لا شيء ضاع يا وداد لم أكن الوحيد الذي شدد على ضرورة أن ينتبه الوداد إلى ما يملكه الترجي الرياضي التونسي من نضج تكتيكي عال يؤهله لأن ينضبط في تمثل أي نهج تكتيكي وأيضا في التعامل مع أي متغير بحسب ظروف وطقوس المباراة.. والإنتباه بالتأكيد يكون بإلتزام كل الحذر في الإنتقال خاصة من الشق الدفاعي إلى الشق الهجومي.. ذلك أن كل مساحة فارغة حتي لو كانت ثقب إبرة يمكن أن تجر على الوداد وبالا وويلات غير مضمونة العواقب.. بالتأكيد كان الوداد يحتاج إلى بنية تقنية وإلى عمق تكتيكي وأكثر منه إلى صلابة عود لينازل خصما من عيار الترجي الرياضي ويحقق ما هو مطلوب منه في مباراة الذهاب، كان الوداد يحتاج إلى أسلوب لعب متطابق ومتماسك، يأخذ بالإعتبار ما يتمتع به الترجي من توازن في الأداء وقدرة على الإتيان بردات فعل سريعة ولكن يحتكم أساسا إلى الملكات الذاتية للاعبيه، لذلك حرص المدرب دوكاسطيل من معرفة مسبقة بإمكانات خصمه إلى إعتماد أسلوب لعب مطبوع بكثير من الحذر ومن الصرامة في الإنتقال من الحالة الدفاعية إلى الحالة الهجومية ومن هذه إلى تلك، وقد برز هذا الحرص بقوة حتى أننا قلنا ذات لحظة أن دوكاسطيل بالغ في تقدير إمكانات الترجي ووضع بالزيادة في الحرص وفي العددية الدفاعية لاعبيه في حرج كبير، فقد كانت الحاجة إلى دخول معارك ضارية على مستوى وسط الميدان، إحتاجت أحيانا إلى ثلاثة لاعبين دفعة واحدة لربح بعض الصراعات التي كان فيها الترجي ممثلا من طرف واحد. وإلتقى دوكاستطيل ونبيل معلول في درجة الحذر والتوجس فكان للأول مبرراته، فهو يلعب خارج قواعده وقد تكون نتيجة غير الهزيمة محفزا له لكسب الرهان، بينما كان دوكاسطيل مدفوعا إلى ذلك بمعرفته اليقينية بما يوجد من فوارق بين لاعبيه ولاعبي الترجي بخاصة على المستويين البدني والذهني، وكان ضروريا في وجود هذا الإحتراس النوعي الذي هو من طبيعة المباريات النهائية أن تأتي المباراة مشنوقة ويغلب عليها الطابع التكتيكي حتى لا نكاد نتلمس ولا حتى ضوء خافت للفرديات القادرة على إحداث ثقب في الغطاء التكتيكي السميك.. وكان متوقعا وقد ساد الحذر وغلب الإحتراس وتشددت الرقابة بخاصة منها رقابة المنطقة أن يجد الوداد ملاذه في الكرات المتوقفة والتي منها جاءت الفرص الثلاث السانحة للتسجيل في الجولة الأولى.. ثلاث كرات قوسها أجدو بحرفنة لتجد حارسا كبيرا هو معز بنشريفية الذي لم يسقط في الأخطاء ذاتها التي إرتكبها خلال مباراة دور المجموعتين فكلفته هدفين في مرماه.. ولست أدري هل كان لزاما أن يتأخر دوكاسطيل كثيرا في إنعاش جبهة الهجوم التي غاب عنها إضطراريا محسن ياجور فتسبب ذلك كله لأونداما في عزلة قاتلة، إذ أنه تأخر كثيرا في إدخال الزئبقي يوسف القديوي مكان ياسين لكحل الذي تفطن التونسيون لعاداته في البحث عن زوايا مفتوحة لإرسال قذائفه، فجرد من أقوى أسلحته، وقد وجد يوسف القديوي صعوبة كبيرة في كسر الحواجز بخاصة عندما يتعلق الأمر عند كل محاولة للإختراق المرور على ثلاثة مدافعين أمام غياب شبه تام للسند ما دام أن دوكاسطيل أصدر أمرا لا يرد بعدم التنازل عن شبر واحد في وسط الميدان. وقد قدم لنا الترجي التونسي ما هو قادر عليه عندما تمكن في الثلث الأخير من الشوط الثاني من كسب كثير من النزالات الثنائية، بل إنه بتحرك تدريجي ومتوازن بعد أن أيقن من الإستنزاف البدني الذي تعرض له لاعبو الوداد تمكن من إطلاق أكثر من صفارة إنذار، وقد حجبت براعة نادر لمياغري سحابة سوداء كادت تعصف بكل الآمال. تنتهي الجولة الأولى من صراع الجبابرة متعادلة بلا أهداف، ويصبح من الضروري أن نواجه أنفسنا بأسئلة ساخنة هي من طبيعة المرحلة.. هل أجهز الوداد على نصف آماله وهو يضيع فرصة صنع الفارق أمام جماهيره؟ وهل يمكن القول بعد الذي شاهدناه أن الترجي الرياضي تقدم خطوة كبيرة نحو اللقب القاري؟ وبماذا أنبأتنا مباراة الدارالبيضاء، وبماذا تنبئنا مباراة الإياب بتونس؟ قد يكون الترجي كسب الرهان الأول وهو يحيل الحسم كله على مباراة السبت القادم عندما يكون على أرضه وأمام جماهيره، وقد يكون الوداد أهدر فرصة لصنع تفوق إستراتيجي يكون له زادا في جولة الإياب، ولكن عندما تنتهي مباراة الدارالبيضاء متعادلة بلا أهداف فإن الحظوظ في واقع الأمر تظل متساوية، فكما أن للترجي القدرة على القبض على اللقب، فإن للوداد أيضا ذات القدرة على التتويج باللقب الذي يقود رأسا إلى كأس العالم للأندية. يعرف فرسان الوداد أن التسعين دقيقة التي إنتهت لم تقدمهم خطوة وأيضا لم تؤخرهم خطوة، فصناعة التاريخ ونسج الملحمة الكبرى يحتاجان إلى أداء أنطولوجي هناك بتونس، أداء يلدغ الترجي من ذات الجحر الذي لدغ منه أكثر من مرة، عندما يتباهى بهجوميته فيترك ثقوبا في دفاعه منها يمر القطار وتكون الضربة القاضية. أرجو صادقا أن يحافظ لاعبو الوداد على تماسكهم ويعضوا بالنواجد على فرصة ولا أروع لكتابة التاريخ الجديد لوداد الأمة حتى لو كان ذلك على حساب ترجي عالي الهمة. بدرالدين الإدريسي