع معه أنفسنا كإعلاميين وكفاعلين وكرأي عام أننا في مركب واحد، وليس من مصلحة أي أحد أن يسير هذا المركب ضد التيار·· وأجدني مدفوعا ليس بغرض الإنابة لتقديم الإعتذار عن شطط حدث في إعمال سلطة النقد وفي التعاطي مع قدسية الخبر، ولكن بإعمال النزاهة الفكرية أن أهنئ الناخب الوطني على مبادرته بالتحرك نحو أوروبا في هذا الظرف بالذات لضرب أكثر من عصفور بحجرة واحدة· ربما كان ضروريا بعد زمن طويل من الجفاء الذي تعمق مع مدربين وناخبين أجانب، كان لا يهمهم في أزمنة بيضاء لا يكون فيها للفريق الوطني أي نشاط، سوى أن يحصلوا على تراخيص ليقوموا بإجازات موصولة، أن يتوجه مدرب وطني للقاء لاعبيه هناك بمعقلهم داخل أنديتهم، يشعرهم بالدفء أولا وبالإهتمام المؤسس على إحترافية التعامل ثانيا وبشعار المرحلة الذي نحمله كمغاربة ثالثا·· ثم كان حسما لجدل طويل ومستهلك وقطعا لدابر الإشاعات أن يزور الناخب الوطني بمعية عضو جامعي (كريم عالم) لاعبين مغاربة، يحملون بطبيعة المولد والنشأة جنسيات أخرى إلى جانب جنسيتهم المغربية، وسبق لهم أن لعبوا في صغرهم لمنتخبات غير منتخب المغرب، واحتاجوا لمن يدلهم على طريق عرين الأسود، لمن يعرفهم بلا أدنى تزويق أو تنميق على منتخب بلدهم الأصلي، ولا أفهم لماذا يتوجس بعضنا عندما يقول بعض هؤلاء أنهم بحاجة لبعض الوقت لتعميق التفكير أو أنهم بحاجة للتعرف على مشاريع الجامعة، فقد حذر الإحتراف كل هؤلاء من أن يجازفوا، علمهم تكوينهم أن يدققوا في كل الأشياء، وأخيرا أخبرهم حسهم المهني بضرورة التحري، فتلك حياة رياضية تبنى على العقل أكثر ما تبنى على الأهواء·· وقد قلت في أكثر من مناسبة أن الجامعة بطرفيها الإداري والتقني محتاجة لأن تتحرك نحو مغاربة أوروبا لتجثت دابر الخوف بداخلهم، لتقدم الصورة الحقيقية للفريق الوطني بدل تلك المبتذلة والتي تجتر في كثير من المواقع والمنتديات ويصل صداها لغاية الأسف إلى لاعبين فيصيبهم ذلك بالإحباط وبالخوف في زمن أصبحت فيه كل الخطوات محسوبة·· ويكون مفيدا للغاية أن يتحرك الناخب الوطني أيا كان مسماه ونعثه بين الحين والحين ليلتقي لاعبيه في مواقعهم الكروية حيث يتواجدون يوميا، ويكون أكثر إفادة لو إختارت جامعة الكرة من بين النجوم المغاربة المعتزلين من يكون سفيرا لها بأوروبا، يلتقي اللاعبين ومدربي ومسؤولي أنديتهم ويختزل لهم مشروع الكرة الوطنية الجديد، ولا أشك ولو للحظة أن مصطفى حجي الذي كان مثالا يحتدى لجيل كامل من اللاعبين المغتربين هو أجدر لكفاءته وكاريزميته ومكانته الكبيرة في القلوب بتحمل هذه المسؤولية·· ثم إن ذات النجاعة والإحترافية يجب أن نعملهما في تعاملنا مع لاعبينا المحليين الذين بات يمثل لهم اللعب للفريق الوطني أكبر المستحيلات، فنوفر لهم أجواء الإبداع التي تحث على العمل، تحفظ الكرامة وتبعث الأمل في المستقبل·· عمل قاعدي يغير منظورنا للأشياء ويجعلنا متطابقين فكريا مع عصرنا، وعندها سنقول بأننا قطعنا أول خطوة في بناء منتخب وطني منتظم في الأداء، يلبي فعليا حاجة شعب يسعد لانتصاراته ويمرض لهزائمه وعثراته·· ---------------- أقصى ما يمكن أن يبلغه الفريق الوطني لأقل من 20 سنة المشارك حاليا في الألعاب الفرنكفونية التي تستضيفها لبنان في غياب شبه تام للجمهور، هو الميدالية البرونزية بعد أن أضاعت عليه الهزيمة >الشمتة< أمام كوت ديفوار الحضور في المباراة النهائية ومحاولة تكرار الإنجاز الذي كان قد تحقق سنة 2001 خلال دورة كندا رفقة الإطار الوطني مصطفى مديح·· وقياسا بما كانت عليه التحضيرات من ضعف واضح فإن بلوغ المنتخب المغربي الدور النصف النهائي يدخل بكل أمانة في عداد الإنجازات، تماما كما أن هذا الذي حدث يدعوني إلى أن أثبث ملاحظتين في غاية الأهمية·· أولهما إذا ما كنا نعتبر أي حضور في أي تظاهرة كروية إقليمية أو عرقية أو حتى >لغوية< وثقافية هو إنعكاس لقيمنا الكروية الجديدة التي لا مكان فيها للصدفة أو للإعتباطية أو حتى للإرتجال، فإن الحرص مستقبلا يجب أن يكون كبيرا للبحث عن أفضل تحضير ممكن، وأنا موقن من أن هؤلاء الأشبال إن أعطوا مساحة زمنية كافية للعمل وللإحتكاك لكانوا بصورة أفضل بكثير مما كان عليه الأمر بلبنان·· ثانيهما إذا ما كنا سنحتكم إلى هذا الفريق الفرنكفوني لنبني منتخبا أولمبيا ننافس به لبلوغ نهائيات الألعاب الأولمبية بلندن عام 2010، فإن نجاحنا يفرض أن نؤسس الهيكل التقني أولا بأن نختار بإعمال المنطق والتدقيق فريق العمل التقني·· وأن نضع ثانيا قاعدة لبناء هذا المنتخب الأولمبي والذي يمكن أن يكون عناصر من المنتخب الفرنكفوني إحدى دعاماته، مع ضرورة الإنفتاح على لاعبين مغاربة هم دون الواحد وعشرين سنة يتواجدون في كثير من النوداي الأوروبية·· ثم تأتي الخطوة الأهم·· وهي أن ينخرط هذا المنتخب بعد أن يتشكل فريق العمل التقني في تحضيرات قوية ويخوض مباريات ودية تهيئه لمرحلة التصفيات التي ستطل علينا عن قريب·