فلسفة البارصا غريب وغريب جدا هذا الذي يحدث من غرائب الكرة الراقية لدى الفريق الكطلاني.. وغريب هذا التسونامي الفرجوي والأدائي الخارق للبارصا في زمن ثورة كروية لا يصنعها إلا البارصا لوحده.. وما يقدمه النادي الكطلاني كثورة محدثة في فلسفة الكرة يؤكده مدربه غوارديولا انطلاقا من امتلاكه للحل في أي مشكل ما، وفلسفته الخاصة في اللعب وقيمة صناع وسط الميدان، والثقة المطلقة التي يمنحها لنجومه الكبار. وقناعة غوارديولا العلمية في الكرة يبنيها أيضا في الفريق الإحتياطي الذي هزم الفريق البلاروسي باتي بوريسوف برباعية نظيفة، وبذات التناغم الأدائي للكبار عن آخر جولات عصبة أبطال أوروبا.. قناعة الرجل تبنى من امتلاك الكرة باللياقة البدنية والمهارة وسرعة اللمسة، والتوظيف الجيد للعناصر، والإنتشار الإيجابي المحفوظ عن ظاهر قلب في سياق محمول على كل الخطوط المتقاربة، وربما نجح غوارديولا في رسم نهجه الثوري للكرة الراقية حتى في فريقه الإحتياطي والصاعد بفراغ تقرأ ذات الأنموذج البارصاوي المطلق بالإنسياب الكروي والهجومي المطلق في سياق توليفة واحدة للخطوط الثلاث وكأنها في ميزان واحد وثقيل بسلعة علمية واحدة لا يقدر على ترجمتها أي فريق عالمي أو حتى منتخب عالمي إلا المنتخب الإسباني بلمسة البارصا.. غوارديولا وفي معرض فلسفته العامة يقول: «لدي ثقة كاملة في فريقي، كما لدي أيضا فلسفة خاصة باللعب، ولكل مشكل حله مثلما أجد كل الخيارات داخل فريقي الأول أو حتى بفريق الشبان». وهذا ما نعلله في قراءة الرجل لميكانيزما عمله القاعدي المبني على فلسفة واحدة هي إيجاد الحلول الممكنة في الكرة وفي تعقيدات الكرة أصلا إن على مستوى قاعدته الأولى بأفضل النجوم التي يملكها، وإن على مستوى قاعدة الشبان الصاعدين بذات النهج الإنسيابي للكرة التي تجري وليس اللاعب هو من يجري إلا بالضرورة التي يجد فيها حل لغز عدم ضياع الكرة. أكثر من ذلك، كنت أرى في غوارديولا رجلا محظوظا لأنه يدرب فريقا بنجوم كبار وهم يخلقون الفارق في النتائج والهجوم والعالمية، ولكنه في الأصل رجل مارس الكرة مع البارصا حتى في انقلاب الثورة الكروية في عهد النجم الهولندي كرويف الذي درب البارصا بأكثر من نظام لعب، ووضع الفريق الكطلاني يومها في بداية النضج الكروي العالمي، لكن في عهد غوارديولا إرتفعت الكوطة، وأضحى وزن البارصا مقروءا بنظام واحد مطبوع بامتيازات عدة وحلول كثيرة ونجوم هي من تصنع الخطاب التكتيكي بالفرجة والسحر والهجوم الذي لا يتوقف.. وفلسفة غوارديولا في اللعب مضمونة بالهجوم وحاضرة بالهجوم الذي لا يهدأ، واللعب الجيد بالقدر الذي يمكن أن يتواصل في زمن قياسي، وقوة ذلك تظهر في ثقة اللعب بمدربهم مثلما أكده غواريولا مطلقا عندما قال: «بعد قدومي للبارصا، أول شيء طالبت به اللاعبين هو أن يثقوا بي وبفلسفتي، وبالنسبة لي أرى دائما هذا التصور المبني على الهجوم وتوقيع الأهداف بالكثرة واللعب جيدا بالإمكانيات المتاحة بدنيا ومهاريا وذهنيا..». أكثر من ذلك أن قناعة الرجل مبنية في قوة الوسط الذكي والمحرك الإستراتيجي للفريق بكامله إنطلاقا من أن الرجل عندما كان يلعب بالبارصا، كان هو من يلعب في وسط الإرتداد، ويبني للأمام بالعقل، واستجمع منطلق ما امتلكه من إبداع ليرسخه في جيل اليوم والغد، ونستدل من كلام غورديولا الآتي أنه يرى في وسطه هيكل الفريق ورئته المطلقة: «أعرف أن رجال الوسط هم رجال أذكياء يفكرون في الفريق برمته وليسوا أنانيين، ويفهمون اللعب أفضل من أي كان، وبعبارة مطلقة هم النواة المطلقة للفريق». وتبدو هذه المفاتيح الرئيسية للفريق الكطلاني في وسطه الجهني (كزافي، إنيسطاو ميسي وحتى تياغو دون احتساب رافدي بوسكيتس وسيدو كيتا كعملة إضافية) هي التي تقود البارصا دائما نحو العالمية مثلما ينجح فيها بكثير النجم الأرجنتيني ميسي مع البارصا لأنه يجد صناع الحلول في خلفه ولا يجدها بمنتخب بلاده الأرجنتين. وغوارديولا أيضا لا يعطي الإشارة على أنه شرطي ومخبر سري بالفريق الكطلاني لمراقبة كل صغيرة وكبيرة عن لاعبيه، بل يمنح عناصره كل الثقة للحضور جيدا مثلما يؤكده: «عناصرنا لا تنفرد أو تنزوي في غرفة فندق تحضيرا ليوم العمل، الأمور عندنا عادية جدا، وحتى إذا لم يرتاحوا فلا يعني ذلك أنهم يلعبون بأقل من أدائهم، وأفضل أن يكونوا في منازلهم ومع عائلاتهم على أن ينزووا بفندق هكذا. وبالنسبة لي أحكم على أداء اللاعبين انطلاقا من عملهم المنجز وليس من حياتهم الشخصية، ولست شرطيا بهذا المعنى لأراقبهم». إلى كل هذا تبدو فلسفة غوارديولا ظاهرة في الرقعة بالإنضباط التكتيكي والحرية في الأداء المحكوم بالثورة على الإنتشار وامتلاك الكرة والسيطرة على الخصم والهجوم الذي لا يهدأ بهدف أو بهدفين، بل حتى بعشرة أهداف في زمن قياسي يؤكد أن البارصا تظل دائما أمام كل الخصوم في الكؤوس الأوروبية والبطولات سيدة الإكتساح.