"ناضل" نوابنا من أجل رفع رواتبهم وحققوا ذلك، ثم "ناضلوا" من أجل رفع معاشاتهم وحققوا ذلك أيضا، لكن هل يمكنهم تحقيق ما انتخبوا من أجله؟ إن الداعي إلى هذا السؤال هو الثمن الذي يؤديه الشعب ككلفة لأجور وتعويضات النواب ومصاريف البرلمان بغرفتيه. فكم يكلفنا نوابنا؟ الإجابة لن تكون سهلة لأنها تتطلب قبول الجهات المسؤولة الكشف على جملة من المعلومات والأرقام، وهذا مطلب مازال بعيد المنال بالمغرب، لأن إدارتنا ظلت مسكونة بهاجس عدم توفير المعلومة المطلوبة لاعتقادها أنها ستساهم في إبراز مظاهر الاختلالات الكامنة داخلها. يجد المغرب نفسه في مواجهة تحديات كبيرة ومعضلات اجتماعية وثقافية إن لم يتم انطلاق سيرورة حلها سيزداد الأفق انسدادا أمام ملايين المغاربة، وعلى رأسهم الشباب، وهذا أمر لا تحمد عقباه. هذا الوضع يجبر القائمين على الأمور بالبحث على خلق دينامية اقتصادية واجتماعية، واعتبارا لندرة الموارد المالية وللاختلال العضوي المستدام لنهج توزيع الدخل والثروات المعتمد منذ حصول المغرب على الاستقلال، أضحى يتوجب على القائمين على الأمور، أكثر من أي وقت مضى، عقلنة تدبير وتسيير الكثير من القطاعات والشروع بالتصدي لما تأكد عدم جدواها مقارنة بكلفتها الباهظة التي تثقل كاهل ميزانية الدولة. وفي هذا المضمار تبرز كلفة البرلمان والبرلمانيين بشكل أضحى مقلقا على أكثر من مستوى، بدءا بالأجور والامتيازات المسلمة للنواب وارتباطها بجدوى العمل الذي يقومون به، وإشكالية مفهوم الروح الوطنية وتبذير مال الشعب وإشكالية ثقافة الكفاءة في صفوف نوابنا ووجوه استعمال المال الذي يتقاضونه كأجور وامتيازات، علما أنها مقتطعة اقتطاعا من جوع ملايين المغاربة وعلى حساب جملة من حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. كم يكلف نوابنا المغاربة؟ وهل جدوى العمل الذي يقومون به تبرر تلك الكلفة؟ تعويضات سمينة مقابل مردودية هزيلة رغم الشعارات المرفوعة من قبل جميع البيوت الحزبية المغربية، حول ترشيد المال العام ومراقبته بالقدر الذي يضمن عدم استغلاله فيما لا يعود بالفائدة على العامة، إلا أن الأرقام المثبتة على أرض الواقع تؤكد عكس ما تلوكه تلك الشعارات المرفوعة من قبل الأحزاب، الشيء الذي يمكن الاستنتاج على ضوئه، ضعف مصداقية الشعارات السياسية وخطاباتها الشفاهية التي تراوح مكانها، لتبقى مجرد كلام مرفوع في الهواء لا طائل يرجى من ورائه، وإذا ما حاولنا تسليط الضوء على بعض الأرقام الملموسة، سنقف لا محالة على مفارقات غريبة للغاية قد لا تدعو للاستغراب فقط إنما قد تصل بنا حد الحيرة في أمرنا، وإذا وضعنا مقارنة بسيطة للغاية بين تعويضات برلمانيي بعض الدوائر الانتخابية، وميزانية الجماعات التي فازوا بها سنقف على حقيقة مخجلة جدا، ففي دائرة ابن امسيك بجهة الدارالبيضاء الكبرى، يتواجد حسب التقطيع الانتخابي القائم برلمانيين، وتشاء الأقدار الانتخابية أن تفوز بنفس الدائرة برلمانيتين ضمن اللائحة الوطنية (بسيمة حقاوي – خديجة بلفتوح) ليصبح العدد أربعة برلمانيين على امتداد مساحة ترابية تجمع بين مقاطعتين (مقاطعة ابن امسيك – مقاطعة سباتة) تناهزان ديمغرافيا 400 ألف نسمة، هذه المنطقة مصنفة