إنهم يعيشون في المريخ! من كان رجل المباراة أمام تانزانيا؟ سؤال نطرحه في العادة بيننا داخل أسرة التحرير، نتوافق أو نختلف، ولكننا كلما أعملنا معيارًا فنيا دقيقًا بعينه يرصد أداء اللاعب ويقيم بموضوعية كاملة كيف وضع أداءه في خدمة الفريق، كيف قلب المباراة وكيف كان نجمها المطلق بفرض أن هناك نجوما آخرين مفترضين داخل المباراة، كلما اقتربنا من موضوعية الإختيار.. خلال مباراة تانزانيا كان ظاهرا للعيان أن بدر القادوري قدم من روحه الشيء الكثير ليشعل الرواق الأيسر وليضع كل التوطئات الممكنة لما سيأتي به أسامة السعيدي من خوارق، وكان ظاهرًا أن الحسين خرجة أبدع في ضبط الإيقاع وفي توجيه دفة اللعب وفي التأثير إيجابًا في البناءات الهجومية، وكان ظاهرًا أن عادل تاعرابت بحث بكل الطرق عن أداء يقربه من الهلامية ليكون هدية عرفان لغيرتس ولكل الجماهير التي غفرت له، وكان ظاهرًا أن أسامة السعيدي الموضوع بقصد مبيت وبتحرش عن سبق عمد تحت الرقابة لنسف مهاراته الخارقة في الإختراق، سعى بجسده النحيل إلى المشي أحيانًا فوق الألغام ليضيء ما كان معتما، وكان ظاهرًا أن مروان الشماخ الذي ينتظر الكثيرون أن تصل الكرة إليه ليضعوا له العلامة قد حرث الملعب طولا وعرضا، نزولاً وصعودًا، وقام بدور استراتيجي في تحرير المساحات من العسس التانزانيين.. ولكن ما كان بارزًا ولا نستطيع أن نختلف عليه كلما إحتكمنا للمنطق وللمرجعية التقنية ولأدوات النقذ الموضوعي وليس الذاتي هو أن امبارك بوصوفة علا على الجميع، ليس بما قدمه تحديدًا في الجولة الأولى، ولكن بما قدمه في الشوط الثاني عندما كان الفريق الوطني يمشي على أسنة الرماح بحثًا عن هدف ثان يخلصه من صواعق المفاجأة. جاء امبارك بوصوفة بكل أسلحته الفنية في المراوغة وفي التمرير وأيضا في النداء المتكرر على الكرات من مواقع كثيرة، حتى أنه في لحظات عصيبة إمتلك الجرأة والجسارة ليطلب الكرة ولو في مساحات مزروعة بالألغام. لم نجعل من امبارك بوصوفة نجما لمباراة الأحد، لأنه سجل هدفا ثالثا للفريق الوطني أوصد الأبواب وأنزل الستارة، ولكن لأنه أنجز جولة ثانية غاية في الروعة والإتقان تفوق بها أداء وحضورًا وتأثيرًا على مجريات المباراة عن كل زملائه.. وبينما كان المدرب والناخب الوطني إيريك غيرتس يسر لمحيطه الصغير جدًا أن من يفقه في أصول كرة القدم سيعترف لمبارك بوصوفة بالعمل الرائع الذي أنجزه في الشوط الثاني ليخلص المباراة من رتابتها.. متفقا في ذلك على أن بوصوفة كان الأبرز، سخر زملاء إعلاميون لا يملكون رخصة «الخبرة» داخل راديو مارس عندما وقع إختيارنا على امبارك بوصوفة رجلاً للمباراة، بل إن منهم من سقط في محظورات النزاهة الفكرية وإنحدر إلى وحل الرداءة وقال أن صحيفة وطنية (يقصد المنتخب) إختارت بوصوفة نجمًا للمباراة وكأنها شاهدت مباراة أخرى غير مباراة تانزانيا، بينما الحقيقة أن من جيء به إلى راديو مارس محللا أو محرما لا فرق، ربما شاهد المباراة من كوكب المريخ.. لا يعنيني في شيء الأساس المهني الذي يقوم عليه الخط التحريري لراديو مارس الذي ساهمت «المنتخب» في ميلاده، إرتبطت معه بشراكة إستراتيجية فضتها لأسباب سأعود إليها لاحقا، ولكن يصدمني أن يعمد البعض من الذين يلبسهم آخرون جلباب الخبراء والمحللين إلى إستبلاد المستمع المغربي وإلى تمييع الحوار الرياضي وتحريف الحقائق والمعطيات الراسخة في ذاكرة العقلاء، وباسم حرية الرأي يشنون غارات رعناء على من يتحصنون بالمصداقية التي تقاس بطول العمر الإعلامي وليس بطول اللسان..