الفرجة فيها وفيها لم نشاهد في المباراة النهائية لنيل كأس العرش والتي تشرفت بحضور صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد ما يعجب، فقد كان فيها فائز كبير هو المغرب الفاسي الذي أنهى سنة ولا أروع بإنجازين أحدهما تاريخي غير مسبوق في عمر الفريق هو الفوز بكأس الإتحاد الإفريقي، وكان الخاسر الكبير هو النادي المكناسي الذي عاش على حلم إعادة إنجاز 1966 عندما شهد أول نهائي يضع في المواجهة النادي المكناسي والمغرب الفاسي، فوز فرسان الإسماعلية وهم في طريقهم إلى القسم الثاني. بدت الشرايين، شرايين الإبداع أقصد وكأنها مقطوعة، وبدا الطوق التكتيكي مطبقا على الأعناق، ولم تسعف القدرات المهارية التي هي ضعيفة عندنا، اللاعبين على إبداع حلول فردية، فكان جميعنا أمام نهائي هو نسخة قريبة من أصل نهايات كثيرة شاهدناها، تكون فيها الفرق المتبارية بدرجة مفرطة من الحرص والتوجس والحذر إلى الحد الذي يعدم المبادرات. وكانت مباراة نهائي كأس العرش بمضمونها الكروي دالة على أن عملا كبيرا ما زال ينتظر لاعبينا وأنديتنا لإعطائنا كرة قدم من طراز رفيع، وذاك العمل لا يمكن أن ينجز إلا داخل مراكز التكوين التي هي الآن في حكم الغائب عن أوراش الجامعة التي تراهن على الإحتراف نمطا وأسلوبا وتدبيرا أيضا. ------------------- عندما يسقط برشلونة، حيث لا نتوقع له ذلك، يكون الأمر حدثا عرضيا، بل ويدخل في عداد الإستثناءات التي ليست من أصل القاعدة. وعندما يفوز برشلونة بكل الحصص، في مختلف القارات وحتى الكواكب، فإنه إنما يخلص لعادة هي من طبعه الكروي الساحر والأنطولوجي والذي ينذر أن نجد له مثيلا. ما كان عليه برشلونة بطل قارة أوروبا أكبر قاعة للإستحداثات التكتيكية من نموذجية في الأداء وهو يواجه نادي سانطوس البرازيلي حصن الصامبا ومنبث المعجزات الكروية، ليذله برباعية نظيفة ويتوج بكامل الإستحقاق بطلا وليس هناك أروع منه، لكل القارات، وجدته مختزلا في كلمات خرجت بعفوية من شفاه نيمار الذي يتحدث عنه في البرازيل كأسطورة كروية جديدة، عندما قال: «لقد علمنا برشلونة كيف تلعب كرة القدم..». ويصبح لهذه الجملة معناها القوي والمؤثر والذي يستحق أن يكون أساسا للقول بمنتهى الأمانة ومطلق المنطق أن برشلونة فريق من كوكب آخر، عندما ينطق بها لاعب معجون بتربة كرة قدم هي الأكثر سحرا في العالم، ولعل ما قصده نيمار هو جماعية الأداء داخل نادي برشلونة والذي يتجاوز ما يأتي به عادة لاعب مثل ليونيل ميسي من خوارق. يسقط برشلونة ناذرا ليس لأن هناك فرقا أخرى أقوى منه، ولكن لأن له قدرات جماعية قد تضعف ذات وقت لأسباب تصعب السيطرة عليها، ولكنه كلما إستشعر بأن اللحظة فاصلة وفارقة ومفصلية وذات عمق تاريخي إلا ويعلو على التعب، بدليل ما كان عليه من قوة رهيبة يوم واجه الغريم ريال مدريد في الكلاسيكو بالبرنابيو وكتب في كشف التاريخ الحديث على أن هذا الكلاسيكو ملكية خاصة له، وبدليل ما كان في أدائه الجماعي من قوة خارقة جعلته يعطل ما كان يفترض أنه سحر متوارث داخل نادي سانطوس. هي هيمنة قد تكون أندية ذات مرجعية تاريخية مثل ريال مدريد، بايرن ميونيخ وأس ميلان فكرت في إنهائها وتلك طبيعة الكون، ولكن هيمنة برشلونة على كرة القدم العالمية اليوم لا بد وأن تكون موضوع دراسة عميقة، لأنها بكل بساطة تمثل نمطا رياضيا وكرويا وفلسفيا من وحي العصر الحالي، نمط وإن جاز الحديث عنه بحكم الإفتتان به وكأنه رسالة من كوكب آخر، إلا أنه يبقى نمطا مستوحى فكريا ومهاريا وتكتيكيا من إنسان هذا العصر، إنه ببساطة شديدة عنوان نجاح كبير تستطيع كثير من الأندية أن تنسج على منواله، ليس بالأخذ به كاملا ولكن باستلهام معناه العميق والذي يقول أن أول خطوة نحو النجاح هي معرفة ما نريد، وتوفير ما ينبغي توفيره لنحقق هذا الذي نريد في تطابق كامل مع الذات. ------------------ طارق ذياب وزيرا للشباب والرياضة بتونس صدقا الأمر فاجأنا جميعا هنا بالدوحة ونحن نرصد ما يتحرك في تجاويف الرياضة العربية، والقصد بالمفاجأة، ليس أن يكون طارق ذياب النجم السابق لنسور قرطاج والذي يعرفه المغاربة بأهدافه الغادرة وأيضا بلعبه الأنيق، قد ألبس جلبابا أكبر منه، ولكن لأن الرجل نفسه كان يريد المساهمة في صنع الوجه الآخر لتونس بعد ثورة الياسمين من الجامعة التونسية لكرة القدم والتي كان يتطلع لرئاستها لإحداث ما كان يردده دائما من وجوب إطلاق ثورة نمطية تحارب كل أشكال الرتابة والتي ترمز في الحقيقة إلى وجود حالة من التراجع. تختار تونس كما فعلنا نحن ذات مرة عندما أسندنا حقيبة وزارة الشباب والرياضة للبطلة الأولمبية السابقة نوال المتوكل وكما فعلت البرازيل أيضا عندما عينت الأسطورة بيلي قائما على الشأن الرياضي، أن يكون طارق ذياب وجها من وجوه التغيير الذي تحلم به تونس، وذياب لن يكون ثاقبا في تطوير الرياضة التونسية إلا إذا كان له فريق عمل قوي بمؤهله الفكري والرياضي وأعطيته كامل الضمانات الحكومية والقطاعية لينجز البرنامج التطويري.