وطنيا في خانة أحزمة الفقر والخصاص، وعالميا ضمن المناطق التي تعيش أغلب ساكنتها تحت عتبة الفقر.. أي درجات تحت الصفر حسب المقياس العالمي للفقر. يتقاضى كل برلماني من هؤلاء الأربعة ما قيمته 43 مليون سنتيما وألفي درهم سنويا، أي ما مجموعه خلال مدة انتدابية تشريعية 216 مليون سنتيما.. وإذا ما اجتهدنا قليلا في لم الأرقام فوق بعضها سيسجل عدادنا864 مليون سنتيم لفائدة الفرسان الأربعة كتعويض عن الولاية التشريعية الحالية – وإذا ما رجعنا بنفس العداد لنقيس ميزانية مجلس مقاطعة ابن امسيك ومجلس مقاطعة سباتة، سنقف على مفارقة غريبة جدا، فميزانية مقاطعة ابن امسيك لا تتجاوز 340 مليون ومجلس مقاطعة سباتة 340 مليون سنتيما، وإذا ما جمعنا الميزانيتين نجدهما 680 مليون سنتيم، بما يؤكد بلغة الأرقام أن الإخوة البرلمانيين يحصدون مبالغ مالية ضخمة مقارنة مع ما يخصصه مجلس مدينة الدارالبيضاء لمقاطعاته الفقيرة للغاية، فحصة 864 مليون تساوي أكثر من ميزانية مؤسستين منتخبتين تضمان أكثر من 400 ألف نسمة بما يعادل برلماني لكل مئة ألف نسمة أي أن كل برلماني يعادل نصيبه من ميزانية الدولة التي هي في الأصل أموال الشعب، حصة 100 ألف مواطن عادي، ومع ذلك تنعت حصة الأسد هذه بالتعويض فقط، فكيف الحال لو أنها كانت أجرة؟! هذه المعادلة البسيطة جدا والعادية تماما والتي وقفنا عليها أثناء إجرائنا لحسابات عادية للأرقام العارية للتعويض الشهري لهؤلاء البرلمانيين دون إدماج الأرقام العملاقة التي يحصدونها عما يسمونه مهام خارج أرض الوطن، والتي تحزم فيها الحقائب في الاتجاهات المختلفة لجميع بقاع العالم في رحلات استجمامية رائعة، ترجع بالنفع العميم على برلمانيينا الأفاضل، والتي يجنون من ورائها تعويضات مهمة للغاية تساهم إلى حد كبير في نفخ رصيدهم المالي الذي غالبا ما يكون مفتوحا بأبناك خارج أرض الوطن تحسبا لتقلبات الزمن، والتي تضاعف أضعافا مضاعفة تعويضاتهم الشهرية الهزيلة. نفس القياس يمكن نسخه على منطقة البرنوصي بمدينة الدارالبيضاء والتي تعتبر بؤرة من بؤر الفقر وشريطا من أشرطة الخصاص، والتي تعيش على نفس الإيقاع مع برلمانييها الثلاثة الذين يتقاضون تعويضات عن مدتهم الانتدابية بقيمة 648 مليون سنتيم، مع العلم أن الميزانية العامة المخصصة لمجلس مقاطعة البرنوصي لا تتجاوز 340 مليون سنتيم، ويمكن الأخذ بنفس المعيار المنطقة التي تعيش في خط التماس مع البرنوصي ويتعلق الأمر بمنطقة سيدي مومن التي أصبحت نموذجا دوليا في تفريخ الجريمة وإنتاج القنابل الآدمية الموقوتة وأضحى كاريانها (طوما) ذا صيت دولي يضرب به المثل كمرتع للجريمة ومشتل للإرهاب بشتى أشكاله، هي الأخرى تعيش على نفس النغمة مع نفس البرلمانيين الأوفياء. كذلك تعيش عروسة الأطلس أو مدينة موجة البرد القاتل (خنيفرة) مع برلمانييها الخمسة الذين يتقاضون عن الولاية التشريعية الحالية ما يناهز مليار و80 مليون سنتيما وهو الرقم الذي يحقق الدفء للمستفيدين منه رغم اجتياح الطوفان البردي القاتل للمنطقة.. وهو مؤشر صارخ عن حرص القائمين على إدارة الشأن العام المغربي واجتهادهم الجبار في ترشيد المال العام وحمايته من جميع أشكال التبذير.. منطقة تازة هي الأخرى تختلط أشكال الخصاص وأرقام العطالة بها بأرقام التعويضات التي يحصدها البرلمانيون، فيبرز التباين جليا بين الأرقام، حيث يسجل عداد التعويضات الخاصة للبرلمانيين السبعة مليار و512 مليون سنتيم، في حين يسجل رقم الخصاص والفقر بالمنطقة طبقات سميكة لا مجال لمقارنتها مع تعويضات السادة البرلمانيين والتي تساوي مئات مناصب الشغل، ومئات المساكن، ومثلها من حصص العلاج، وفرص اتمام التعليم.. وغيرها.... كلها نماذج نضربها للقائمين على إدارة شأننا العام من أجل الوقوف معهم على حقيقة الأرقام التي طالما اجتهدوا لحجبها عن العامة، ليتأكدوا أن الزمن المخزني بحساباته العتيقة قد مضى وانقضى، وعلى هؤلاء المنجمين أن يدركوا بأن حسابات المغرب الجديد تختلف عنها في مغرب الأمس، وأنهم مطالبون بتجديد حساباتهم حتى تتلاءم مع الهواء المغربي الجديد وتنخرط ضمن الأرقام التي بات يتحكم في أزرارها حاسوب العصر بعيدا عن (حساب الكاشوش). حكومة برلمانية ب 333 وزير وسط جميع فئات الشعب المغربي، شكلت معاشات وتعويضات البرلمانيين نقاشا وسجالا متباينا للغاية، هناك من يعتبرها عبئا ماليا على ميزانية الدولة، طالما أن مردودية المؤسسة التشريعية بغرفتيها لا ترقى إلى مستوى الاستفادة من هذه الحصص الضخمة من مال العشب، خاصة وأن عداد الغيابات بالبرلمان المغربي قد حطم أرقاما قياسية دولية في أعداد الغائبين عن الجلسات العامة واجتماعات اللجان، الشيء الذي يتأكد بموجبه عدم أحقية تلك المخلوقات البرلمانية المغربية بالاستفادة من 3 ملايين ونصف المليون من السنتيمات شهريا، بالإضافة إلى مصاريف المهام خارج الوطن والتعويض عن التنقل والسكن وغيرها من الفواتير التي تدخل في خانة الامتيازات تصرف من المال العام لصالح البرلمانيين، والتي تكلف ما يقارب 200 مليار خلال كل مدة انتدابية من الرقم الإجمالي لميزانية الدولة، وهي التكلفة التي تبقى باهظة جدا قياسا مع مستوى الأداء البرلماني الباهث الذي ظل يطبع الحياة النيابية بالمغرب.. إضافة إلى أن مستويات الفقر المنتشرة عبر ربوع المملكة ومظاهر الخصاص التي تعم جميع مناحي العيش بالبلاد، وأرقام البطالة التي يسجلها عداد حاملي الشهادات العليا، ومظاهر الفوضى التي تجتاح جميع الميادين والمجالات بشكل متفاوت إلا أنه يلتقي في سلبياته الخطيرة بهذه المجالات، وهي كلها مؤشرات واقعية تؤكد أن مؤسسات الشعب لا تشتغل بشكل سوي، وإلا لما كان الحال على ما هو عليه، ولذلك فإن ما تحصده هذه الكائنات من أرقام ضخمة من الميزانية العامة للدولة لا توازيه خدماتها المتواضعة جدا والبسيطة في غالب الأحيان تجاه هذا الشعب.. هذا التباين العملاق بين مستوى الخدمات وحجم التعويضات.. رفع أكثر من علامة استفهام حول الموضوع، وجعله في موقع جدل بين العامة... ومبعث تساؤل حول ترشيد الميزانية العامة للدولة، ولحماية أموال الشعب من هذه التعويضات العملاقة التي باتت تستنزفها بدون طائل ودون وجه حق أيضا.. فيما ذهب الاعتقاد ببعض الفئات الشعبية إلى أن هذه التعويضات تدخل في خانة الامتيازات الممنوحة من طرف الدولة لفائدة هذه المخلوقات ضمانا لغض طرفها عما من شأنه تغيير الملامح غير المليحة التي تحيا عليها فئات واسعة من الشعب المغربي، خاصة وأنها تعويضات مغرية للغاية، مشفوعة بحصانة برلمانية وامتيازات لا حصر لها، في المطارات والفنادق والقطارات والمناطق السياحية المصنفة والرسوم الجمركية ومعاش دائم و.. و.. الشيء الذي تزكيه اللهفة القوية للمتنافسين على المقاعد البرلمانية خلال الانتخابات التشريعية العامة، والتي لا يحركها الهاجس الوطني إلا لماما، فقط هو الهاجس الانتخابي الانتفاعي يطبعها ويدغدغ أمانيها الوصولية.. فإذا كان الوزير يتقاضى 7 ملايين سنتيم شهريا والبرلماني يتقاضى 3 ملايين ونصف مليون من السنتيمات فإن عملية حسابية بسيطة تحيلنا إلى أن تعويض برلمانيين في بلاد المغرب يساوي تعويض الوزير الأول في الحكومة المغربية، بمعنى أن نسبة 595 نائبا برلمانيا في البرلمان بغرفتيه، تعادل 297 وزيرا من حيث التعويضات، بما يفيد أن 36 وزيرا بالحكومة الحالية إضافة إلى 237 وزيرا بالبرلمان، تصبح النتيجة 333 وزيرا بالمملكة المغربية، وهو رقم محترم قد نضاهي به الأمم الراقية والمتقدمة والديمقراطية، وقد يجعلنا في المقام الأول دوليا، ويمكننا كذلك من تحطيم الرقم القياسي العالمي في عدد الوزراء على المستوى الكوني.. هذه المقاربة إذا ما ربطناها باستمرار استخلاص الوزراء السابقين بالمغرب لما قيمته 40 ألف درهم شهريا، سنقف على أن النظام السياسي القائم بالمملكة يحافظ على التوازنات السياسية بالبلاد بواسطة هذه الامتيازات الممنوحة على شكل تعويضات شهرية محترمة، والتي ما أحوج المغرب إليها في مجالات أخرى أكثر أهمية من جبر خواطر البعض من المغاربة، كخلق مناصب شغل لفائدة ملايين العاطلين، أو لمحاربة المدن الصفيحية المنتشرة على امتداد المملكة أو بناء سكن لائق للفئات الكادحة أو... أو... أو. برلمانيون خارج التغطية من أبرز المظاهر السيئة التي باتت تسيء للعمل النيابي بالمغرب، ظاهرة غياب البرلمانيين عن حضور الجلسات العامة المفتوحة واجتماعات اللجان سواء بعذر أو بدونه، على مستوى الغرفتين، الشيء الذي ارتفعت بخصوصه مجموعة من الأصوات لحناجر من مختلف فئات المجتمع المغربي وفعالياته المدنية، تندد بالمشاهد البرلمانية التي تؤثثها المقاعد الفارغة في قاعة الجلسات أثناء البث التلفزي لهذه الجلسات، ويمكن القول بأن هذا الغياب القوي لفئات واسعة من المخلوقات البرلمانية رسخ موقفا سلبيا لدى الشعب المغربي تجاه العمل البرلماني، وشكل في المقابل نغمة نشاز في سمفونية الحياة النيابية برمتها، لدرجة أثرت على مصداقية هذه المؤسسة التشريعية ووضعتها في موقف حرج أمام الرأي العام الوطني، والتي يمكن اعتبارها من الأسباب الجوهرية في العزوف عن المشاركة في الاقتراع العام وعن الانتخابات بصفة عامة من طرف الكتلة الناخبة المغربية. وفي سابقة من نوعها نظمت فعاليات مدنية مغربية وقفة احتجاجية بتاريخ 12 يناير 2005 أمام قبة البرلمان تنديدا بهذه الظاهرة المشينة لغياب البرلمانيين. هذا الغياب المقصود،، طالما أنه غير مبرر، أثر بشكل كبير على الأداء البرلماني على جميع مستوياته، حيث أصبحت أرقام المصوتين على القوانين داخل قبة البرلمان ضعيفة للغاية مع العلم أن القوانين المصوت عليها تهم مستقبل البلاد وترهن مصير الأمة. إلا أن هذا التنديد والاحتجاج السري والعلني عن هذه الظاهرة المرضية، لم يثنيا تلك الكائنات الانتخابية عن العدول في استمرار غيابها، إنما واصلت مشوارها في عدم الحضور، بشكل تصاعدي هرمي، يتنامى مع كل دورة ويزداد مع كل اجتماع. مما يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن مؤسستنا البرلمانية لا تواكب التطورات الفكرية والعصرية التي طبعت الحياة المغربية الجديدة، مع العلم أنها تحصد أرقاما مالية ضخمة من ميزانية الدولة مع مطلع كل سنة مالية. هذا الغياب يؤكد في المقابل انعدام الحس الوطني لدى العديد من نواب الأمة، كونه شكلا من أشكال الإخلال بالمسؤولية التي حملتهم إياها ثقة الشعب المغربي، والغريب في الأمر أنهم حضروا جميعهم لما تعلق الأمر بالزيادة في تعويضات البرلمانيين لتتحول من 30 ألف درهم إلى 36 ألف درهم شهريا، كما أنهم حضروا عن بكرة أبيهم للتصويت على معاشات البرلمانيين، مما يؤكد أن هذه المخلوقات السياسية تطمع في تعويض دائم ولو على حساب الشعب ودون أية مردودية ترجع بالنفع على مصالح الأمة. للأسف أن الغش ظل يطبع سلوك العديد من هذه الكائنات البرلمانية ممن تحايلوا ليس على القانون فحسب وإنما على أداء واجبهم الوطني، لدرجة أنه في غالب الحالات تجد التوقيعات المثبتة على سجل الحضور غير متطابقة مع هذا الحضور نفسه، لأن عملية توقيع نائب باسم عدة نواب ظلت تشكل مانعا حديديا أمام ضبط حضور النواب للجلسات البرلمانية على مستوى الغرفتين.. ورغم المحاولات المتتالية لمحاصرة عملية الغياب والحد منها، إلا أنها ظلت ولا تزال تطبع الحياة البرلمانية المغربية. والحقيقة أن مكافحة هذه الظاهرة لا تحتاج إلى قوانين ومساطر تنظيمية للحد منها، إنما هي بحاجة إلى ارتفاع الحس الوطني في نفوس برلمانيينا المحترمين، لأنه كلما ارتفع هذا الحس الوطني في النفوس، كلما اقتنعت بضرورة حضورها لمواصلة الدرس الوطني في التعبير عن مشاكل الأمة والدفاع عن طموحاتها ومستقبلها وكلما تقوى هذا الحضور، تقوت معه مصداقية هذه المؤسسة التشريعية، وقوة هذه الأخيرة كفيلة بتحقيق أجزاء كبيرة من طموحات هذا الشعب المكافح وبتلبية مطالبه المشروعة، خاصة تلك المرتبطة بالكرامة، لكن طالما أن مقياس الدرجة الوطنية في النفوس لا زال معطلا، فإن الظاهرة ستستمر مهما تقوت أشكال الحراسة ووسائل المراقبة، لأن هذه الأخيرة ترتبط بالضمير، وطالما أن هذا الأخير ما زال في غيبوبة فإن الوضع سيبقى على ما هو عليه. من يحمي أموال الشعب من تماسيح الانتخابات السقف المالي الضخم الذي تستنزفه المؤسسة البرلمانية المغربية سواء في جوانبه المتعلقة بالتعويضات الشهرية المنتفخة لفائدة البرلمانيين أو تلك المرتبطة بنفقات التعويض عن المهام والتنقل وغيرها من التبويبات التي تخضع لها الميزانية لفائدة القبة البرلمانية، كلها مؤشرات تبرز بقوة الوضع القزمي الذي يحيا عليه المشهد السياسي المغربي، وما تعرفه المؤسسات السياسية من هشاشة على مستوى أجهزتها المقررة.. ومن تخاذل واضح في أدائها لواجباتها السياسية تجاه المغاربة على اختلاف فئاتهم المجتمعية ومستوياتهم الفكرية.. إذ لا يعقل أن يواجه الاستياء الجماهيري الواسع حول الأرقام العملاقة التي تخصم شهريا لفائدة البرلمانيين من الصناديق العمومية للدولة، ببرود قاتل من قبل المؤسسات الحزبية المغربية، دون أن تتحرك هذه الأخيرة للدفاع عن حق الجماهير المغربية في المطالبة بالمساواة بين مردودية نواب الشعب وتعويضاتهم الشهرية، إذ كيف يتسنى لمؤسسة تشريعية تحترم نفسها وتحمي المال العام أن تصرف ما يفوق 3 ملايين ونصف المليون سنتيم شهريا لفائدة برلمانيين غائبين عن الجلسات العامة وعن اجتماعات اللجان، هذا بغض النظر عن جانب الفعالية، لأن الحديث عن هذا الجانب الأخير يبقى حديثا ذي شجون في هذا البلد الكريم الذي ينعته المستفيدون من خيراته بأجمل بلد في العالم، وهل يحق لهذه المؤسسة التي هي في الأصل أصوات الشعب وأدواته الديمقراطية في إقرار الحياة الكريمة للمغاربة، أن تجتهد وتجاهد بكل وسائلها لتحسين أحوال برلمانييها فقط دونا عن المغاربة أجمعين؟! فهي بالإضافة إلى التعويض الشهري المحترم جدا، والحصانة البرلمانية المحترمة جدا.. جدا، والسيارة الفارهة والامتيازات المتنوعة والمختلفة، تضمن لهذا البرلماني العجيب راتبا شهريا بعد مغادرته قبة البرلمان على شكل معاش طيلة حياته، وكأنه بتواجده داخل هذا البرلمان قد حقق للمغاربة معاشات محترمة، أهلته للفوز بهذا المعاش. لكن الأحزاب المغربية حسب المعطيات المتوفرة والشائعة في نفس الآن، تحمي هذه الكائنات السياسية لأغراض حزبية ضيقة.. ويمكن القول إن انعدام الديمقراطية الداخلية للأحزاب، وتخشب قوانينها التنظيمية، وعدم احترام قياداتها لتراتبية الهرم الحزبي وعدم تواصلها الإيجابي مع قواعدها، وطغيان الهاجس الانتخابي عن الحس الوطني في نفوس رؤوسها الأولى، كلها عوامل تغذي باستمراريتها، استمرار هذه المظاهر المشينة في المجتمع المغربي، هذا بالإضافة إلى أن أغلب قيادات هذه المؤسسات الحزبية المغربية، نواب برلمانيون إن في الغرفة الأولى أو الثانية، يستفيدون بدورهم من هذه الكعكعة ويتلذذون بطعمها، وبما أن هذه الحساسيات السياسية تقبع داخل بيوت غير ديمقراطية فإن أولياء أمورها يتحكمون في قراراتها حسب إملاءاتهم رغم الماكياج الديمقراطي الذي يحاولون عبثا الظهور به بين فصائل المجتمع. في ظل هذا الوضع الحزبي المعاق، لا يمكن لهذه المظاهر القبيحة والانتهازية إلا أن تتعملق وتتقوى وتتنامى بشكل سريع في قلب المجتمع رغم أنف هذا المجتمع؛ قد توجد استثناءات داخل هذه المؤسسات الحزبية، لكنها للأسف لا تشكل قوة عددية تمكنها من الضغط بما يؤهلها لحماية هذا التجمع السكاني الكبير الذي يسمى ب (المغرب) من أطماع الوصوليين والمارقين الذين استنزفوا خيراته برا وبحرا وجوا.. كما أن الفعاليات المدنية رغم تحركاتها المتواصلة والمستمرة في مقاومة هذا النزيف، إلا أن تلك الكائنات البرلمانية تملك من الإمكانات السلطوية ما يمكنها من إقبار جميع المحاولات وشل كل الحركات التي تناهض سلوكها المصلحي الذاتي والنفعي الشخصي المريض، إضافة إلى أنها تشكل نقطة تأثير قوية على جميع المؤسسات الدستورية الأخرى، الشيء الذي يرهن وجودها على النحو الذي يرضي مطامعها ويلبي رغباتها ويفتح شهيتها دائما لتقوية روافد دخلها الشهري على حساب أموال الشعب. تابع إدريس ولد القابلة